حرية – (30/1/2024)
كشفت صحيفة بريطانية، اليوم الثلاثاء، عن إقامة جامعة نيويورك معرض فوتوغرافي للمصور العراقي الراحل لطيف العاني الذي وثق فترة “الخمسينيات والستينيات” من القرن الماضي في العراق، وفيما بينت أن أعمال “أبو المصورين العراقيين” تجسد “التحولات الزلزالية” لبلاده خلال خروجها من الماضي الزراعي الى الصناعي، وصفت العاني بانه مصور لا مثيل له لآثار العراق، فيما لفتت الى وجود بعض الفنانين العراقيين الذين يسيرون على منوال العاني حاليا والذين سيزورون معرضه الحالي.
وقالت صحيفة الفايننشال تايمز في تقرير, إن “معرضاً فنياً يقام للمصور العراقي الراحل لطيف العاني في جامعة نيويورك، وذلك تكريما لأعماله التي ترصد فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، عندما كان العراق يخرج من ماضيه الزراعي الى حاضره الصناعي، حيث تمكن العاني من تسجيل التحولات الزلزالية وهزاتها في وطنه”.
واشار التقرير الى ان “العاني الذي رحل في العام 2021، ترك مسيرته المهنية في نهاية السبعينيات، وتعرض أرشيفه الى التدمير الى حد كبير في العام 2003، حيث تعرض العراق الذي كان يحتفي به، لسلسلة من الكوارث والحروب”.
ولفت إلى أن “معهد دراسة العالم القديم في جامعة نيويورك، يقدم الآن معرضاً تحت عنوان (من خلال العدسة) لتكريم العاني باعتباره مصوراً لا مثيل له لآثار العراق، ورمز الماضي المجيد والتحولات حيث قام بتوثيق الآثار والمعجبين بها، وحتى تصوير المباني الحديثة غير الماهولة في ضوء خافت، ليجعلها تبدو وكأنها آثار قديمة.
ووصف التقرير العاني بانه “كان فناناً اولاً ومراسلا ثانياً، التقط صوره بدقة ومهارة، ووجه من خلالها رسائل”، مشيرا على سبيل المثال الى “مجموعة من الصور لآثار طاق كسرى، جنوب بغداد، والتي تم التقاطها على مدار بضع ساعات في نفس اليوم من العام 1964، تظهر وجهات نظر متباينة تماماً عن العراق خلال القرن الـ20، حيث انه في احدى تلك الصور يظهر راعٍ مع قطيعه في حقل صخري، بينما ترتفع بقايا القصر الذي يبلغ عمره 1700 عام بشكل مهيب خلف كتفيه، في صورة تكاد تكون خالدة، في حين ان سيارتين متوقفتان على مسافة منه، تشيران الى ان هذا ليس القرن الـ18 او الـ15”.
واشار التقرير الى ان “مجموعة الصور، بينها صور لحفل تنكري لسياح، تعكس أيضا براعة لاذعة، خاصة في التناقض بين بلاهة الأجانب وسط محيطهم القاتم والجاف، وبين تمدن الزوار المبتهج للأجانب وعدم عاطفية الرجل العراقي المحلي”، مبينا أن “مخلوقات العالم الحديث تمارس طقوسها امام القصور القديمة مما يجعل تصرفاتها الغريبة تبدو هزلية تافهة، وأن الناس سوف يرحلون وستبقى الحجارة”.
وتابع التقرير ان “السياح بدوا كأنهم يؤدون مسرحية، وان العاني هو من يقوم بعملية الإخراج خلسة، ويظهر نفس الموسيقي في لقطة أخرى تم التقاطها على ابواب بابل، على بعد أكثر من 100 كيلومتر، مما يثير تساؤلات حول ما اذا كان ينبغي اعتباره ممثلا مساعدا أم داعما”.
وينقل التقرير عن العاني قوله في العام 2015 “اردت ان اظهر تراثنا مقابل حاضرنا”.
ولفت التقرير الى ان “سكان العراق كانوا أكثر تنوعا خلال الستينيات مما هو عليه الآن، وليس من الواضح أن المسلمين الناطقين باللغة العربية اليوم لديهم ارتباط مباشر بالسومريين القدماء وبلاد ما بين النهرين والآشوريين والفرس الذين اكتسحوا المنطقة وتركوا خلفهم بصماتهم على المشاهد الطبيعية”.
وتابع التقرير ان “العاني كان قد استوعب هذه الشكوك واستخدمها لاحداث تاثير درامي”، لافتا إلى “صور التقطها العاني لطاق كسرى من الجو”.
ويوضح التقرير ان “المعرض يجمع بين هذا المنظور الالهي والمنظر الجوي لبغداد في ستينيات القرن الـ20، والتي كانت تتميز بشوارعها الواسعة ومبانيها السكنية المربعة وآثارها الحديثة”، مبينا أن “هذه الأفكار تستحق عبارات غوغان الفلسفية: من أين نأتي؟ ماذا نحن؟ إلى أين نحن ذاهبون؟”.
حياة العاني والتقاعد المبكر
ووصف التقرير العاني بانه “كان شاباً وسيماً وكان ايضاً وطنياً بالتأكيد”. لافتاً إلى أنه “في ظل الوضع الاستعماري، ظهرت مملكة هاشمية غنية بالنفط في العام 1932، وحصل العاني في تلك الحقبة على أول وظيفة له في شركة نفط العراق، التي روج لها في مجلتها الداخلية التي كانت تحمل اسم (أهل النفط)”.
واضاف التقرير انه “عندما أطاح انقلاب العام 1958 بالملك وتم تشكيل الجمهورية، أسس العاني قسم التصوير الفوتوغرافي في وزارة الإعلام، ثم تولى رئاسة قسم التصوير في وكالة الانباء العراقية”. مبينا انه على الرغم من ان “العاني كان دائما رجلا حكوميا، إلا أنه كان يشعر بالاستياء في بعض الأحيان، حتى أجبرته السلطات في النهاية على التقاعد المبكر”.
وذكر التقرير أن “كل مرحلة سياسية كانت تجعل مهمته أكثر صعوبة بقليل وأكثر ضرورة”.
ونقل التقرير عن العاني قوله انه “ابتداء من انقلاب عام 1958، جرى حذف الماضي، وشعرت أنه لن يكون هناك استقرار، وجاء الوافدون الجدد، وانفتح صندوق باندورا، وتولى الحكم جهلاء، ليس لديهم ثقافة أو فهم للسلطة التي يملكونها، كان الخوف دافعا رئيسيا لكي يتم توثيق كل شيء كما كان، لقد فعلت كل ما بوسعي لتوثيق ذلك الوقت والحفاظ عليه”.
فنانون على منوال العاني
وذكر التقرير ان “معرض نيويورك يبشر بوصول جيل من الفنانين العراقيين الذين يعيش غالبيتهم في الخارج، وهم من خلال تكريمهم للعاني المعروف المعروف باسم (أبو التصوير الفوتوغرافي العراقي)، يستعيدون ايضاً حضارة أجدادهم”.
وأوضح التقرير ان من بين هؤلاء الفنانين “نادين حاتم التي ولدت في بغداد، ونشأت في استراليا وأبو ظبي، وتقيم في برلين، وهي تؤدي دورا مشابها للعاني، حيث تتلاعب بالشخصيات في المشهد الطبيعي، على الرغم من أنها تفعل ذلك رقميا بدلا من اصدار تعليمات مثل (قف هناك)، و(انظر هنا)”.
وتابع التقرير نادين حاتم لم تتمكن من السفر الى محافظة الانبار، ولهذا قامت بدلاً من ذلك بغربلة الصور العامة للعمليات العسكرية الامريكية هناك، ثم حذفت الجنود من المشهد وتركت ظلالهم فقط، وهي بذلك تؤدي تؤدي نفس الخدعة التي قام بها العاني، حيث تنشد من اجل وطنها من خلال الآثار الشبحية لغزو أجنبي آخر”.