حرية – (27/1/2024)
بسبب عاملين حاسمين، هما التطور التقني وانتقال الجريمة من شكلها التقليدي الساذج إلى آخر نوعي معقد، دخل كلب الحراسة في وقتنا هذا دائرة الكائنات المعرضة للانقراض، إذ لم يعد وجوده ملحوظاً بعد ظهور الآلة ودخول الحضارة الإنسانية عصر التقنيات الحديثة، وتوزعت مهامه الخطرة بين الوسائط الحديثة مثل أنظمة المراقبة المتطورة وكاميرات الفيديو وأجهزة الإنذار، إضافة إلى ظهور دور البشر أنفسهم في هذا المجال بعد تطور الجريمة، من خلال مهنة “البودي جارد” أو الحارس الشخصي.
تتلخص مشكلة هذا المخلوق مع مهنة الحراسة الخطرة، في أن دوره اقتصر منذ القدم على حماية الممتلكات، بخاصة البسيطة منها مثل المؤن الزراعية والمحاصيل والمخازن الصغيرة، ثم دخل قسراً في دائرة التطور الإنساني السريع فلم يعد قادراً على تأدية كثير من المهام الحساسة التي تحتاج إلى صفات معينة تتجاوز الذكاء العادي والأمانة والتفاني والتضحية والإخلاص.
صفات كلب الحراسة
لم ينجح الكلب في مهمة الحراسة حديثاً بسبب نقص في صفاته الطبيعية، إذ تضم الموسوعات العلمية أكثر من 25 نوعاً من الكلاب التي استخدمت للحراسة منذ العصور الوسطى المبكرة وحتى الآن. ووفق هذه المصادر فإنه لم يتقن هذا العمل في وقتنا الراهن إلا نوعان أو ثلاثة من الكلاب التي وجدت متمتعة بالصفات الطبيعية المناسبة/ المثالية لتأدية المهمة، وأشهرها كلب الراعي الألماني.
أما بقية الأنواع فوظفت في مهام جانبية تناسب طبيعتها، مثل حراسة الأبناء وتحديداً الفتيات، ومن أشهر هذه الأنواع كلب الـ”دوبرمان”، فيما البقية دربت تدريباً شاقاً لتناسب المهمة عبر تطويعها وتهجينها وتغيير بعض الصفات الطبيعية لها، ومنها كلب الشرطة الشهير الـ”بوردوكس”، ومع ذلك ظلت مهمة الحراسة التي تتولاها الكلاب في نطاق المهام البسيطة وغير الحيوية.
تقول الإحصاءات التي تكرر نشرها أخيراً إن 99 في المئة من الناس أصبحوا فقراء في مقابل حيازة واحد في المئة لثروات العالم (إحصاءات حتى 2023)، إذ لم تعد ممتلكات الإنسان الرئيسة الثمينة التي يرغب في تعيين حارس لها ممتلكات عادية وبسيطة وساذجة. فالإنسان بعد تطور نمط حياته والانتقال إلى النمط الاستهلاكي ومرحلة رؤوس الأموال ودخوله عصر الدولة النووية، أصبح يمتلك أشياء ضخمة وهائلة. ومع الوقت عجزت الآلة ذاتها عن حراسة بعض الأشياء، وأهمها حماية أرواح الشخصيات المهمة، خصوصاً بعد تطور الجريمة وانتقالها من إطار السرقة والسطو واقتحام الممتلكات ضمن ما يعرف بالجريمة التقليدية، إلى إطار نوعي تجسد من خلال ممارسات جديدة مثل الخطف والابتزاز والإرهاب. مما أدى إلى ظهور الحاجة إلى الحارس الشخصي، وهي وظيفة لا يصلح لها كلب الحراسة على الإطلاق.
ظهور الـ”بودي جارد”
مع تطور وسائل الجريمة فقد كلب الحراسة معظم مهامه المتبقية قبل زمن الآلة، وصار مخلوقاً للزينة كونه بسيطاً وساذجاً يسهل تجاوزه من قبل المجرمين، بخاصة في وظيفة حراسة الشخصيات المهمة من سياسيين ونجوم الفن ومشاهير الرياضة وغيرهم. واستبدل كلب الحراسة بالحارس الشخصي المدرب بشكل احترافي على استخدام مهاراته الشخصية ووسائل الحماية المتطورة التي توفرها التكنولوجيا. وكان أول من وظف الـ”بودي جارد” بمفهومه البسيط هم اليابانيين من خلال ما عرف بقوات “الساموراي” بين الفترة (1750 – 1850).
ويذكر أن مهمة الحراسة الخطرة التي أداها الكب لقرون من الزمن شكلت أساساً لعلاقته الحميمية بالإنسان، فيما انتقلت هذه الحميمية لاحقاً إلى الآلة، ومن ثم إلى الحارس الشخصي، أو الإنسان الذي تنتهي معظم علاقاته الشخصية بمن يحرسهم، في الأعمال الدرامية، بالزواج من تلك الشخصيات، أو إقامة علاقات عاطفية مع شخصيات من مستويات أرفع منه بكثير.
أخيراً، وثقت السينما حكاية مصير كلب الحراسة بشكل أدبي عميق أحياناً، تمثل في استعراض دخول الآلة هذا المجال بدلاً منه، وتحول الإنسان إلى مهنة الحراسة الشخصية، وذلك من خلال عشرات الأعمال. كان أهمها سلسلة أفلام ومسرحيات ومسلسلات عرضت تحت عنوان “بودي جارد” منذ عقود عربياً وعالمياً.
وفي الفيلم الكوميدي “زكي شان” للفنان المصري أحمد حلمي نشهد نقلة نوعية جديدة لدور الحارس حديثاً، إذ تتغير صفات الـ”بودي جارد” بشكل هزلي كامل ليصبح شخصاً عادياً موكلاً بحماية القيم الإنسانية والأخلاق في العائلات الثرية المفككة، ويسهم الحارس الشخصي في الفيلم بحماية الأسرة كلها، وتحديداً الطفل المنعزل شقيق الفتاة التي يحرسها، الذي حوله زكي إلى شخص اجتماعي يتفاعل مع الناس والحياة من جديد.