حرية – (28/1/2024)
حالة من الجدل رافقت إعلان وزارة السياحة والآثار المصرية عن مشروع دراسة وتوثيق البلوكات الغرانيتية التي تمثل الكساء الخارجي لهرم الملك منكاورع، الموجودة بمنطقة أهرام الجيزة، تمهيداً لإعادة تركيبها بإشراف بعثة أثرية مصرية – يابانية مشتركة.
وفي كلمته التي ألقاها من أمام هرم منكاورع أعرب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار ورئيس البعثة الأثرية مصطفى وزيري عن سعادته بانطلاق هذا المشروع، واصفاً إياه بأنه مشروع القرن وهدية مصر للعالم تزامناً مع الافتتاح الوشيك للمتحف المصري الكبير.
وأشار وزيري إلى أن هذا المشروع سيسهم في رؤية هرم الملك منكاورع لأول مرة كاملاً بالكساء الخارجي له كما بناه المصري القديم، لافتاً إلى أن البلوكات الغرانيتية للكساء الخارجي للهرم كانت نحو 16 بلوكاً لم يتبق منها حالياً سوى سبعة بلوكات فقط، وهو ما سيقوم المشروع بالعمل على دراستها وترميمها وتوثيقها وإعادة تركيبها، وسيتم تنفيذه على مراحل عدة خلال ثلاث سنوات ليشمل أعمال رسم وتصوير “فوتوغراميتري” وتوثيق و”ليزر سكان”، ثم البدء الفعلي في أعمال إعادة تركيب البلوكات الغرانيتية.
أهم المواقع الأثرية في العالم
أهرام الجيزة القائمة في مكانها منذ آلاف السنين، والتي تعد من أهم المواقع الأثرية في العالم، ظلت صامدة أمام الزمن وتقلباته المختلفة، سواء الطبيعية مثل الزلازل والأعاصير، أو محاولات الهدم أو اقتطاع بعض الأحجار في عصور مختلفة، ومن بين الأضرار التي لحقت بها هو سقوط أجزاء من الكساء الخارجي للأهرام، كما حدث مع هرم منكاورع، فكيف يرى المتخصصون هذا المشروع، وما رؤيتهم تجاهه؟
المتخصص في المصريات ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية حسين عبدالبصير، يقول لـ”اندبندنت عربية” إن “هرم منكاورع هو الوحيد من بين أهرام الجيزة الذي كان عليه كساء من الغرانيت، فالكساء الخارجي للهرمين الأول والثاني خوفو وخفرع، من الحجر الجيري المستجلب من محاجر طره، بينما أحجار الهرمين نفسها من الأحجار المحلية الموجودة في هضبة الجيزة، أما هرم منكاورع فبني في عصر لاحق وجلبت له أحجار الغرانيت الوردي من محاجر أسوان، وسقط منها كثير بفعل عوامل الزمن ومحاولات استقطاع أحجار منه لإعادة استخدامها في منشآت أخرى في عصور لاحقة، من بينها الحقبة الإسلامية لبناء أسوار للقاهرة وقلاع ومساجد، وهي ظاهرة تشهدها كثير من آثار هذا العصر، فبعض المساجد بها أعمدة مستقطعة من معابد مصرية وغيرها”.
ويضيف “هناك فجوة ظاهرة بالفعل في هرم منكاورع لأحجار مستقطعة، وطبقة الغرانيت التي كانت تغطيه انتزعت وأجزاء كثيرة منها موجودة في المنطقة حول الهرم بالفعل وإعادة رفعها على الهرم قد يكون شيئاً جيداً وليس مرفوضاً تماماً، لكن لا بد أن يتم هذا بعد دراسات مستفيضة وبحذر شديد مع مراعاة الإجابة عن تساؤلات متعددة، منها هل سيغير هذا من طبيعة المنطقة المتعارف عليها، وهل يمثل ضرورة ملحة أو أولوية؟ وما مدى الخطورة التي يمثلها بخاصة أنه يتم في واحد من أهم وأشهر المواقع الأثرية في العالم، فكلها أمور لا بد أن تأخذ في الحسبان”.
إعادة الهرم لصورته الأصلية
“سنعيد الهرم إلى الصورة التي كان عليها وقت بنائه”، هكذا صرح الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في كلمته التي صاحبت الإعلان عن انطلاق المشروع من أمام الهرم الأكبر بصحبة عالم الآثار الياباني يوشيمورا ساكوجي، مشيراً إلى أنه لا يعرف على وجه الدقة توقيت سقوط هذه الأحجار، لكنه حان الوقت لإعادتها كما كانت.
تمثال ثالوث منكاورع الموجود بالمتحف المصري
تقول أستاذة علم المصريات بالجامعة الأميركية بالقاهرة سليمة إكرام إن “فكرة إعادة كساء الهرم بالأحجار التي سقطت منه في ذاتها يمكن أن تكون مقبولة بشرط أن يكون الاعتماد بصورة كاملة على هذه الأحجار الموجودة في محيطه دون أي إضافة لأحجار أخرى مستحدثة لا تنتمي للهرم، فهذه الأحجار الموجودة بالفعل في إطار هرم منكاورع هي جزء منه، وستكون متوافقة معه وإعادتها لن تسبب تنافراً مع الأحجار القائمة، لكن السؤال هنا: هل ستكفي هذه الأحجار لكساء الهرم بكامله أم أنه سيتم كساء جزء، ويبقى الباقي على حاله الأصلي وكيف ستكون الصورة النهائية في هذه الحالة؟”. وتضيف “لا بد أن يتم هذا المشروع بدقة شديدة وعلى أعلى مستوى لأن أعين العالم كله على أهرام الجيزة، فهي ليست مجرد أثر عادي، بل من أهم آثار العالم كله، ومن هنا فالأمر له أهمية كبرى ويحتاج إلى دراسات مستفيضة قبل البدء في القيام بأي مشروعات تخصها وإلا فلا داعي لها من الأساس”.
جدل على السوشيال ميديا
منذ الإعلان عن المشروع سادت حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بين الأثريين والمتخصصين الذين اختلفت توجهاتهم حول المشروع، فالبعض يؤيد ولا يمانع ويعتبر أنه سيمثل إضافة إلى الهرم بالعمل على إعادته لحالته الأصلية، بينما البعض يرى أنه مجازفة يمكن أن تؤدي إلى تغيير المنظر العام المعتاد للأهرام أو إحداث أي ضرر بالهرم، معتبرين المشروع لا جدوى أو إضافة منه وأن هناك مواقع أثرية أخرى في حاجة ماسة إلى الاهتمام.
وانصب معظم الجدل بين غير المتخصصين على أن هناك تجارب سابقة لترميم آثار نتج منها تغيير شكل الأثر، وأن أهرام الجيزة حالة خاصة لا تحتمل أي خطأ، بينما اتجه فريق آخر إلى الإشارة إلى لأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وأن هذا الأمر ليس له أي أولوية في الوقت الحالي ليكون الرد عليهم بأن الجانب الياباني هو من سيقوم بالتمويل.
من بين المعارضين للمشروع الأثرية الأكاديمية مونيكا حنا، حيث تقول “هذا المشروع ليس له أي داعٍ أو جدوى لأسباب متعددة، على رأسها أن المصري القديم وضع أحجار الغرانيت على الهرم وقام بتهذيبها بعد تركيبها بالفعل، وهرم منكاورع لم يتم الانتهاء منه في عهده، وإنما استكمل بعد وفاته بالفعل، فهذه الأحجار جزء كبير منها ظل باقياً بجوار الهرم لم يتم تركيبها وقت بناء الهرم فكيف سيتم هذا الآن، بخاصة مع تغير جميع العوامل وتأثر الأحجار القائمة في الهرم بعوامل الزمن وعدم قدرتها على حمل الأوزان الثقيلة فكيف سيتم تركيبها وكيف سيتحملها الهرم؟”. وتضيف “من ناحية أخرى فإن الهرم لم يبقَ على حاله، واستقطعت أجزاء منه على مر التاريخ، فمنها ما أخذ في عهد رمسيس الثاني، ومنها ما استقطعها يوسف بن عثمان بن صلاح الدين الأيوبي واستخدمت في مبانٍ بالقاهرة القديمة، ومنها في عصر محمد علي باشا واستخدمت في بناء ترسانة الإسكندرية”. وتابعت، “أحيانا ينتج من التدخل في طبيعة الأثر مشكلات ظاهرة وأضرار كبيرة مثل ما حدث في تمثالي معبد الأقصر اللذين تم ترميمهما منذ فترة وظهرا بنسب خاطئة، فالهرم لا يحتمل مثل هذه الأخطاء بأي حال، بخاصة أن المدرسة اليابانية في الآثار ليست بالأفضل، فهم لديهم التكنولوجيا وليس الخبرة الأثرية التي تتفوق فيها مدارس أخرى من بينها المصرية، ونعد حالياً كمجموعة من الأثريين والأكاديميين بياناً نوضح فيه موقفنا للناس ونشرح أسباب اعتراضنا على المشروع بصورة مبسطة، وسيطلق في الأيام المقبلة”.
جدوى إعادة الآثار لحالتها الأصلية
في جميع أنحاء العالم تتأثر المواقع الأثرية بعوامل الزمن وكثير منها يظهر بجزء مكسور أو ممسوح أو به أي ضرر بفعل عوامل مختلفة، فهل العمل على إعادة بناء أو ترميم هذا الجزء المتضرر يضيف للأثر أم أنه لا يفضل التدخل والأولى ترك الوضع على حاله باعتبار أن هذه التأثيرات هي شيء طبيعي؟
استشاري الحفاظ على التراث الثقافي وعضو لجنة التراث بالاتحاد الدولي للمعماريين طارق المري يقول إن “هناك مواثيق منظمة لهذا الأمر، وأبرزها ميثاق فينيسيا، وغالباً لا يحبذ هذا الأمر إلا في حال إعادة إنشاء الأجزاء المتساقطة من المبنى دون إضافات كبيرة، ففي علم الحفاظ على الآثار يجب ألا يقلل مستوى التدخل من القيمة المتفردة للمبنى، فهناك قيم أساسية تجعل مبنى أو موقعاً بعينه أثراً، وهي أن يكون له قيمة تاريخية، قيمة في تفرده، قيمة إنشائية، أو جمالية أو معمارية وفي حالة أهرام الجيزة فهي تمتلك هذه القيم جميعها”. ويضيف “التدخل لإعادة أثر إلى وضعه الأصلي ليس بالأمر الجديد وحدث سابقاً في مصر بمواقع عدة، من أبرزها معبد الكرنك، حيث تمت إعادة تركيب الأعمدة، وكان هناك أجزاء مفقودة من بعضها فأعيد بناؤها بحيث تستكمل الجزء الناقص، ويكون واضحاً أن هذا الجزء مستكمل، وليس أصلياً، وفي حالة هرم منكاورع فليس لدينا صورة للهرم وهو مكتمل وما أعلن عنه يفيد بأن الأحجار المتاحة لن تكفي كامل الهرم فكيف سيتم استكمالها أم سيتم كساء جزء فقط من الهرم، وطالما الاعتماد على هذه القطع المرتبطة بالهرم فلن يكون هناك أزمة، لكنها ستثار في حال الاعتماد على أي أحجار مضافة”.
من هو الملك منكاورع؟
يعرف منكاورع بأنه صاحب الهرم الأصغر في منطقة أهرام الجيزة، وربما لا يعرف كثر أن له آثاراً أخرى أبرزها تماثيل متفردة بعكس سلفه الملك خوفو الذي على رغم بنائه للهرم الأكبر الذي يعد من أعظم آثار العالم لم يعثر له إلا على تمثال واحد صغير لا يتجاوز طوله سنتيمترات.
من أشهر الآثار المرتبطة بالملك منكاورع تمثال شهير في المتحف المصري بالقاهرة يعرف بثالوث منكاورع، وهو قطعة فنية متفردة تمثل الملك يتوسط الربة حتحور من جانب ومن الآخر حاكمة الإقليم وتم اكتشاف التمثال عام 1908 في معبد الوادي بجوار مجموعته الهرمية، وهناك تمثال لمنكاورع وزوجته (خع – مرر – نبتي)، وآخر مصنوع من المرمر للملك جالساً، وكلاهما بمتحف بوسطن بأميركا.
رسم توضيحي لهرم منكاورع من الداخل
عن الملك منكاورع يقول مدرس الآثار واللغة المصرية القديمة بجامعة الوادي الجديد، محمود الحصري، “منكاورع (من – كاو – رع) هو خامس ملوك الأسرة الرابعة، وهو ابن الملك خفرع وحفيد الملك خوفو باني الهرم الأكبر. ويميل غالب العلماء إلى تقدير فترة حكمه بنحو 18 عاماً، واشتهر في كتابات المؤرخين القدماء بصفات التقوى والطيبة، حتى إن هيرودوت امتدحه أكثر من أي ملك آخر، وقال عنه إنه سبق في عدالته جميع الملوك السابقين، والمجموعة الجنائزية للمك منكاورع هي آخر المجموعات الهرمية في جبانة الجيزة، وتوجد في الناحية الجنوبية، وتتكون من هرم منكاورع، وثلاث أهرام صغيرة، والمعبد الجنائزي، والطريق الصاعد، ومعبد الوادي، وهي لم تكتمل في عهده، وإنما أنهى جزءاً كبيراً منها خلفه شبسكاف”. ويضيف “هرم منكاورع هو أصغر أهرام هضبة الجيزة، حيث يبلغ ارتفاعه نحو 66 متراً، وقد قطعت حجرة الدفن في الصخر أسفل الهرم، ويمكن الوصول إليها من خلال المدخل الشمالي، مروراً بممر منحدر، وقد عثر على تابوت من البازلت في فجوة داخل الأرض على عمق 40 سنتيمتراً، لكن هذا التابوت غرق في البحر أثناء نقله إلى إنجلترا عام 1838، ويحتفظ المتحف البريطاني في لندن بغطاء تابوت على شكل آدمي للملك منكاورع، لكنه ليس هو الغطاء الأصلي الذي عثر عليه في غرفة الدفن”.