حرية – (21/2/2024)
عندما كان عمري 28 سنة في عام 2015 تقريباً، كانت تطبيقات المواعدة ممتعة. طبعاً ليست ممتعة مثل الارتباط بعلاقة فعلية، ولكنها أكثر متعة من الجلوس في المنزل بمفردك ليلة الجمعة. في الواقع، لم تكن مضطر أبداً إلى القيام بالأمر الأخير [أي البقاء بمفردك ليلة الجمعة] – ليس إلا إذا كنت ترغب في ذلك. يمكنك ببساطة قضاء 10 دقائق في التمرير على تطبيق تندر للمواعدة، والحصول على عدد من المطابقات مع أشخاص آخرين، وإرسال بضع رسائل، هكذا تكون قد ضمنت لنفسك الخروج لاحتساء مشروب في عطلة نهاية الأسبوع. من دون فوضى، ومن دون عناء.
يمكنك حتى أن تجعل الأمر لعبة إذا كنت مع أصدقائك وتشعر بروح المغامرة، حيث يمكنك أن تطلب معلوماتهم الشخصية أثناء التمرير عبر مجموعة لا متناهية من التطابقات المحتملة لتقرر ما إذا كنت ستقوم بوضع إعجاب أو عدم إعجاب – مثل قيام إمبراطور روماني بتقييم المحاربين ليقرر إذا كان مصيرهم العيش أو الموت.
ليس الأمر كما لو أن المواعيد نفسها كانت رائعة تماماً – لن أنس أبداً ذاك الرجل الذي وضع يده على ركبتي بعد ثلاث دقائق فقط من لقائنا، بينما كان يحدق بعمق في عيني وقال “أعتقد أن كلينا يعرف سبب وجودنا هنا”، لكن النقطة المهمة هي أنه لم يكن من الصعب الحصول على موعد. لم تكن مجبراً على تحمل قدر هائل من “التدقيق” (تدقيق المواعدة) فقط لتأمين موعد بصورة شخصية – على عكس عام 2024.
في بداية شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، انضممت مجدداً إلى التطبيقات – أو “التطبيقات المخيفة”، كما اعتاد تسميتها عديد من العازبين – وهناك فرق بين إعادة إحياء ملفك الشخصي الذي كان خاملاً على مضض، وبين الانغماس بنشاط مرة أخرى في مجموعة المواعدة. يجب أن أؤكد أنني فعلت الخيار الأخير – قررت أنني مستعدة للعثور على شريك للمدى الطويل، والطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي استثمار الوقت والطاقة في هذه العملية.
في المقام الأول استخدمت تطبيق “هينج”، “Hinge”، كنت أقضي كل أوقات فراغي في غربلة الملفات الشخصية والإعجاب أو المطابقة مع أكبر عدد يبدو مناسباً نوعاً ما. كوني أنثى، بمجرد المطابقة، عادة ما أمنح الشخص الآخر يوماً واحداً لأرى ما إذا كان سيرسل الرسالة أولاً – مستمتعة بتوقع المطاردة وكل ذلك – وإذا لم يحصل ذلك، فسأبتكر سطراً افتتاحياً خاصاً بي.
وأنا حقاً أعني “ابتكاراً” – فالبدايات الكسولة مثل “كيف حالك؟” أو الأسوأ من ذلك، فقط “مرحباً”، ليست مناسبة بالنسبة لي. كنت ألقي نظرة على الملف الشخصي للموعد المحتمل وأحاول أن أسأل شيئاً محدداً: “هل هذا كلبك؟”، “كم هو نادر أن تجد رجلاً يعرف جودة [نبيذ] سانسير!”، وحتى “أنت تشعرني بهيئة جوناثان كريك مع هذا المعطف والشعر المجعد. هل تعيش أيضاً في طاحونة هوائية وتحل الجرائم بقوة السحر؟”. مخصصة بصورة يائسة كرسالة أولى، ولكن لا أستطيع أن أؤكد بما فيه الكفاية على مدى ضآلة ما امتلكه معظم هؤلاء الرجال بداية للتعامل معهم.
هل ضعفت ثقافة تطبيقات المواعدة في عام 2024
ضمن “العناوين” في الملف الشخصي – وهي طريقة لبدء الأحاديث مصممة للكشف عن معلومات عميقة عن نفسك – كتب الرجال ردوداً كاشفة مثل “مواعدتي مثل… مواعدتي” و”أفضل طريقة لسؤالي للخروج معك هي من طريق… سؤالي للخروج معك”. يا لها من معلومات مفيدة.
بعد تخصيص جزء كبير من وقتي لهذه التفاهة لمدة ثمانية أسابيع تقريباً، هل تعرف كم عدد الأشخاص الذين حصلت على موعد شخصي معهم؟ اثنان. كان كلا الرجلين لطيفاً للغاية، على رغم أن شعوري معهما كان أشبه بعلاقات الصداقة أكثر من العلاقات الرومانسية، لكنني شعرت بصعوبة القيام بالمواعدة عبر التطبيقات، من المؤكد أن الجهد الهائل الذي بذلته كان ينبغي أن يترجم إلى معدل نجاح أعلى. اذن، هل ملفي الشخصي للمواعدة وأسلوبي في المراسلة هما الخطأ، أم أن ثقافة تطبيقات المواعدة لم تعد صالحة؟
إذا انتظرت بضعة أيام قبل الرد، فإن الشخص الآخر يشعر بعدم الاهتمام. الزخم مهم
هايلي كوين
من أجل معرفة ذلك أرسلت ملفي الشخصي على تطبيق “هينج” إلى مدربة المواعدة هايلي كوين لتحليله – وهو خيار أكثر صعوبة من خيار السماح لأي عدد من الغرباء بمشاهدته عبر الإنترنت. أشعر بالحرج عند رؤية الملف من خلال عيون الخبراء: صور السيلفي، والمجهود الكبير لأبدو مضحكة من خلال العبارات الساخرة. ماذا سترى من خلاله؟
تقول كوين: “يحوي الكثير من شخصيتك، والآراء الحقيقية، وهو أمر رائع. وأنا أحب صورتك بالثوب الأخضر – إنها شبه الممثلة كريستينا هندريكس” (في هذه المرحلة أشعر بالإطراء الشديد لدرجة يجب أن أمنع نفسي من سؤالها للذهاب معي في موعد غرامي). هل هناك مجال للتحسين؟ تقول كوين: “لا يوجد في ملفك الشخصي حالياً أي تسجيلات صوتية أو فيديوهات قصيرة، والتي يمكن أن تساعد حقاً في التفاعل”. السبب وراء إعجابها بالصورة التي أرتدي بها فستاناً أخضر هو وجود “الكثير من الألوان، والصورة في النهار، في إطار جميل – وكلها سمات مميزة للقطة جميلة. أود أن أراكِ تستبدلين بصور مشابهة بعض صور السيلفي”.
وإن كنت أتحلى بالشجاعة الكافية للسماح للغرباء بتقييم صوري، فهي توصي بخدمات مثل “فوتوفيلير” “Photofeeler”، وهو موقع يمكنك من خلاله تحميل الصور والحصول على تعليقات حول أي منها أفضل (فكرة مرعبة إلى حد ما). تنصح كوين أيضاً بتجريب أشياء مختلفة وتغيير ترتيب صور الملف الشخصي بانتظام.
وتقترح لوغان يوري، مديرة علوم العلاقات في هينج، على المستخدمين “وضع الصور التي تظهر الوجه بوضوح، والجسم بالكامل، بينما تفعل شيئاً تحبه، وأنت مع الأصدقاء أو مع العائلة. لا تجعل من الصعب علينا رؤية شكلك من خلال استخدام الفلتر أو النظارات الشمسية أو صور مع الأشخاص الآخرين الذين يشبهونك”. القاعدة الذهبية، كما يقول خبير الإحصاءات العالمية للعلاقات في تندر، بول سي برونسون، هي وضع خمس صور في الأقل، فقد وجد بحث قامت بها شركة “بمبل” “Bumble” [إحدى تطبيقات المواعدة] أن الأشخاص في المملكة المتحدة الذين أضافوا ثلاث صور في الأقل إلى ملفاتهم الشخصية شهدوا وسطياً 79 في المئة مطابقات [مع أشخاص آخرين] أكثر من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك [إضافة ثلاث صور].
يعد اختيار صورة في ضوء النهار حيث يكون الشخص واضحاً في الإطار أفضل من صورة السيلفي
الكلمات حاسمة أيضاً. يقول يوري إنه يجب عليك اختيار عناوينك بعناية: “لا تعتمد على الإجابات المكونة من كلمة واحدة أو حسابك على موقع (إنستغرام). عليك بذل الجهد وتجنب الكليشيهات”. يؤدي ملء ملفك بصورة صحيحة إلى 40 في المئة من المطابقات الإضافية، وفقاً لبحث بمبل الحديث الذي ركز على المملكة المتحدة.
وكما وجدت، فإن المطابقة شيء واحد، والحصول على موعد هو شيء آخر. ما يحيرني حقاً هو جيوش الرجال الضائعين – أولئك الذين يرسلون رسائل بحماس، حتى إنهم يذهبون إلى حد اقتراح موعد، قبل أن يختفوا تماماً. ربما ماتوا فجأة وبصورة مأسوية، على ما أعتقد (في بعض الأحيان أفضل أن أصدق أن هذا ما حدث).
ويبدو أنني لست الوحيدة التي تعاني. قد أجد بعض العزاء في نتائج استطلاع مركز بيو للأبحاث لعام 2022، والذي وجد أن معظم العازبين واجهوا صعوبة في المواعدة بعد فترة الوباء، على رغم بقاء مستوى الاهتمام بالعثور على شريك جاد على حاله. وفي الوقت نفسه، يشعر أكثر من 90 في المئة من “جيل زد” [مواليد آخر التسعينيات والعقد الأول من الألفية الثانية] بالإحباط من تطبيقات المواعدة، وفقاً لوكالة أبحاث الشباب “سافانتا”.
تشرح سالي بيكر، المعالجة النفسية وخبيرة العلاقات أن “هناك عديداً من العوامل التي تسهم في زيادة صعوبة تحويل المطابقات إلى مواعيد حقيقية في الآونة الأخيرة. بالنسبة لعديد من العازبين، فإن توقعاتهم في شأن العثور على الحب عبر الإنترنت منخفضة جداً. لديهم ملفات شخصية على تطبيقات المواعدة عبر الإنترنت شبيهة إلى حد ما بعضوية نادي الرياضة – إنه شيء يفعله الجميع، لكن هذا لا يعني أنك تكرس أي وقت أو طاقة له أو تعتقد أنك ستنتهي في النهاية بالحصول على عضلات بطن”. لمجرد أن شخصاً ما يستخدم أحد التطبيقات، لا يعني بالضرورة أنه جاهز لمواعدة شخص ما، وهذا ما توافق عليه كوين قائلة: “الكثير من الأشخاص لا يخصصون بجد وقتاً ومساحة للمواعدة”.
“يمكن أن تصبح جرعة الدوبامين الناتجة من الاتصال الجديد إدماناً وتجعل اللقاء الفعلي وجهاً لوجه يبدو غير ضروري”
سالي بيكر
هناك اتجاه آخر آخذ في الارتفاع، وهو الأشخاص الذين يتواصلون عبر الإنترنت، ولكن نادراً ما يتجاوزون مرحلة المراسلة، بحسب ما ذكرت بيكر. وتقول “يبدو الأمر كما لو أن الاتصال يكفي في حد ذاته. إن موجة الاتصالات تكون مبهجة حتى تتلاشى حتماً ويتم استبدالها باندفاع الإثارة للاتصال التالي الجديد. إن جرعة الدوبامين الناتجة من الاتصال الجديد يمكن أن تصبح إدماناً وتجعل اللقاء الفعلي وجهاً لوجه يبدو غير ضروري”.
لتجنب هذا المصير المخيب للآمال، تقترح كوين تحديد موعد مبكر للقاء الفعلي. وتقول “إذا كنت غير واثق حول مقابلة شخص ما، فبدلاً من تأجيل الأمور، قم بترتيب مكالمة فيديو أو مكالمة هاتفية. إذا لم يتمكنوا من التزام ذلك، فقل شكراً وانتقل إلى اتصال محتمل آخر”.
إحدى الطرق لزيادة معدل نجاحك، على هينج في الأقل، هي استخدام صوتك. وجدت الأبحاث التي أجراها التطبيق في عام 2023 أن المحادثات التي تضمنت تسجيلات صوتية كانت أكثر احتمالية أن تؤدي إلى موعد فعلي بنسبة 48 في المئة. وفقاً لكوين، فإن الانفتاح العاطفي والاستعداد لإظهار شخصيتك في الرسائل يمكن أن يساعد. وتقول “إذا كانت لدينا نفس الأحاديث القديمة المليئة بالكليشيهات، فمن الصعب على كل منكما أن يدرك أن هناك إنساناً مختلفاً في النهاية”. كما أن الاستجابة في الوقت المناسب تساعد أيضاً، تقول كوين: “إذا انتظرت بضعة أيام قبل الرد، فإن الشخص الآخر يشعر بعدم الاهتمام. الزخم مهم”.
ولكن إذا وصلت إلى مرحلة الإرهاق من استخدام التطبيقات، ففكر في التوقف عن استخدامها موقتاً وتجربة بديل في العالم الحقيقي. يعد تجمع “ضجرون من تطبيقات المواعدة” Bored of Dating Apps” (BODA)” أحد هذه النماذج. أنشأتها جيس إيفانز في عام 2021 بعد انتهاء علاقتها ونفورها اللاحق من عملية “الاستنزاف العقلي” نتيجة العودة للرومانسية عبر الإنترنت، تنظم BODA لقاءات وفعاليات اجتماعية فعلية [وجهاً لوجه]، حيث يمكن للعازبين أن يلتقوا ببعضهم بعضاً. وازدادت شعبيتها بصورة كبيرة على مدى الأشهر الـ18 الماضية – وهو أمر ليس مفاجئاً نظراً إلى أنه في استطلاع شمل 12 ألف عازب، وجدت BODA أن 91 في المئة من الأشخاص قالوا إنهم يفضلون الالتقاء خارج الإنترنت بدلاً من عبر الإنترنت، ثم هناك “ثيرسداي” “Thursday” [يوم الخميس]: تطبيق مواعدة يعمل مرة واحدة فقط في الأسبوع لمدة 24 ساعة، والذي يقيم أيضاً مناسبات فعلية للعازبين في حانات في المدن حول العالم كل ليلة خميس.
صور المطابقات شيء، والذهاب لموعد فعلي شيء آخر تماماً
ولكن من الواضح أن التطبيقات لا تزال صالحة بالنسبة لكثير منا – على رغم صعوبة الأمر في بعض الأحيان. التقى نحو 37 في المئة من جيل الألفية [الأشخاص الذين ولدوا ما بين عامي 1981 و1996] بشريك رومانسي عبر تطبيق أو موقع مواعدة، بحسب تقرير المواعدة والعلاقات الصادر عن “واي-بالس” “YPulse” لشهر فبراير (شباط) 2023. ويقول متحدث باسم شركة “ماتش غروب” “Match Group” [مجموعة المطابقة]، التي تمتلك أكبر مجموعة عالمية من خدمات المواعدة الشهيرة عبر الإنترنت، بما في ذلك تندر، هينج، و”ماتش دوت كوم” “Match.com”: “نحن نعلم أن المواعدة يمكن أن تكون صعبة. لقد كانت دائماً أمراً يحمل الإيجابيات والسلبيات بالنسبة للعازبين، ولكننا ركزنا دائماً على محاولة تسهيل التواصل بين العازبين، وسنواصل ابتكار وتحسين منتجاتنا لجعل الناس يحصلون على مواعيد أفضل”.
وكما تقول بيكر: “إن فائدة المواعدة عبر الإنترنت هي إمكانية مقابلة شخص مميز لم تكن لتقابله في حياتك اليومية”. أما نصيحتها الأخيرة، فإن عليك أن تصدق أن هناك أشخاصاً طيبين يريدون مقابلتك تماماً كما تريد مقابلتهم. وتقول “لن يتمكنوا من العثور عليك إذا كنت مختبئاً في المنزل ولا تخرج أبداً. كونوا منفتحين وشجعان، كلما تقبلت حياتك أكثر، كلما جذبت الشخص المناسب إليك أكثر”.
أما بالنسبة لي، لا يزال لديَّ بصيص من الأمل عندما يتعلق الأمر بالتطبيقات. يبدو أنني ربما ضمنت للتو موعدي الثالث وجهاً لوجه، الوقت سيكشف [مدى صحة] ذلك. ولكن إذا وضع يده على ركبتي، وحدق بعمق في عيني، وقال “أعتقد أن كلينا يعرف سبب وجودنا هنا” – فسأنسحب [من التطبيقات].