حرية – (8/2/2024)
تتصاعد التحذيرات من تحوّل العراق إلى بؤرة للصراعات الإقليمية والدولية التي تزداد وتيرتها بشكل كبير في المنطقة، وسط دعوات بضرورة بلورة مشروع لإنقاذ البلاد التي باتت مسرحاً لتصفية الحسابات بين الدول، وفق متخصصين.
ويحاول العراق عن طريق الحكومة الاتحادية النأي بالنفس عن الصراعات في المنطقة لاسيما وأنه يدرك أن هذه الصراعات مرشحة لتطورات كبيرة، قد تؤثر بشكل مباشر على الوضع في العراق، بحسب المحلل السياسي، ياسين عزيز.
تحذيرات من جرّ العراق إلى مستنقع الصراعات
ويضيف عزيز، أن “وجود أطراف لا تقدر الوضع الخطير ولا تلتزم بالنهج الرسمي للعراق، حتماً سيؤثر سلباً على الموقف الذي يجرّ العراق إلى مستنقع تلك الصراعات”.
ويوضح أن “الفاعل السياسي المتنفذ في البلاد يقع تحت تأثير أطراف إقليمية ودولية تحاول تصفية حساباتها على الأرض العراقية التي أصبحت مسرحاً لتصفية تلك الحسابات”.
ويؤكد، أن “على رئيس الوزراء العراقي التحرك بجدية لإيقاف جر العراق ليكون طرفاً في هذه الصراعات، وإلا فإن القادم لن يكون جيداً”.
العراق يدفع ثمن الصراعات الدولية
ويتفق مع هذا الطرح مدير مركز الرفد للإعلام والدراسات الاستراتيجية، د.عباس الجبوري، الذي يؤكد أن “العراق دائماً ما ينأى بنفسه عن سياسة المحاور، وهو اليوم يدفع ثمن الصراعات السياسية الدولية وليست الدول المحيطة بالعراق”.
ويبين الجبوري ، أن “الاعتداءات الأميركية الأخيرة على قطعات الحشد الشعبي وضرب المدن، دليل على أن العراق يتعرض إلى وضع غير جيد تجاه ما يدور بمحيطه الإقليمي”.
وعن التوترات في المنطقة، يوضح الجبوري، أن “العراق جزءاً لا يتجزأ من ما موجود في المنطقة، باعتباره دولة مفصلية واستراتيجية وفيها الكثير من المصالح المشتركة لدى الدول، وحتى للدول المتخاصمة، لذلك على العراق أن يتخذ قراره بنفسه بعيداً عن الضغوطات والاحتلالات”.
ويتابع الجبوري حديثه، أن “التواجد الأميركي يسبب مشاكل للعراق، خاصة بعد الضربة الأخيرة التي أحرجت الحكومة العراقية كثيراً، ما يؤكد الحاجة إلى ضرورة إعادة بناء العراق لنفسه وإخراج هويته الحقيقية، وأن يكون له دور مؤثر في الشرق الأوسط، لا نقطة ضعف للصراعات الدولية الجارية في المنطقة”.
سلوكيات الفصائل المسلحة
من جهته يشير أستاذ العلوم السياسية، د.معتز النجم، إلى أن “الموقف العراقي المتمثل بالحكومة حُيّد بسبب سلوكيات الفصائل المسلحة التي خطفت القرار والإرادة الحكومية وكسرت الهدنة التي استمرت منذ استلام محمد شياع السوداني سدة الحكم”.
ويوضح النجم ، أن “المتغير الذي حصل وكسر الهدنة هو عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر والتي ألقت بظلالها على طبيعة العلاقة وخلقت الإشكالية والشرخ ما بين الولايات المتحدة الأميركية والفصائل”.
ويؤكد، أن “العراق يحتاج إلى حلول دبلوماسية وإرادة تنبثق من المصلحة الوطنية، وأن تكون هناك إرادة حكومية بحتة لإعادة تعريف طبيعة العلاقة ما بين الولايات المتحدة الأميركية والحكومة العراقية، وما بين العراق كدولة والدول الإقليمية”.
ويضيف، “وكذلك أن تنبثق الفصائل بمشروع وطني حقيقي لا يتبع أجندات خارجية، وإلا سوف تصب كل هذه السلوكيات في صالح الأجندات الخارجية والإقليمية، والمتضرر الأول والأخير هي الحكومة العراقية بشكل خاص والعراق بشكل عام”.
ويبين النجم، “حيث إن العراق ما زال في مراحل تطور العملية السياسية، ولا زالت الولايات المتحدة الأميركية هي الراعي الرسمي للعملية السياسية، وما زال العراق مكبلاً باتفاقية الإطار الاستراتيجي، حيث لا يزال طلب الحكومة العراقية في مجلس الأمن قائماً بمشاركة أميركا والتحالف الدولي لمحاربة داعش”.
وعن البُعد الاقتصادي، يؤكد أستاذ العلوم السياسية، أن “الولايات المتحدة الأميركية لا تزال مسيطرة على الدولار في العراق، وهي الحامية للعملة النقدية أو التدفق النقدي للعراق عن طريق الفيدرالي الأميركي”.
ويوضح، أن “كل هذه الملفات تستدعي من الحكومة العراقية العمل على تصفير المشاكل والإنطلاق من فضاء وطني جامع والنظر بمصلحة وطنية”.
ويلفت إلى أن “العراق عانى ما يكفي ولن يدفع ثمن مغامرات أطراف أخرى، في وقت يبدو أن المنطقة ترفض مغادرة سمة التوترات والحرب، وما يترتب عليها من خراب ودمار وهلاك للبشرية”.
ويكمل، أن “العراق داعم للقضية الفلسطينية، لكن هذا الدعم يجب أن لا يكون على حساب المصلحة الوطنية باعتبار أن هناك أولويات بالتعاطي مع الأزمات، فهناك مصالح ثانوية وأساسية وعليا”.
ويؤكد، أن “حفظ أمن العراق وسيادته تعتبر مصلحة عليا للبلاد، وعلى الجماعات أن تنطلق من هذا المنظار لكي تستطيع تحديد طبيعة التعاطي وطبيعة العلاقة بينها وبين كل الدول أو الفاعلين الدوليين في المنطقة”.
موقف الدول العربية
بدوره يقول الباحث في الشأن السياسي، عبد القادر النايل، إن “الدول العربية تقسم بين الشعوب والأنظمة الحاكمة، وأن جميع الشعوب العربية صاحبة موقف إيجابي من العراق وشعبه، أما الأنظمة الحاكمة فمنهم من ترك العراق يحترق وهو يتفرج على ذلك”.
ويبين النايل ، أن “الهيمنة الإيرانية على العراق هي بسبب الانسحاب العربي الرسمي من البلاد بعد الاحتلال، وإن كانت أمريكا أيضاً إحدى منع الدول العربية من أن يكون لها قرار في الشأن العراقي، لأنها تعاونت مع إيران منذ عام 2003، إلا أن ذلك ليس مبرراً أن يُترك العراق بهذه الطريقة”.
ويحذّر، أن “الصراع الحالي خطير والبيانات الصادرة من جامعة الدول العربية بإدانة القصف الإيراني وغيره لا تغني ولا تسمن من جوع، لأن الموقف يحتاج إلى بلورة مشروع إنقاذ للعراق من أن تتحول أرضه بؤرة للصراعات الإقليمية والدولية التي تتصاعد وتيرتها بشكل كبير”.
وينوّه مخاطباً الدول العربية، “إذا احترق العراق وأنتم تتفرجون فإن النار ستصل إليكم، ولن يكون أحد بمأمن من اندلاع الصراع، لذلك يتوجب على الجميع التحرك والاستماع للعراقيين وليس الاستماع للسلطات الحاكمة فقط، لأنها جزء من المشكلة، وأميركا طوال عشرين عاماً تدمر العراق ولا يمكن الوثوق بها”، على حد قوله.
الحرب بالوكالة
من جانبها توضح الباحثة في العلاقات الدولية، د.أزهار الغرباوي، أن “استهداف الدول التي ليست ذات علاقة مباشرة يجسد ويترجم الحرب بالوكالة التي بدأت تتجسد كنموذج جديد للحرب الباردة التي كانت حاصلة في العالم بين القطبين الشرقي والغربي، من خلال دول تحصل الحرب فيها كما حصلت في كوبا وبعض دول أفريقيا وغيرها، فهي حرب بالوكالة تتحمل تداعياتها الدول التي تمتد فيها أذرع الدولة الرئيسية مثل سوريا والعراق واليمن ولبنان التي تتواجد فيها أذرع واسعة بشكل ملحوظ لإيران”.
وتشير الغرباوي خلال حديث لها إلى أن “الإدارة الأميركية أصبحت عقيدتها بعد ضربات 11 سبتمبر 2001، بضرب أي جهات معادية تشعر أنها تهدد أمنها القومي سواء مصالحها أو أمن مواطنيها، لذلك يبيح الكونغرس للرئيس الأميركي استخدام القوة في حال تحقق هذين الشرطين”.
وتتابع، أن “الهجمات التي قامت بها إيران سواء من داخل أراضي العراق أو من خارجها على مصالح أميركية في كل من الأردن والعراق المتمثلة بالقنصلية الأميركية في أربيل وقاعدة عين الأسد بالأنبار التي تمثل ركيزة مهمة للمصالح الأميركية في العراق، بما يوجد فيها من مصالح ومستشارين أميركيين، وأن وقوع الضحايا من الجنود الأميركيان، أباح للرئيس الأميركي استخدام القوة بشكل مشروع من خلال الرد على تلك الهجمات التي اعتبرتها الإدارة الأميركية تمس مصالحها”.
وتضيف، “أما إيران فقد بذلت جهوداً مضنية من أجل نقل ساحة الصراع إلى أرض غير أرضها المتمثلة بالعراق، على اعتبار أن السياسة الخارجية الإيرانية تقوم على أن أمن واستقرار جارها جزء من أمنها القومي، وهذه هي الذريعة التي اعتمدتها لإخراج الصراع وإدارته في أراضي غير أراضيها والمتمثل بالأراضي العراقية”.
وتكمل، “لكن الإدارة الأميركية لم تكتفِ بضرب مواقع إيران في العراق فقط، المتمثلة بقواعد الحشد الشعبي ومنطقة جرف الصخر وبغداد والمناطق المعروفة بإنها ركيزة إيرانية في العراق، بل قامت بضرب مواقع في داخل إيران نفسها، لتبعث رسائل إلى حكام طهران بأننا قادرون على نقل الصراع في أي مكان بالعالم، سواء في العراق أو حتى في داخل العمق الإيراني”.
وتلفت إلى أن “حرب الوكالة هذه تُجسد على الصعيد المحلي ضعف الحكومة العراقية وإحراجها أمام الشارع العراقي، ما يصب في غير مصلحة العملية السياسية في العراق، وهذا أخذ يجسد حقيقة أن البلاد مستهدفة، فيما الأجهزة الأمنية العراقية غير قادرة على حماية الأمن الداخلي والخارجي”.
وخلصت الغرباوي إلى القول، إن “القوات الأميركية قد تستخدم الأراضي العراقية لضرب أي جهة تشعر أنها معادية لها، وكذلك الحال بالنسبة للجانب الإيراني، وهذا سوف يزعزع ثقة المواطن العراقي بأجهزته الأمنية، وهو أيضاً جسد تضارب الدور الأميركي في العراق المتمثل بحماية أمن العراق وفق اتفاقية الإطار الاستراتيجي المبرمة بين العراق وأميركا عام 2008 في جانبها الأمني”.
العراق قادر على حماية نفسه
بدوره يؤكد المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، أن “القوات الأمنية العراقية لديها إمكانيات وقدرات عالية جداً، تستطيع من خلالها حماية العراق وأهدافه وشعبه وحدوده وثروته أيضاً”.
ويضيف الخفاجي ، أن “العراق استطاع دحر تنظيم داعش الإرهابي على مدى 3 سنوات ونصف، وبعد الانتصار على هذا التنظيم بدأت القوات المسلحة العراقية بالاهتمام بقضايا مهمة، أولها ضبط الحدود، وتم ضبطها مع سوريا، وهناك عمل كبير باتجاه الحدود التركية والإيرانية”.
ويبين، أن “القوات الأمنية العراقية أصبحت أكثر تجهيزاً واحترافية خاصة بعد الخبرة التي امتلكتها من خلال معارك التحرير، كما تمتلك سلاح جو متطور، وهناك جهد استخباري مميز لكل الوكالات الأمنية والاستخبارية”.