حرية – (31/1/2024)
إبان الهجوم الذي شنته الفصائل العراقية على إحدى القواعد الأمريكية على الحدود السورية الأردنية، ضغط أعضاء الحزب الجمهوري الأمريكي على جو بايدن من أجل الانتقام من إيران.
وأدى هجوم “المقاومة الإسلامية في العراق” بطائرة بدون طيار على القاعدة الأمريكية إلى مقتل 3 عناصر من الجيش الأمريكي وإصابة أكثر من 30 آخرين. وهذه هي المرة الأولى منذ بداية حرب غزة التي يقتل فيها جنود أمريكيون جراء هجمات من قبل الفصائل العراقية.
ويعارض الرئيس الأميركي جو بايدن توسيع نطاق الحرب في الشرق الأوسط، بما في ذلك المواجهة العسكرية مع الجمهورية الإسلامية، لكنه توعد بالرد على “القوات المدعومة من إيران” والمسؤولة عن الهجوم على القاعدة الأميركية الواقعة على الحدود السورية الأردنية.
على مدى الأشهر الأربعة الماضية، استهدفت الفصائل العراقية بشكل متكرر القواعد العسكرية الأمريكية في سوريا والعراق عبر هجمات صاروخية أو بالطائرات المسيرة، في المقابل، دمرت الولايات المتحدة بعض قواعدها وأوقعت خسائر كبيرة في الأرواح بين صفوفها. لكن المعادلة مختلفة هذه المرة، فقد تكبد الجيش الأمريكي خسائر بشرية وحصل هذا الأمر على الحدود المتاخمة للأردن.
إذا أرادت إدارة بايدن الرد على أحداث الأشهر القليلة الماضية، فعليها مهاجمة قواعد “المقاومة الإسلامية في العراق”، لكن يبدو أن بايدن هذه المرة ينوي تغيير نوع رده، لا سيما بعد أن أشار إلى دور إيران الواضح في هذه العملية.
وتمارس الجماعات المتحالفة مع إيران أنشطتها العسكرية والسياسية في بقاع مختلفة من الشرق الأوسط. وتعتبر الدول الغربية هذه الجماعات “قوات بالوكالة” (مرتزقة) لإيران، لكن الجمهورية الإسلامية تصر على أن قادة هذه الفصائل تتصرف بشكل مستقل ووفقًا لمصالحها الخاصة ولا تتلقى أوامر من طهران.
ومع ذلك، فإن الحكومات والمحللين الغربيين، رغم تأكيدهم على مستوى استقلال التصويت لبعض هذه الجماعات، يرون أنها لا تقدم على أي خطوة دون أخذ مشورة من طهران. وعلى هذا الأساس، تؤكد إسرائيل بشكل خاص وبعض قيادات الحزب الجمهوري الأميركي على أن هجمات الجماعات المتحالفة مع إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن ضد أهداف غربية يجب الرد عليها داخل الأراضي الإيرانية حتى يكون لها تأثير رادع.
وعليه، فإن استراتيجية الجمهورية الإسلامية تتجسد في ضرب أهداف الغرب وحلفائه عبر «القوات الوكيلة»، والابتعاد قدر المستطاع عن وسط المعركة حتى لا تتكبد الكثير من الخسائر.
وترفض حكومة جو بايدن حتى الآن الاستسلام لهذا التصور، لكن الضغوط عليها تتزايد، خاصة وأن عمليات الفصائل العراقية خلفت خسائر بشرية وامتدت إلى الأراضي الأردنية.
ومن هذا المنطلق، لا يمكن تجاهل الخطوات القادمة لبايدن، لعلّ أولها إصدار أوامر بشن هجمات مباشرة ضد أهداف إيرانية، ولكن إذا تم اتخاذ مثل هذا القرار، فمن غير المرجح أن يتم مهاجمة الأراضي الإيرانية، بل سيذهب الجيش الأمريكي لمباغتة القوات الإيرانية المرابطة في بعض البلدان الأخرى.
ويبدو أن مثل هذا الهجوم، من وجهة نظر المسؤولين الأميركيين، يقلل من احتمالات المواجهة المباشرة والشديدة بين البلدين، لكنه في الوقت نفسه قوي لدرجة كافية للسيطرة على الفصائل العراقية.
في الواقع، يتضح من تصريحات إيران الرسمية وسياستها في التعامل مع هذه المواقف أنها لا تسعى للدخول في الحرب الجارية في غزة والصراعات المحيطة بها.
ومع ذلك، فقد صرح مسؤولو وزارة الخارجية مرارا وتكرارا أنه إذا استمرت الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، فإن انتشار الحرب سيصبح “حتميا”. ومن المفارقات أن الولايات المتحدة، إلى جانب شركائها في المنطقة، منخرطة بشكل كبير في دفع مبادرة إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة. فإذا نجحت هذه المبادرة، فإنها ستشكل تهديداً أكبر من الحرب الحالية في قطاع غزة لاستراتيجية الجمهورية الإسلامية في الشرق الأوسط.
بمعنى آخر، المبادرة السياسية لأمريكا وحلفائها تتمحور بشكل أساسي حول خيارات لا تتوافق بتاتا مع استراتيجية الجمهورية الإسلامية، وهي حل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية، وتطبيع العلاقات العربية والإسلامية مع إسرائيل بقيادة المملكة العربية السعودية، والسيطرة الإدارية للسلطة الفلسطينية على قطاع غزة.
وبالتالي فإن الحرب الحالية في قطاع غزة ليست مركز ثقل المواجهة بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة، بل إن ما سيدور من مجريات بعد الحرب هو المحور الرئيسي للصراع.
وتأمل إيران أن تجد الحرب في قطاع غزة اتجاها مخالفا لأهداف الولايات المتحدة وشركائها، وقد يساعد وقف إطلاق النار في القطاع، في تثبيت حكم حماس في هذه المنطقة، وهذا بدوره سيحسن وضع شتى “فصائل المقاومة” في المنطقة.
في الختام، تتركز ساحة التحدي والصراع بين الجانبين في الآلية التي ستنهي الحرب في غزة. ومن هذه الزاوية فإن صراع إيران مع أميركا وشركائها يمكن أن يكون بداية لمسار جديد. وتعتمد نتيجة هذا الصراع على ما إذا كان الطرفان يريدان إقامة النظام المنشود في المنطقة بأي ثمن أو ما إذا كانا سيجدان مسار لخلق نوع من التفاعل من أجل تقليل التوترات القادمة والسيطرة عليها.