حرية – (21/1/2024)
يتمنى خالد إبراهيم أن يبني بيتاً في أرضه بمحيط سامراء، لكنه سينقطع عندها عن بقية المدينة إذ تقع أرضه خلف سور من الأسمنت شيد خلال النزاع الطائفي لحماية المدينة الواقعة في شمال العراق، لكنه بات يخنق نموها.
أقيم هذا السور منذ أكثر من عقد، في ذروة حرب طائفية مزقت البلاد حينها، لحماية المدينة التي تضم خصوصاً قبري الإمامين علي الهادي والحسن العسكري المقدسين لدى الشيعة.
ذاكرة دموية
وكانت شرارة هذه الحرب الدموية التي راح ضحيتها عشرات الآلاف تفجيراً في عام 2006 استهدف مرقدي الإمامين في المدينة الواقعة في محافظة صلاح الدين ذات الغالبية السنية، تلاه تفجير ثانٍ في عام 2007 أدى إلى انهيار مئذنتي الضريح.
ومع تحسن الأوضاع الأمنية في العراق، ربما أصبحت هذه المرحلة ذكرى بعيدة بالنسبة إلى سكان سامراء التي تبعد نحو 110 كيلومترات عن بغداد، لكن السور الذي يطوقها لا يزال بمثابة تذكير دائم بتلك الحقبة الحالكة.
وفي الوقت نفسه هو يعوق منذ عام 2008 حركة السكان المحاصرين داخله، والذين ازداد عددهم من 300 ألف إلى 400 ألف نسمة.
يقول خالد إبراهيم، وهو عامل مياوم يبلغ من العمر 52 سنة، إن السور “بات مثل كابوس، أسوأ من سجن”.
وكما آلاف العائلات الأخرى، كان إبراهيم يقطن مع عائلته منزلاً في منطقة عشوائية مخالفة، إلى أن جاءت السلطات وقامت بهدمه، ومنذ ذلك، هو يستأجر منزلاً لقاء 250 ألف دينار (نحو 180 دولاراً) في الشهر.
ويثقل هذا المبلغ كاهل الرجل الذي لا يتجاوز مدخوله مع ابنيه العاملين المياومين أيضاً، 30 ألف دينار (21.6 دولار) في اليوم، وأحياناً أقل.
لكن السور يبقى عائقاً بينه وبين أرضه الواقعة في الجهة الأخرى منه إذ لا يسمح له البناء فيها لأنها تقع بمحاذاته تماماً.
ويروي الرجل “لا أستطيع أن ابني خارج السور لأن القوات الأمنية تمنع ذلك، لا تسمح لأحد بالاقتراب من السور”، ويضيف “لا توجد خدمات أيضاً، لا ماء ولا كهرباء، الحياة معدومة، إذا بنيت خارج السور، كأنما تعيش في منفى”.
وعلى رغم عدم الاستقرار السياسي الذي قد يعيشه العراق بين حين وآخر، بدأت السلطات تزيل السواتر تدريجاً في العاصمة وتفتح الطرقات التي كانت مغلقة بجدران أسمنتية طوقت أيضاً بعض المباني لحمايتها.
جدران عالية
أما سامراء المدينة التي كانت في الماضي العاصمة الثانية للدولة العباسية (836-892) بعد بغداد، والمدرجة بمعالمها الأثرية، ولا سيما المئذنة الملوية على قائمة منظمة “اليونيسكو” للتراث العالمي، فلا تزال محاصرة بجدران عالية من الأسمنت.
تلاصق السور بيوت من الطوب أبوابها من حديد تآكل مع مرور الزمن، ومن الجانب الآخر، تمتد مساحات شاسعة من الأراضي الفارغة نمت فيها الأعشاب البرية.
يمكن دخول المدينة حالياً من ثلاثة مداخل، تحميها حواجز أمنية.
وتدرك السلطات في المدينة الصعوبات التي يطرحها السور على الحياة اليومية للسكان، ولذلك تسعى إلى تنفيذ مشروع لتوسعة مساحته وإبعاده بضعة كيلومترات وتحديثه، بحيث يصبح عدد مداخل المدينة ستة، إضافة إلى نصب كاميرات مراقبة وإقامة أبراج.
خطط أمنية
يشرح معاون محافظ صلاح الدين رياض الطايس “كنا نتمنى أن يتم رفع السور، لكن الضرورات والخطط الأمنية والأفق الأمني للجهات الأمنية الماسكة للقطاعات، وأيضاً قيادة العمليات المشتركة ارتأت أن يبقى هذا السور”. ويضيف أن الهدف “ألا نقع في خطأ وفي كارثة كما حصل في عام 2006 أدت إلى حرب طائفية راح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب العراقي”.
ويذكر المسؤول بأن الهدف من تشييد السور بعد الهجوم على المرقدين كان “المحافظة على المدينة وأهلها من الهجمات الإرهابية التي كان يقودها تنظيم القاعدة الإرهابي في تلك الفترة”.
مع ذلك، يقر الطايس بأن السور بات “خانقاً لمدينة سامراء من حيث الدخول والخروج”، ويضيف أن هذا السياج “أوقف الحركة العمرانية والتوسعية” الطبيعية للمدينة.
في الوقت نفسه لا يزال هناك خطر كامن اليوم، وفق المسؤول، حيث إنه “على رغم كل التحصينات وتحسن الوضع الأمني لا تزال هناك خلايا نائمة لتنظيم (داعش) الإرهابي وتنظيمات أخرى”.
ويشير تقرير للأمم المتحدة نشر في صيف عام 2023، إلى أن عمليات تنظيم “داعش” اقتصرت على المناطق الريفية، بينما كانت الهجمات في المراكز الحضرية أقل في العراق.
مشروع التوسعة
مع ذلك، يضيف التقرير أن التنظيم “حافظ على وجوده في معاقله حول صلاح الدين شمال بغداد (الطارمية)، وديالى وكركوك”.
يرى ليث إبراهيم أحد سكان المدينة أنه “داخل سامراء، الأمن 100 في المئة”، لكن “خارج سامراء، لا”.
ويؤيد الرجل البالغ من العمر 64 سنة فكرة توسيع هذا السور، ويقول “هناك شح بالأراضي والسكن، أسعار العقارات تزداد يومياً”.
تنوي السلطات بحسب معاون المحافظ البدء “خلال شهر” بالعمل على مشروع توسعة السور البالغة قيمته 14 مليار دينار (نحو 10 ملايين دولار)، حيث سيزيد طوله من 12 إلى 34 كيلومتراً، أما المسافة التي سيتم إبعاده فيها عن المدينة، فستراوح ما بين ثلاثة وسبعة كيلومترات، لكن بالنسبة إلى خالد إبراهيم، فقد تكررت هذه الوعود مراراً من دون جدوى.
ويقول الرجل “منذ سنين يعدوننا بأنهم سيقومون بتحويل مكان الساتر، وبأنهم سيزيلون المعاناة عنا، ولكن أحداً لم يفعل”.