حرية – (10/2/2024)
رجح العلماء من خلال بعض النظريات أن يرجع السبب الرئيسي لسعي النساء الدائم للتسوق إلى عادات وممارسات قديمة تعود إلى العصر الحجري، حين كان يخرج الرجال لاصطياد الحيوانات، وانشغلت النساء بجمع الطعام من الغابات، ولم يكنّ في عجلة من أمرهن، فقمن بفحص كل شجرة وثمرة بعناية وتمعن، ولم يرضين إلا باختيار أفضل نوعية من الطعام المتاح.
وبحسب العلماء لا تزال هذه الطريقة والتأني بالانتقاء معتمدة لدى فئة من النساء اللواتي يأخذن كل الوقت لمقارنة المنتجات، والبحث عن بدائل، وتبادل الملاحظات مع الصديقات والزميلات. فقديماً كان البحث عن الطعام حدثاً اجتماعياً يستلزم تبادل المعلومات بين إناث القبيلة، واليوم لم يغب تبادل المعلومات عن عالم النساء وإنما اختلفت الوسيلة والمتطلبات.
فمع انتشار مفهوم التسوق الإلكتروني، انتقل مفهوم التبضع من الغابة فالأسواق إلى المتاجر الإلكترونية.
ولكن هل فعلاً تفضل النساء التسوق من خلال شبكة الإنترنت، أم أن هذه الشبكة تعيق ممارسة الموروث الثقافي للمرأة المتأصل في القدم؟
اتجاه إجباري
اعتادت النساء حول العالم قصد الأسواق لشراء ما تحتاجه ضمن موازنة تحددها مسبقاً، فكانت وما زالت تلبي حاجات أسرتها لشراء الملابس والأحذية والأكسسوارات ولوازم المنزل والطعام والشراب، فهي تفتخر بأنها تُحسن الاختيار أكثر من الرجل، لذلك لا يدخل منزلها شيء لم تختره بنفسها.
وهذا السلوك يفسر في عالم التسوق بأنه قوة اتخاذ القرار وتحمل مسؤوليته، لذلك معظم الإعلانات التجارية تتوجه للمرأة، وقد شجعت طريقة العرض ذهابها بشكل متكرر إلى المتاجر وشراء المزيد من الأغراض. وهناك سعت المحال التجارية لإبقاء النساء أطول فترة ممكنة داخل محلاتهم، وذلك لسبب يتعلق بسيكولوجية الأنثى، وهي أن رغبتها في الشراء تزداد بعد مضي ساعتين من عملية التسوق.
إذ يقول الخبراء إن الأمر لا يتعلق بالأموال التي تمتلكها أو الأشياء التي تحتاج إليها، بل بكمية الوقت الذي تقضيه في التسوق. ولكن عام 2020 مع تفشي جائحة كورونا تعرضت هذه الطريقة للمقاطعة، فلم يسمح لأحد بالخروج من منزله، ما جعل الإنترنت المصدر الوحيد الذي تستطيع من خلاله المرأة التسوق.
الاستعانة بوسائل التواصل
وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في التسوق المباشر عبر الإنترنت وبخاصة تطبيق “إنستغرام”، الذي توجهت إليه معظم الشركات والمحال لعرض منتجاتها في محاولة لاستقطاب النساء من كل الأعمار والفئات الطبقية.
فمن خلال العروض والخصومات والاستعانة في معظم الأحيان بالفنانات والمؤثرات لعرض المنتجات، استطاعت هذه المتاجر بيع أكبر عدد من منتجاتها من ملابس وأحذية وأدوات تجميل وغيرها من الحاجات الخاصة بالمرأة وحياتها ضمن مجتمعها.
وعن تجربتها بالتسوق المباشر تقول إلين، “لدي طفل حديث الولادة يحتاج لرعايتي، إضافة إلى عملي الذي يستهلك مني وقتاً طويلاً، وقد ساعدني التسوق عبر الإنترنت منذ الجائحة على كسب الوقت. فأثناء تصفحي لوسائل التواصل أجد ما أريده وبكبسة زر أستطيع شراءه من دون الحاجة إلى وقت أو جهد إضافي”.
بينما تقول راما، “أنا لست متزوجة وليست لدي التزامات إلا في عملي، ولكن لا أفضل الخروج للتسوق من المحال التجارية بسبب الموضة المتشابهة، وأفضل تمضية وقت عبر الإنترنت ووسائل التواصل لاختيار وشراء ما أحتاجه، وأحياناً كثيرة ما لا أحتاجه”.
مزايا التقليدي
طورت النساء سابقاً أساليبهن في التسوق التقليدي من المحال التجارية، إذ إن قدرتهن التي كانت تقوم على جمع أفضل أنواع الطعام في التاريخ استعدنها في المعرفة والاطلاع على معظم المنتجات وأصنافها وأسعارها. لذلك فإن كثيرات منهن ينتظرن موسم التخفيضات لشراء أفضل المنتجات بسعر مناسب، كما أن بعضهن يخترن المحل المناسب بعد جولة كاملة في معظم المحال لاقتناء منتج ما بالسعر الذي يناسبهن، إضافة إلى شغف بعضهن في ما يعرف “بالمفاصلة”، وهي محاولة شراء القطعة بأقل من سعرها. وعن هذا تقول ليلى والدة راما، “أفضل أن أذهب إلى السوق وأعاين القطعة التي أريد شراءها بخاصة الملابس والأحذية والأكسسوارات، إذ إن صفحات التسوق الإلكتروني تضع صوراً غالباً لا تشبه جودة ونوعية القطعة على أرض الواقع، إضافة لفرض السعر الموحد الذي لا نستطيع مناقشة المتجر به”.
وتتابع “إن هذه الطريقة البكماء في التسوق تزعجني عكس ابنتي، فأنا أفضل أن أناقش صاحب المحل بنوعية القطعة وجودتها وقدرتها على تلبية طلبي، إضافة إلى المفاصلة على سعر القطعة والذي برأيي يكون مرتفعاً بشكل غير منطقي”.
وتوافق راما وإلين السيدة ليلى في نقطة أن الصورة غالباً لا تشبه المنتج الحقيقي، وأن جودة القطعة قد تصل لهم بعكس المتوقع.
الشك والأمان
وعن هذا تقول إلين، “لقد فوجئت مراتٍ عدة بالجودة المتدنية للغرض الذي طلبته، وحاولت التواصل مع المتجر ولكنهم لم يبدوا أي تجاوب إلا بعض الأسماء التجارية التي تحترم نفسها”. وعن هذا تقول راما، “دائماً أطلب من الذي يتواصل معي أن يلتقط صورة للمنتج وعندما يحاولون تجاهل الأمر إما ألغي الطلب أو أغامر بشرائه، ولا أنكر أني قد ندمت مراتٍ قليلة”.
في هذا السياق تقوم نادين بممارسة طريقة مختلفة في التسوق، فهي تبحث عما تريده عبر الإنترنت ومواقع المتاجر وصفحاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتجمع ما تريد من معلومات تحتاجها، وثم تذهب إلى السوق لشراء هذا المنتج، وعن هذا تقول، “هذه الطريقة تشعرني بالأمان، فلم تجذبني للحظة فكرة التسوق الإلكتروني، وبخاصة أن لدي صديقات قمن بهذه التجربة ولم تكن على مستوى جيد يدفعني للقيام بها”.
وتتابع “إن المتاجر الإلكترونية تغرق الزائر بالخيارات أكثر من السوق، لذلك أشعر أن التسوق عبر الإنترنت يأخذ وقتاً أكبر وأنت مسترخ على أريكتك من دون فعل شيء آخر سوى الانتقال من منتج لآخر في وقت مفتوح من دون ضوابط”.
حيلة لاواعية
إن إحدى حيل المتاجر الإلكترونية بحسب مراقبين، تتمثل بسهولة تنقل المتسوق من خيارٍ لآخر، وعليه فإن كثيرين سيشترون بضغطة زر أشياء يحتاجونها وأخرى كثيرة لا يحتاجونها لمجرد أنها ظهرت أمامهم وشعروا أنهم ربما يريدونها في وقتٍ ما. وهذا مرده بحسبهم إلى أنه لا يتم التعامل بشكل فوري مع المال في الشراء الإلكتروني.
وعن هذا تقول راما، “على رغم أني متيقظة لهذه النقطة في عملية الشراء، إلا أن هناك لذة ومتعة الجمع التي يمنحها التسوق المباشر عبر النت، والتي لا تستهلك منا جهداً جسدياً بعكس التسوق التقليدي الذي يشكل في أحيان كثيرة عبئاً في حمل الأغراض ونقلها وبخاصة من مناطق جغرافية بعيدة”.
إذ إن المسافات الشاسعة قد يسرت أكثر التسوق المباشر عبر الإنترنت، فلا تحتاج المرأة لأن تقطع مسافات طويلة للحصول على قطعة ملابس أعجبتها في مدينة أو بلد ما، فما عليها إلا أن تختارها وتصلها لحد منزلها، وهو ما فرض جدلية أخرى في حصول النساء على قطعة على مقاسهن بالضبط أم تحتاج للتبديل، وهل أن هناك إمكانية مادية ولوجستية للتبديل!