حرية – (21/1/2024)
كان إيان ستراكان يدرك عندما كانت سفينته تمخر عباب بحار القطب الجنوبي، الأحد الماضي، أنها تقترب من عملاق أبيض يطفو في مكان ما أمامه ويحتجب وراء الضباب الكثيف، هو في الواقع أكبر جبل جليدي في العالم.
ويروي إيان ستراكان الذي كان يومها يقف للمرة الأولى في حضرة هذا الجبل الجليدي لوكالة الصحافة الفرنسية، أن “الغيوم انقشعت بعد ذلك”، مما مكنه من “رؤية هذا الخط الأبيض، المجرد تقريباً، يمتد على طول خط الأفق”.
وكلما كانت سفينته تتقدم، كانت تظهر شقوق ضخمة وأقواس زرقاء بديعة، منحوتة في الجدار الجليدي. مشيراً إلى أن بعض الأقواس انهارت تحت ضربات الأمواج التي كان ارتفاعها يبلغ أربعة أمتار.
جبل الجليد
تبلغ مساحة الجبل الجليدي “أي 23 أي” (A23a) ذي الشكل المسنن نحو أربعة آلاف كيلومتر مربع.
ويقدر وزنه بما يقارب ألف مليار طن، ويصل سمكه في بعض الأماكن إلى 400 متر، وهو يتجه نحو شمال المحيط الجنوبي، ويقع في الوقت الراهن بين جزيرة “إليفانت آيلند” وجزر أوركني الجنوبية.
ولم تكن بعثة إيان ستراكان الاستكشافية الخاصة التي تديرها شركة “إيوس إكسبيديشنز”، أول من وقع على هذا المشهد.
لحظة ساحرة
ففي ديسمبر (كانون الأول) الماضي كانت سفينة الأبحاث القطبية البريطانية “آر آر أس سير ديفيد أتنبرو” تنفذ مهمة علمية في القارة القطبية الجنوبية عندما تبين أن “أي 23 أي” يعوق طريقها.
ويصف قائد البعثة أندرو مايرز بـ”السحرية” اللحظة التي اقتربت فيها سفينته من الجبل الجليدي، وظهرت الشمس، وكانت مجموعة من الحيتان القاتلة تسبح بجواره.
ويقول هذا العالم من هيئة المسح البريطانية للقارة القطبية الجنوبية “بريتيش أنتركاتيك سورفي”، “لقد احتجنا إلى ست ساعات بكامل قوة السفينة لتجاوز الجبل”.
وانفصل الجبل الجليدي “أي 23 أي” للمرة الأولى عن ساحل القطب الجنوبي عام 1986، مما يجعله في آنٍ واحد الأقدم والأكبر في العالم، لكنه سرعان ما علق في المياه الضحلة في المحيط، وبقي ثابتاً في موقعه نحو ثلاثة عقود. وفي عام 2020 لاحظ أندرو فليمنغ من “بريتيش أنتركاتيك سورفي” أيضاً، استناداً إلى صور التقطتها الأقمار الاصطناعية، أن العملاق الجليدي “يتأرجح”.
التوجه شمالاً
وما لبث الجبل أن تحرر في أواخر العام الماضي من الموقع الذي كان عالقاً فيه، وبدأ بالتوجه شمالاً. ولا تزال مسألة مفتوحة مسألة الارتباط بالتغير المناخي، إذ وصل الجليد البحري الشتوي في القارة القطبية الجنوبية إلى مستوى قياسي من الخفض عام 2023. ويشبه أندرو مايرز ذلك بمحاولة تفسير حريق أو فيضان واحد بالاحترار المناخي العالمي.
إلا أن أندرو فليمنغ يشرح أن تكوين هذا النوع من الجبال الجليدية عملية طبيعية، وأن كتلة أو اثنتين ضخمتين من الجليد تنفصلان في كل عام عن القارة البيضاء.
التقدم بطء
ويرجح فليمنغ أن تكون “نهايته حانت”، وأنه يعيش أشهره الأخيرة، ولأن “الوحش الكبير”، كما يسميه، يتقدم ببطء، “كان ليتوافر متسع من الوقت أمام سفينة (تايتانيك) لرؤيته” قبل أن تصطدم به.
ومنذ أن انفصل “أي 23 أي” عن القارة البيضاء، اتبع تقريباً المسار نفسه الذي اتبعه الجبلان الجليديان الضخمان السابقان “أي 68” وإيه 76″، مروراً بالجانب الشرقي من شبه جزيرة أنتاركتيكا القطبية الجنوبية وبحر ويدل، على طول طريق تعرف باسم “ممر الجبال الجليدية”.
ويتوقع أندرو فليمنغ أن تؤدي مياه أعلى حرارة وأمواج أكبر على طريقه إلى كسره. وإذا سار على خطى سلفيه فسيتجه نحو جزيرة جورجيا الجنوبية الغنية جداً بحيواناتها البرية كطيور البطريق والفقمات.
ويثير ذلك بعض القلق، إذ إن الجبل الجليدي، في حال توقف قرب الجزيرة، قد يمنع هذه الحيوانات من الوصول إلى مكان تغذيتها المعتاد. إلا أن هذا السيناريو غير محتمل.
ويوضح أندرو مايرز أن الجبل الجليدي “أي 68” انقسم بدلاً من ذلك إلى قطع صغيرة، مما جعل الملاحة صعبة لقوارب الصيد.
لذلك، من المرجح أن ينجرف “أي 23 أي” نحو محيط الجزيرة ويستمر مساره نحو الشمال. وفي نهاية المطاف يذوب في المياه الدافئة، مثل كل الجبال الجليدية التي تسلك هذا الاتجاه.