حرية – (10/2/2024)
مثّل اختيار مدينة بنغازي الليبية عاصمة للثقافة الإسلامية رسالة دعم للمدينة التي لا تزال تتعافى من تداعيات سنوات سيطرة الجماعات الأصولية عليها.
وواكبت بنغازي المطلّة على ساحل المتوسط، خلال العقد الأخير، تداعيات الفوضى الأمنية والسياسية التي ضربت البلاد منذ أحداث شباط (فبراير) العام 2011. وكانت جماعة “أنصار الشريعة”، الفرع الليبي لتنظيم “القاعدة”، أعلنت في العام 2014 سيطرتها على كامل المدينة، قبل أن يستعيدها الجيش الوطني بزعامة خليفة حفتر في العام 2017، ولا تزال مباني بنغازي شاهدة على ثلاث سنوات من المعارك الدامية.
تلبية المعايير
وتُعتبر حالياً ثاني أكبر مدن ليبيا، بعد العاصمة طرابلس، مركز القرار السياسي والعسكري لشرق ليبيا وجنوبها، إذ تحتضن مقر القيادة العامة للجيش الوطني ومجلس النواب والحكومة المنبثقة عنه، فيما توجّت مساعي السلطات المحلية لإعادة إعمار بنغازي، باختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية للعامين 2023 و2024، وفق تحقيقها معايير منظّمة التعاون الإسلامي التي تشترط أن تكون للمدن المختارة مساهمة في الدور العلمي والثقافي والإسلامي والتاريخي.
وفي هذه المناسبة، أذن رئيس الحكومة المكلّفة من مجلس النواب أسامة حماد، في الأسبوع الثاني من الشهر الماضي، بانطلاق احتفالات تشمل فعاليات ثقافية وفنية، من بينها تظاهرات مسرحية ومهرجانات للأغنية الليبية والمالوف والموشحات والإنشاد الديني، وفعاليات سينمائية ومعارض للكتب والفنون التشكيلية وعروض فولكلورية، وندوات فكرية يشارك فيها ممثلون عن الدول العربية والإسلامية.
وكان مقرراً تدشين تلك الفعالية في أيلول (سبتمبر) الماضي، تزامناً مع الذكرى 82 لمقتل بطل المقاومة الشعبية ضدّ الاحتلال الإيطالي، الملقّب “أسد الصحراء”، عمر المختار، لكن كارثة الفيضانات التي ضربت ساحل شرق ليبيا فرضت تأجيل الحدث.
دور المثقفين
رئيس اللجنة العليا للاحتفال إبراهيم هدية، اعتبر اختيار بنغازي عاصمة للثقافة “رسالة دعم للمدينة التي تطوي صفحة سيطرة القوى الظلامية، فالثقافة أهم طرق مواجهة الفكر المتطرّف. المدن الليبية وعلى رأسها بنغازي تزخر بإرث ثقافي إسلامي، وتتبنّى حراكاً لنشر الفكر المُستنير. بعد انتصار الجيش على التنظيمات الارهابية، هذا دور المثقفين لمحاربة هذا الفكر”. وأشار لـ”النهار العربي” إلى أنّ “افتتاح الاحتفالات سينطلق منتصف الشهر الجاري، بحضور مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وعدد كبير من الشخصيات الفنية والأدبية العربية والإسلامية”.
وقال هدية: “سنقدّم خلال هذا العام ثقافة المدينة والبلد كلها، ومن ضمنها الثقافة الإسلامية. اللجنة حرصت على مشاركة المثقفين في القطاعات كافة، ولدينا أنشطة فنية وأدبية تعبّر عن إرث المدينة التاريخي”.
برامج تشمل 100 فعالية
وأوضح أنّ “برامج الاحتفالية ستتضمن 100 حدث ثقافي وعلمي وفني، بعضها يمتد عرضه إلى نحو شهر، وتتنوع بين ندوات وورش عمل ومؤتمرات علمية ومحاضرات ثقافية ومعارض فنية إضافة إلى مهرجان الأفلام الوثائقية القصيرة”، مشيراً إلى أنّ اللجنة عملت طيلة الأشهر الماضية بشكل متواصل لتنظيم هذا الحفل وإطلاقه، بما يتضمنه من برامج ستمتد على مدى عام كامل. وأشار هدية الى “رعاية المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، لبرامج عواصم الثقافة في العالم الإسلامي، فيما ترعاها محلياً اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم”.
أما الروائي الليبي محمد السويسي فقال: “بنغازي لها خصوصية لدى الليبيين، واختيارها تتويج للمساعي الوطنية للتخلّص من التطرّف وأفكاره، وتسليط الضوء على الثقافة الليبية، خصوصاً أنّ الاحتفالات مستمرة طيلة العام وتتضمن أنشطة ثقافية وأدبية وفنية، إضافة إلى معارض الكتب ونشر لوثائق التراث الإسلامي في ليبيا”.
وشدّد السويسي على ضرورة “استثمار هذا الاختيار في تنشيط الذاكرة التراثية للهوية الليبية والتاريخ الإسلامي في البلاد. يجب التعامل مع الاحتفال كمشروع وطني تتقدّمه الثقافة، فالإصلاح يبدأ بالفكر وإعمار العقول”. ودعا كل الليبيين إلى “الالتفاف خلف هذا المشروع لتقديم الوجه الحقيقي لليبيا وشعبها”.
وكان أسامة حماد أكّد في كلمته أنّ اختيار بنغازي “مستحق ولم يأتِ عبثاً؛ لمدينة عانت من الإرهاب الذي ارتكب الفظائع واستهدف أهلها الطيبين. الإرهاب استهدف المدنيين والعسكريين والأدباء والصحافيين والمثقفين”، لافتاً إلى أنّه مع انتهاء الحرب على الإرهاب “بدأت الحرب ضدّ الخراب والجهل والتقزيم لدور بنغازي وتاريخها الإسلامي والفكري والأدبي”.
وقال إنّ المدينة “بدأت سلسلة من الإعمار والأنشطة الثقافية والدينية والأدبية والفنية، ومعارض الكتب ضمن الامتداد الطبيعي لتاريخها الديني والثقافي”. وتعهّد بدعم الفنانين والأدباء والمفكرين والإعلاميين، وتهيئة البيئة المناسبة لهم “ليقدّموا إبداعاتهم في أعلى مستوى ممكن، وبما يخدم مصالح الوطن ووحدته”.