حرية – (31/1/2024)
تعتبر معارض الكتاب الحدث الثقافي الأبرز في المنطقة العربية، إذ هو قبلة المثقفين والكتاب، للإعلان عن نشر الكتب الجديدة، واقتناء الكتب لتنضم إلى المكاتب الشخصية سواء للمطالعة غير التخصصية، أو للدراسات الأكاديمية والمتخصصة، كما تحوّل مع الزمن إلى متنزه للعائلات والأطفال، خصوصاً مع تضمين المعارض مساحات للأطفال.
يجمع معرض الكتاب بين المفهوم الرأسمالي لسلعة الثقافة، باعتبارها منتجاً يقيم بالبيع والشراء، وحركة الإقبال على الكتاب، وبالتالي يحتاج كل كتاب إلى ترويج وتسويق لكي يصل إلى الناس، كما أنه يحافظ على بعض من طابعه الثقافي الذي يهتم بالجوهر، إذ تقام الندوات، ويتحول إلى ملتقى المثقفين والأكاديميين والسياسيين مع الجمهور.
نشأة معارض الكتاب
نشأة معارض الكتاب بالأساس هي نشأة رأسمالية، فيما عرف برأسمالية الطباعة، عندما تحولت الطباعة إلى صناعة تدرّ الربح قائمة بذاتها، وبدأت تتوسع كسلعة، وتم الترويج لها من أجل اقتناء الكتب، وقد حدث ذلك مع اختراع الألماني غولدسميث يوهان غوتنبرغ للمطبعة عام 1440م.
وقد كان شيوع الكتاب منتشراً في العالم العربي والإسلامي، إلا أن انتشاره في الغرب كان بدافع رأسمالي بحت. هذه الممارسة الرأسمالية التي حولت الكتاب إلى سلعة ظهرت في البلد نفسه الذي شهد ولادة اختراع المطبعة، إذ كان معرض فرانكفورت الدولي للكتاب أكبر تجمع ثقافي يُعنى بالكتاب والأدب.
يُعد معرض فرانكفورت الأهم في العالم، والذي يبلغ عمره الآن أكثر من خمسة قرون، حيث بدأ أول معرض عام 1439، أي مع بداية الطباعة. ومع الحروب العالمية توقف المعرض عن الانعقاد بشكل دوري، ثم عاد معرض فرانكفورت إلى نشاطه عام 1949 بعد الحرب العالمية الثانية.
ويعد إلى اليوم أهم معرض للكتاب في العالم، من حيث عدد دور النشر، وعدد اللغات التي تقدم بها الكتب في المعرض، ولا يدانيه في الأهمية سوى معرضي لندن الذي تأسس عام 1971، ومعرض القاهرة للكتاب الذي تأسس عام 1969.
أول معرض للكتاب العربي
احتضنت بيروت أول معرض للكتاب العربي، في 23 أبريل/نيسان 1956، وهو أمر طبيعي بأول بلد دخلته المطبعة، وتأسس فيه النادي الثقافي العربي عام 1944، على يد النخب الفكرية من اللبنانيينن وقد كان أبرزهم نديم دمشقية، وفؤاد سليم، ورامز شحادة، فقد سعوا لتأسيس معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، ونجح عقده لأول مرة في 1956.
وانعقد معرض بيروت لأكثر من 65 عاماً، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، رغم الحرب الأهلية والعدوان الإسرائيلي على لبنان، ولكنه توقف عامي 2019 و2020 بسبب انتفاضة تشرين، ثم جائحة كورونا على الترتيب، ويعد معرض بيروت صاحب التاريخ العريق في معارض الثقافة العربية من حيث القدم، ووجود عدد كبير من الناشرين في لبنان، وذلك قبل انهيار الليرة اللبنانية.
معرض القاهرة للكتاب الثاني عالمياً
تأسَّس معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1969، إذ يعتبر ثاني معارض الكتاب العربية، تأسَّس في عهد الرئيس المصري جمال عبد الناصر، كان هدف المعرض نشر المعرفة كدور من أدوار الدولة في الهيمنة على العقلِ المثقفِ، وصناعة مثقفين ولاؤهم للدولة، إلا أنه بلا شك كانت له العديد من المميزات، منها نشر الثقافة نفسها، بل وكانت ملهمة لجميع الدول لاستنساخ معرض القاهرة، فأصبح من قوى مصر الناعمة.
تعتبر القاهرة ثاني المدن العربية بعد بيروت التي وجدت فيها المطبعة “مطبعة بولاق”، في عهد محمد علي باشا، ثم صارت مع الوقت مركز الثقافة العربية مع هجرة المثقفين والأدباء والصحفيين الشوام إلى القاهرة، في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وقد تقرر إنشاء معرض الكتاب مع احتفال القاهرة بمرور ألف عام على تأسيسها على يد جوهر الصقلي.
أعطى وزير الثقافة المصري وقتها ثروت عكاشة إلى الأديبة والأكاديمية النسوية سهير القلماوي إشارة البدء بتنفيذ معرض القاهرة للكتاب، وقد أخرجته بحيث يكون معرضاً للثقافة من خلال تصميم الأنشطة المصاحبة له من ندوات ومحاضرات ومناظرات، وصولاً إلى تخصيص أماكن لإلقاء الشعر، وتوزيع الجوائز الثقافية، التي اتخذت مع الوقت أهمية كبيرة.
واختير لمعرض القاهرة أن يقام كل عام في إجازة منتصف العام، نظراً لكونها تأتي في فترة الشتاء بدلاً من عقده في الصيف، إذ عادةً ما يبدأ يوم 25 يناير/كانون الثاني ويستمر لمدة 10 أيام، وتسير له الرحلات من المدارس والجامعات، كما أضيفت له الخدمات الصحية والطعام مع الوقت وأصبح متنزهاً، وهو ما انتقل إلى العالم العربي أجمع.
وبلغ معرض الكتاب أهميةً كبرى، إذ صار ثاني أهم معرض للكتاب في العالم في عام 2006، إذ صُنف الثاني بعد معرض فرانكفورت ذلك العام، كما حقق أعلى زيارة له عام 2018، إذ بلغ عدد زوّاره أكثر من 4.5 مليون زائر في عشرة أيام، إذ هو في الترتيب الثاني من حيث عدد الزوار بعد معرض إيكوشي بوي ميلا في بنغلاديش بـ6 ملايين زائر.
معارض الكتاب في دول الخليج
أطلقت دار الكتب القطرية بعد استقلال قطر فوراً مبادرة إنشاء معرض الكتاب، ليكون أول معرض كتاب في دول الخليج العربي، إذ عقد لأول مرة في عام 1972، شاركت فيه 20 دار للنشر، وتقرر عقد معرض الدوحة الدولي للكتاب كل عامين، حتى عام 2002، إذ صار يعقد بشكل سنوي، وبمشاركة 500 دار نشر و35 دولة.
وفي 1975 تأسس أهم معرض للكتاب في دول الخليج في الكويت، على يد المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، إذ كانت الكويت وقتها تموج بكل التيارات الثقافية، ومثلت حجر زاوية في تأسيس الثقافة العربية في دول الخليج، وبلغ عدد زوار المعرض عام 2022 أكثر من 380 ألف زائر، ويعقد في نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول.
أما معرضا أبوظبي والشارقة فتأسس الأول في عام 1981، والثاني في 1982، إلا أن معرض الشارقة صار ثاني أكبر معرض عربي من حيث عدد دور النشر، إذ وصل عددها لأكثر من 1043، ومن حيث عدد الزوار فقد بلغ المركز الثالث بعد معرض القاهرة والجزائر بأكثر من 2.38 مليون زائر.
إحصائيات القراءة العربية
في المغرب الكبير تأسس أول معرض للكتاب في تونس عام 1982، أما معرض الكتاب في الدار البيضاء فتأسس عام 1994، إذ بلغ عدد زواره أكثر من 240 ألفاً عام 2023، وبعده بعامين تأسس معرض الكتاب في الجزائر عام 1996.
وجاء معرض القاهرة الدولي للكتاب في المركز الثاني عالمياً من حيث عدد دور النشر، بأكثر من 1050 دار نشر، وبمشاركة 70 دولة، بعد معرض فرانكفورت عام 2023، أما العام الماضي فقد وصل عدد زواره لضعف معرض فرانكفورت 40 مرة، إذ بلغ معرض كتاب القاهرة 3.6 مليون زائر، مقابل 80 ألف زائر لمعرض فرانكفورت عام 2023.
ومعرض القاهرة يحل في المركز الثاني من حيث عدد الزوار بعد معرض بنغلاديش بـ6 ملايين، وفي المركز الثالث جاء معرض مدريد بـ3 ملايين زائر، وفي المركز الثاني عربياً والرابع عالمياً جاء معرض الجزائر من حيث عدد الزوار، إذ سجل معرض الجزائر الدولي للكتاب أكثر من 2.7 مليون زائر في 2023، متقدماً على أكبر معرض للكتاب في الهند 2.6 مليون.
مع أخذ الأرقام المؤكدة فقط من القاهرة (3.6 مليون)، والجزائر (2.7 مليون)، والشارقة (2.38 مليون)، والرياض (مليون)، والكويت (360.000)، والرباط (240.000) يصل عدد زوار معارض الكتاب العربية لأكثر من 9 ملايين، وهو أعلى عدد زوار للناطقين بلغة واحدة.