حرية – (8/2/2024)
يحرص بعض الفنانين على الاكتفاء بنشر الجوانب التي تتعلق بحياتهم الفنية وأعمالهم والتجارب التي مروا بها وأوصلتهم إلى ما هم عليه من شهرة
يعمد عدد من الفنانين إلى كتابة مذكراتهم لكي يتعرف الجمهور على كواليس حياتهم وأهم المراحل والمحطات البارزة فيها، وغالباً ما يكشف عن هذه المذكرات بعد رحيل الفنان، خصوصاً إذا كانت تتضمن تفاصيل شخصية حساسة. وفي المقابل يحرص بعض الفنانين على الاكتفاء بنشر الجوانب التي تتعلق بحياتهم الفنية وأعمالهم والتجارب التي مروا بها وأوصلتهم إلى ما هم عليه من شهرة ونجومية.
وقدمت الدراما العربية عدداً من أعمال السير الذاتية لنجوم كبار من أمثال أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان وأحمد زكي وعبدالحليم حافظ وغيرهم، وحاز بعضها على إعجاب الجمهور وحقق نجاحاً كبيراً وبعضها الآخر لم ينصف الفنان ولم يعطه حقه، ومرت تلك الأعمال مرور الكرام على عكس ما كان متوقعاً لها.
وكشفت الفنانة أصالة أخيراً عن نيتها إصدار كتاب مذكرات يروي قصة حياتها الشخصية والفنية وبعض التفاصيل المهمة التي تكشف عن حقيقة الأشخاص الذين مروا بحياتها من دون الإساءة إليهم معتبرة أن حياتها تصلح أن تكون “مسلسلاً هندياً”.
وإذا كان بعض الفنانين لا يترددون بكتابة مذكراتهم بأنفسهم أو بالاستعانة ببعض الكتاب أو الصحافيين، إلا أن آخرين يستبعدون هذه الفكرة تماماً يفضلون أن يكتب الآخرون عنهم أعمالاً تتناول سيرتهم الذاتية.
كشفت الفنانة أصالة أخيراً عن نيتها إصدار كتاب مذكرات يروي قصة حياتها الشخصية والفنية
حياة مفتوحة
في هذا الإطار تعتبر الممثلة منى واصف لـ”اندبندنت عربية” أنها لا تفكر بكتابة قصة حياتها لأنها عاشتها ولا تجد أن هناك ضرورة لكي تفعل ذلك، وتقول “أنا عشت حياتي فلماذا أكتبها؟ لقد قرأت مذكرات لشخصيات عالمية مهمة كوني قارئة جيدة ووجدت أن حياتي لا تستحق الكتابة مقارنة بهم، وهذا هو تقييمي الشخصي على رغم أن بعضهم يعتبر أنني أمثل قيمة فنية كبيرة لأنني قرأت مذكرات لعدد من كبار الكتاب مثل تولستوي وشعرت أنني لا أستطيع أن أضاهيهم كتابة، وأنا أعتبر أن الشخص الذي يطمح لأن يصبح كاتباً فيجب أن يملك موهبة الكتابة وأنا لا أملكها، ولذلك أفضل أن أحصر طموحي بالاكتفاء بتمثيل أعمالهم ونقل شيء ما عنهم”.
ولأن حياتها الفنية طويلة وغنية وتستحق أن تتحول إلى سيرة ذاتية يمكن أن يستفيد منها الآخرون فإنها تجيب “كفنانة لا أعرف كيف ينظرون الآخرون إلى مسيرتي الفنية مع أنني أعرف جيداً أنها محط تقدير واحترام عند كثيرين ولكنني لا أشعر أنها يمكن أن تدرس. الأشخاص الذين عاصروني يعرفونني جيداً والجيل الجيل الجديد مطلع على مسيرتي الفنية لأن حياتي مفتوحة للناس، وفي مقابلاتي أنا تحدثت عن كل شيء ومعظم الناس يعرفون أنني ناضلت وحاربت إلى أن وصلت إلى ما أنا عليه اليوم”.
وفي حال تلقت عرضاً مهماً لتحويل قصة حياتها إلى عمل درامي أو في حال أعادت النظر في مسألة كتابة مذكراتها فإن واصف لا تعرف ما إذا كانت تكتفي بالتفاصيل التي تتعلق بحياتها الفنية أو يمكن أن تتطرق أيضاً إلى حياتها الشخصية، ولكنها تستدرك “أعتقد أن أي إنسان يفكر بكتابة تفاصيل حياته يجب أن يتناولها بشقيها الفني والشخصي”. كما تشير إلى أن هناك فرقاً بين أن يكتب الشخص مذكراته بنفسه وأن يكتبها الآخرون وتحويلها إلى عمل سيرة ذاتية. وتوضح “أسمهان ماتت بعمر مبكر وهي لم تكتب مذكرتها بنفسها بل تناول الآخرون حياتها في مسلسل تلفزيوني. عندما يموت الفنان تصبح حياته ملكاً للآخرين وهم يكتبون عنها وفق ما يجدونه مناسباً، وبصراحة أنا لم أشاهد أي عمل من أعمال السير الذاتية التي تناولت حياة أم كلثوم، أو ليلى مراد، أو صباح، أو سواهن من الفنانات ولكنني شاهدت أفلام أم كلثوم التي كانت مقلة في المقابلات وهي عالم كامل بذاته أما صباح فكانت مالئة الدنيا وشاغلة الناس”.
لا إنصاف
أما الفنان أحمد الزين فيؤكد أنه كتب مذكراته أكثر من مرة ولكنه أحرقها لأنه يعتبر أنه يفترض أن يكتب الآخرون عنه وليس أن يفعل هو ذلك، ويردف “لم أعد أفكر أبداً بكتابة تفاصيل حياتي ولو فعلت ذلك فسألحق الأذى بأولادي وأحفادي لأنني أسمي الأشياء بأسمائها. صحيح أنني أدرى بتفاصيل حياتي أكثر من غيري ولكنني لا يمكن أن أفصح عن أسراري وفي حال فكر صناع الدراما بتحويل حياتي إلى عمل فني يتناول سيرتي الذاتية فأفضل أن يتناول حياتي كفنان وكيف بدأت من الصفر وأصبحت مجموعة أصفار على اليمين. وأنا ضد أن تتناول السير الذاتية الحياة الشخصية للفنانين مع أنهم يرددون دائماً بأنهم أناس قبل أن يكونوا فنانين لأن كل فنان ينتمي إلى بيئة معينة مختلفة عن الآخر، وأنا مثلاً أقلعت عن السهر منذ 30 عاماً خصوصاً في الأماكن الصاخبة لأنني أشعر أن لا مكان لي فيها”.
كتب الفنان أحمد الزين مذكراته أكثر من مرة ولكنه أحرقها
من جهة أخرى لا يرى الزين أن السير الذاتية للفنانين كانت منصفة بحقهم، إذ يقول إنه “لا يمكن لأي عمل فني يتناول قصة حياة الفنانة صباح أن ينصفها وأنا التقيتها قبل 6 أشهر من وفاتها وحزنت كثيراً لأن حياتها انتهت في غرفة في “أوتيل كونفورت”، وفي حال وجدت النية لتكريمي من خلال عمل يتناول قصة حياتي فإنني لا أملك الجرأة لكتابها لأن فيها قتل وخطف وتهديد وشتائم ولكن كل من سلمت أمرهم إلى الله انتقلوا إلى جواره وهو كفيل بمحاسبتهم”.
أم كلثوم وصباح
من جهتها أكدت الفنانة نبيلة عبيد أن هناك كتاب يتضمن كل التفاصيل التي تتناول حياتها، وقالت “الكتاب يتحدث عني وعن مشواري الفني الطويل وخبرتي وتجربتي، وأنا لا أشعر بالقلق حيال هذا الموضوع لأنه لا يوجد في حياتي ما يستدعي ذلك وما كتبته لا يلحق الضرر بالآخرين وفي الأساس أنا لا أحب إلحاق الضرر بأحد. ولكنني لا أحب أن تحول قصة حياتي إلى عمل درامي لأنني لست راضية عن أعمال السير الذاتية التي شاهدتها باستثناء مسلسل أم كلثوم، وحتى الفنانة الراحلة صباح لم تكن راضية عن مسلسل ’الشحرورة‘ وهي عبرت عن ذلك بصراحة”.
مجتمع وثقافة
في المقابل تغيب أعمال السير الذاتية عن الدراما الخليجية ولم تقدم الشاشتين الكبيرة والصغيرة أي عمل يتناول حياة أي فنان خليجي مع أن الوسط الفني في الخليج يزخر بنخبة من النجوم الذين أغنوا الفن الخليجي بعطائهم في مجالي الغناء والتمثيل، وحول هذا الموضوع يقول المخرج السعودي عبدالحميد عالم، “نحن لا نزال في بداية المشوار، وبعض المشاهير يرفضون تحويل قصة حياتهم إلى أعمال درامية بسبب مشكلة الكتابة ولعدم وجود كتاب أكفاء، لأنه لا بد من أن يتوفر النص الجيد الذي يلم بالتفاصيل كافة لكي يوافق الممثل أو المطرب على تنفيذ مسلسل أو فيلم عن حياته، وأتمنى أن يتغير هذا الوضع خلال الفترة المقبلة وأن يتوفر الكتاب الأكفاء وأن يوافق كبار النجوم على تحويل سيرهم الذاتية إلى أعمال درامية”.
ومن وجهة نظر عالم فإن هناك تفاصيل خاصة وسرية تتعلق ببعض المواقف أو الأحداث يرفض كل إنسان الإفصاح عنها سواء كان مشهوراً أو شخصاً عادياً، ويردف “ولذلك نجد أن المشاهير العرب يرفضون التطرق إلى بعض التفاصيل الخاصة جداً في حياتهم، ولكن عندما يحذف المشاهد الأساسية التي تتطرق إليها تفقد القصة جاذبيتها وتتحول إلى قصة عادية، بينما في هوليوود وبوليوود وكوريا الجنوبية يتعامل المشاهير مع هذا الأمر بشكل عادي، وهذا الأمر له علاقة بالثقافة وأظن أن فناني الخليج بشكل عام والفنانين السعوديين بشكل خاص يرفضون التطرق إليها بسبب الظروف المجتمعية والثقافية”.
كذلك يشير إلى أن الوسط الفني السعودي يضم عددا كبيراً من المشاهير الذين يستحقون أن تتحول حياتهم إلى أعمال درامية، معقباً “أنا شخصياً أتمنى أن يكون هناك عمل بيبليوغرافي سينمائي عن الفنان العظيم طلال المداح لأن قصة حياته مثيرة للاهتمام وفيها كثير من الجوانب المهمة، وأن تكتب قصة حياته بتوقيع كاتب جيد وبشكل واقعي وأن يوافق أبناءه على النص”.