حرية – (7/2/2024)
في عالم تتسارع فيه وتيرة الابتكارات والاكتشافات، تبرز بين الحين والآخر قصص تحبس الأنفاس، تؤكد على قوة العقل البشري وإمكانياته اللامحدودة. ومن بين هذه القصص، تأتي حكاية 3 طلاب جامعيين متألقين، تمكنوا من خلال فضولهم العلمي وإصرارهم على التحدي، من الكشف عن إنجاز مذهل، كان له الأثر البالغ في مجالهم الأكاديمي مكنهم من تقاسم 700 ألف دولار.
هذا الاكتشاف لم يكن مجرد إضافة إلى رصيدهم العلمي، بل كان بمثابة مفتاح سحري، فتح أمامهم أبواب الثروة، حث وجدوا أنفسهم فجأة يقتسمون جائزة قيمتها 700 ألف دولار.
لغز يمنح 3 طلبة 700 ألف دولار
ثلاثة طلاب متميزين في مجال علوم الكمبيوتر، بينهم يوسف نادر من مصر، البالغ من العمر 22 عاماً، قد فازوا بجائزة رائدة في مجال علم الآثار. تم تكريمهم بسبب استخدامهم الفعّال لتقنيات “الذكاء الاصطناعي” في كشف محتوى لفافة تعود لزمن روما القديمة.
تلك اللفافة التاريخية تعتبر من القطع النادرة التي تم اكتشافها بعد ثورة بركان “فيزوف”، الذي ضرب إيطاليا في عام 79 للميلاد، ما أدى إلى تحوّلها إلى لغز لم يحلّ لأكثر من 2000 عام.
الثورة البركانية الكارثية لفيزوفيوس أدت إلى غمر معظم مدينة بومبي بالرماد والحطام، مع تحويل مئات من لفائف ورق البردي، التي كانت محفوظة في مكتبة ضخمة في مدينة هيركولانيوم القريبة، إلى كتل هشة من الفحم، جعلت فهم محتواها مستحيلاً.
ومن بين هذه اللفائف، كانت اللفافة التي يشبه شكلها قطعة خشب محروقة، والتي كان من الصعب فتحها دون تفتيتها إلى قطع صغيرة.
ومن بين الفائزين بجائزة “تحدي فيزوف”، التي أُعلن عنها يوم الإثنين 5 فبراير/شباط ، يتصدر القائمة الطالب المصري يوسف نادر، الذي يقيم في برلين، بالإضافة إلى نظيره الأمريكي لوك فاريتور، البالغ من العمر 21 عاماً، والسويسري جوليان شيليجر الذي وُلِدَ قبل 22 عاماً.
حيث قام هؤلاء الطلاب بإحداث اختراق بارز، سمح لهم بكشف محتوى اللفافة التاريخية التي يُعتقد أن الملك فرديناند الأول أهداها لنابليون بونابارت في عام 1802، حيث تمت إحالتها بعد ذلك إلى “معهد فرنسا” وحفظها في باريس.
وتمثلت أهمية الاختراق في إنشاء نموذج رقمي ثلاثي الأبعاد للفائف، ما سمح بجعل طبقات الورق المكونة لها مرئية، وذلك من خلال استخدام برامج كمبيوتر خاصة بتسطيحها وتحليلها رقمياً. وتعتبر هذه التقنية الرائدة، التي تم تطويرها بواسطة البروفسور برينت سيلز في جامعة كنتاكي في الولايات المتحدة، أساسية لتمكين الطلاب من تحديد الكلمات الموجودة داخل اللفافة، بالاعتماد على نمط الحبر المستخدَم قبل حوالي 20 قرناً، من خلال تدريب الذكاء الاصطناعي على التعرف على نمط “الطقطقة” المميز.
الكلمات الأولى المكتشَفة من المخطوطة
في إنجاز غير مسبوق شد الأنظار عالمياً، تمكن 3 طلاب جامعيين من إحداث ثورة في مجال ترميم النصوص الأثرية، وذلك بكشفهم مقاطع نصية عبر تقنيات متقدمة، ما أهّلهم للفوز بجائزة مالية ضخمة. الطلاب الذين دخلوا التاريخ من بوابة العلم، نجحوا في ترميم 5% من لفافة تاريخية، عن طريق الكشف عن 3 مقاطع نصية، كل منها يمتد لـ140 حرفاً، مع شرط أساسي بأن يكون 85% من المقطع على الأقل واضحاً ومقروءاً.
التقنية الفريدة التي اعتمد عليها الطلاب، والتي تم تطويرها بالتعاون مع البروفيسور سيلز، استخدمت مسرّع الجسيمات لإجراء مسح دقيق للجزء الداخلي من اللفافة. هذا الاكتشاف يُعد نقلة نوعية في عملية استعادة وترميم النصوص القديمة، والتي يعود تاريخها إلى القرن الأول الميلادي، حيث تم اكتشافها في خمسينيات القرن العشرين خلال عمليات التنقيب في فيلا تاريخية بمدينة هيركولانيوم، التي كانت مملوكة للوسيوس كالبورنيوس بيزو كيسونينوس، والد زوجة يوليوس قيصر.
الطالب الأمريكي، لوك فاريتور، كان أول من فك شفرة كلمة مقروءة من اللفافة، ما أهله للفوز بجائزة قدرها 40 ألف دولار، فيما حاز الطالب المصري، يوسف نادر، على جائزة بقيمة 10 آلاف دولار؛ لتمكنه من كشف كلمة بشكل أوضح وأكثر دقة بعد فترة وجيزة. وفي تتويج لهذه السلسلة من الإنجازات، نال الثلاثي في أكتوبر الماضي جائزة مالية إضافية بقيمة 50 ألف دولار، تقديراً لجهودهم في الكشف عن الكلمة اليونانية πορφύρα، والتي تعني صبغة أرغوانية أو ملابس أرغوانية، وذلك باستخدام تقنية متطورة في مسرّع للجسيمات.
هذا الإنجاز لا يسلط الضوء على قدرات الشباب وإبداعاتهم في استخدام التكنولوجيا الحديثة لحل ألغاز التاريخ فحسب، بل يفتح أيضاً آفاقاً جديدة لترميم المزيد من النصوص الأثرية في المستقبل، مما يعد بكشف المزيد من أسرار التاريخ الإنساني، التي طالما بقيت مخفية عن الأنظار.