حرية – (20/1/2024)
أزمات اقتصادية وسياسية وزيادة في الهجمات المسلحة وتوتر في العلاقات مع جارتها الأخرى (أفغانستان)، عوامل «تكبل» قدرة باكستان على خوض حرب، مما دفع البلد الآسيوي إلى إنهاء أزمته مع إيران.
فعندما تبادلت إيران وباكستان الضربات الجوية الأسبوع المنصرم، واستهدفت كل منهما ما قالتا إنها معسكرات للمتشددين، أثار التبادل مخاوف من أن الاضطرابات التي تجتاح الشرق الأوسط كانت تنتقل إلى مناطق جديدة.
إلا أنها سرعان ما هدأت الأمور بين البلدين الآسيويين، فباكستان أشارت إلى أنها تسعى إلى وقف التصعيد من خلال وصف البلدين بأنهما «دولتان شقيقتان» داعية إلى الحوار والتعاون، وهي اللغة التي رددتها إيران في بيان خاص بها يوم الجمعة.
فما الأسباب التي عجلت بنزع فتيل الأزمة؟
يقول المحللون إن نداء باكستان يسلط الضوء على حقيقة واضحة: أنه لا يمكن أن تكون في وضع أسوأ لخوض حرب.
باكستان تتجه إلى إنهاء الأزمة مع إيران
وتقول صحيفة «نيويورك تايمز»، إن باكستان ظلت لمدة عامين متورطة في أزمة اقتصادية واضطرابات سياسية شكلت تحديًا مباشرًا للمؤسسة العسكرية القوية في البلاد، مشيرة إلى أن الهجمات الإرهابية تجددت في أنحاء البلاد، إضافة إلى التوتر في العلاقات مع حكومة طالبان في أفغانستان المجاورة.
ورغم ذلك، إلا أنه كان على باكستان التي كانت أول من تعرض للضربة، أن تبعث برسالة واضحة مفادها أن انتهاك سيادتها لن يتم التسامح معه.
رسالة سرعان ما أعقبها الجيش الباكستاني بأخرى، أظهرت رغبته في احتواء التوترات، وهي رغبة مدفوعة إلى حد كبير بالضغوط الهائلة التي كانت البلاد تحتها حتى قبل الاشتباك مع إيران.
وقال مايكل كوجلمان، مدير مركز ويلسون: «في الوقت الذي تشهد فيه باكستان بعضًا من أخطر الاضطرابات الداخلية منذ سنوات، إن لم يكن عقودًا، فإن آخر شيء يمكنها تحمله هو المزيد من التصعيد وزيادة خطر الصراع مع إيران».
فـ«أن تكون باكستان عالقة في توترات خطيرة ليس مع واحدة أو اثنتين من جيرانها، بل مع ثلاثة جيران، فهذا هو السيناريو الأسوأ على المستوى الجيوسياسي، على الإطلاق»، يقول كوجلمان.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الصدام مع إيران جاء قبل الانتخابات البرلمانية المرتقبة على نطاق واسع في باكستان والمتوقع إجراؤها في أوائل فبراير/شباط المقبل، وهي الأولى منذ إقالة رئيس الوزراء السابق عمران خان في تصويت بحجب الثقة أجري في أبريل/نيسان 2021.
وأثارت الإطاحة بعمران خان أزمة سياسية هزت البلاد؛ واستياءً عميقاً – وخاصة بين الشباب الباكستانيين والطبقة المتوسطة – تجاه الجيش، فخرج عشرات الآلاف إلى الشوارع للاحتجاج في مشاهد عنيفة في بعض الأحيان، واقتحم المتظاهرون بوابات مقر الجيش الوطني وهاجموا المنشآت العسكرية في جميع أنحاء البلاد.
معضلة استراتيجية
ومما زاد من القلق السياسي أن «العنف الذي تمارسه الجماعات التي هاجمت أهدافاً سياسية وعسكرية على حد سواء قد عاد إلى الظهور خلال العامين الماضيين، مما أدى إلى مقتل المئات»، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن «الهجمات كشفت عن الاستقرار الهش في البلاد وزادت من تآكل ثقة الجمهور في الجيش، كما أنها غذت التوتر المتزايد مع حركة طالبان في أفغانستان، حيث وجدت بعض الجماعات المسلحة ملاذا آمنا منذ أن استعادت الجماعة السلطة في عام 2021، بينما تم طرد مجموعات أخرى من الأراضي الأفغانية إلى باكستان».
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن باكستان تجد نفسها في وضع اقتصادي صعب، حيث تعتمد بشكل كبير على قرض صندوق النقد الدولي الذي يبقي اقتصادها على قدميه.
وفي ظل الظروف الحالية، يقول المحللون، فإن الاستراتيجيين العسكريين الباكستانيين يسيرون على خط رفيع للغاية.
ويقول الخبير البارز في معهد الولايات المتحدة للسلام اسفنديار مير: «من ناحية، واجهوا معضلة استراتيجية مفادها أنه إذا سمحت باكستان لهذا الأمر بالمرور، فإن ذلك كان سيشجع جميع خصوم باكستان، وخاصة الهند. من ناحية أخرى، من خلال تبني موقف المواجهة والرد، تخاطر باكستان بالدخول في معضلة من ثلاث جبهات».
إلا أنه مع ذلك، فإن التبادل العسكري مع إيران أظهر أنه على الرغم من الاستياء المتزايد تجاه المؤسسة العسكرية الباكستانية، فإن السياسة الخارجية للبلاد تظل في أيدي الجنرالات.
ولعقود من الزمن، قصفت باكستان بشكل متقطع المناطق الحدودية الأفغانية فيما وصفه مسؤولون باكستانيون بهجمات مستهدفة ضد المسلحين الباكستانيين الذين يبحثون عن مأوى هناك. وفي عام 2019، هدد القصف المكثف وتبادل إطلاق النار بين باكستان والهند على طول حدودهما المتنازع عليها في البداية بالتحول إلى حرب بين الدولتين المسلحتين نوويًا، لكن تم احتواء هذا التهديد في النهاية.
باختيارها انفصاليين من جماعة البلوش العرقية كهدف لها في إيران، عكست باكستان يوم الخميس الإجراء الذي قالت إيران إنها اتخذته بمهاجمة جماعة متشددة، جيش العدل، داخل منطقة بلوشستان في باكستان. وكانت الجماعة قد هاجمت مركزًا للشرطة في جنوب شرق إيران في 15 ديسمبر/كانون الأول وقتلت 11 ضابطًا.
وقالت مديحة أفضل، الزميلة بمعهد بروكينجز في واشنطن، إن باكستان قامت بالانتقام المتبادل بـ«أكثر الطرق حذرًا ومتعمدًا عند اختيار استهداف المسلحين البلوش – مواطنيها – المختبئين في إيران».
وأضافت أن الضربات والبيان الدبلوماسي الذي أعقبها «حاولا غرس إبرة ردع أي إجراء مستقبلي من جانب إيران مع الإشارة أيضًا إلى مخرج لخفض التصعيد».
إلا أنه مع ذلك، فإنه بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في بلوشستان، كانت الغارة الجوية الإيرانية بمثابة تذكير مدمر بالعنف الذي اجتاح المنطقة لسنوات.
ولقد واجهت بلوشستان، وهي مقاطعة كبيرة وقاحلة في جنوب غرب باكستان وتمتد على الحدود مع إيران وأفغانستان، خمس حركات تمرد منذ تأسيس باكستان في عام 1947، وكان أحدثها وأكثرها استمرارية منذ عام 2003. وقد شنت هذه الجماعات هجمات عنيفة باسم مكافحة التهميش السياسي والقمع السياسي.
حرب؟
وقال مالك سراج أكبر، الخبير المقيم في واشنطن في شؤون المنطقة، إن الشعب البلوشي «يشعر الآن بأنه عالق في حرب بين دولتين لا يستطيع السيطرة عليهما. إن الظروف الاجتماعية والسياسية القاتمة في كلا البلدين تغذي المقاومة البلوشية، وهذه الضربات الجوية تخاطر بدفع المزيد نحو الجماعات المسلحة، مما يزيد من زعزعة استقرار المنطقة».
وحتى وقت قريب، كان يُنظر إلى اندلاع حرب مع إيران ــ أول تبادل لإطلاق الصواريخ بين البلدين في الذاكرة الحديثة ــ على أنه أمر لا يمكن تصوره تقريبا، على الرغم من الانتهاكات الحدودية العرضية على مدى السنوات العديدة الماضية.
وظهرت الخلافات على مدى عقود حول قضايا مثل الإرهاب ومشروع خط أنابيب الغاز الفاشل والتنسيق الوثيق بين إيران والهند، لكن العلاقات الدبلوماسية ظلت ودية إلى حد كبير، حتى مع الخلافات الطائفية بين إيران الشيعية وباكستان ذات الأغلبية السنية.