حرية – (5/3/2024)
تشكل فئة الدم مفتاحاً يقودنا إلى فهم أسرار الصحة والمرض وطول العمر والحيوية الجسدية والقدرة على السيطرة على الانفعالات العاطفية، إذ تحدد فئة دمك أي أمراض أنت معرّض للإصابة بها، وأي طعام عليك أن تأكله، وأي نشاط رياضي ينبغي أن تمارسه، كما أن فئة الدم أحد العوامل الضابطة لمستوى طاقتك ولفعالية عملية حرق السعرات الحرارية التي تستهلكها، ولرد فعلك الانفعالي في مواجهة الضغط النفسي، وربما تلعب أيضاً دوراً في تحديد شخصيتك. لذلك فقد وصل العلم لمعرفة كيفية استخدام فئة الدم كبصمة خلوية تكشف أسراراً كبيرة تحيط بعملية السعي إلى بلوغ الصحة والعافية، وأول خطوة هي الأنظمة الغذائية التي انتشرت بكثرة، لكن الكشف أن فئة دم كل إنسان تحدد نظاماً خاصاً بها.
“هي بصمتنا الوراثية القوية التي تحدد هويتنا تماماً كالحمض النووي”
فتح جديد
ورائد هذا المسار الدكتور جيمس دادامو الذي لاحظ، أثناء عمله، أن هناك بعض المرضى لم تتحسن حالتهم، ومنهم تراجعت حين أخضعوا لنظام غذائي نباتي صارم، وبما أن الدكتور كان يتمتع بقدرة عالية على التحليل والاستنتاج، فرأى أنه لا بدّ من وجود معلومات أولية يستطيع أن يستخدمها لتحديد الفرق بين حاجات مرضاه الغذائية، وقد توصل إلى الافتراض أن إحدى خصائص الدم لا بدّ أن تساعد على تحديد هذه الفروقات، إذ إن الدم يزود الجسم بالغذاء بشكل أساسي.
وعليه، فقد أخضع نظريته للتجربة، فراح يحدد فئة دم مرضاه ويراقب رد فعل كل منهم على الأنظمة الغذائية المختلفة، ومع مرور السنين بدأ طرف الخيط يظهر له، بعد تجارب أجراها مع عدد لا يحصى من المرضى، وقد كان أساس عمله منطلقاً من القول الشائع “غذاء إنسان ما قد يكون سماً لإنسانٍ آخر”.
“نظام الفئة B يتضمن أفضل ما في عالم الحيوان وأفضل ما في عالم النبات، فهي فئة التوازن بين فئة O وA”
وجاءت ملاحظاته لتصنع فتحاً جديداً في عالم الغذاء، إذ لم يتجاوب المرضى الذين يحملون فئة الدم A مع الأنظمة الغذائية الغنية بالبروتينات التي تحتوي حصصاً سخية من اللحوم، إنما أحرز هؤلاء تقدماً ملحوظاً حين اتبعوا نظاماً غذائياً يعتمد على البروتينات النباتية، وعندما طلب منهم أن يزيدوا نشاطهم ويكثفوا تمارينهم الرياضية، غالباً ما شعروا بالإعياء والتوعك أثناء التمارين وبعدها، إلا أن التمارين الخفيفة كاليوغا أشعرتهم بالنشاط والحيوية.
أما الأشخاص الذين يحملون فئة الدم O فكان النظام الغذائي المعتمد على كمية كبيرة من البروتينات مناسباً جداً لهم، الأمر الذي ساعدهم على القيام بنشاط رياضي مكثف منحهم القوة والنشاط كالمشي السريع والأيروبيك.
بصمة وراثية وسلالية
وتابع مسيرة الدكتور جيمس ابنه بيتر، فأراد التأكد من مصداقية والده العلمية وقال “في البداية شككت بإمكانية أن أجد أساساً علمياً لنظرية والدي، لأنه اعتمد في كتابه على انطباعاته الشخصية حول فئات الدم أكثر منه على طرق تقويم موضوعية، لكن ما اكتشفته أذهلني حقاً”.
وهذا ما دفعه بعد تجارب متعدد لإصدار كتاب “4 فئات دم 4 أنظمة غذائية”، إذ أكد “أن فئة الدم سواء أكانت A أو O أو B أو AB هي بصمتكم الوراثية القوية التي تحدد هويتكم تماماً كالحمض النووي DNA، كما تحدد العرق الذي تنتمون له والمنطقة الجغرافية التي تعيشون فيها”، وهذا ما يتفق معه محمد رياض في كتابه “الإنسان” حين يتحدث عن السلالات “تمثل فصائل الدم أهمية خاصة في عالم تعيين السلالات والأجناس”، فيحدد المنطقة الجغرافية لبعضها، فأعلى نسبة لفصيلة A توجد في أستراليا بين الأستراليين الأصليين، وفصيلة B تكثر في آسيا، أما فصيلة O فترتفع في شمال غربي أوروبا ومناطق البحر المتوسط، وهنا أضاف رياض “هذه الفصائل لا تميز مجموعات سلالية معينة، إنما تشترك السلالات في وجودها بنسب مختلفة ما لا يعطي فصائل الدم التمييز السلالي”.
لكن الدكتور بيتر دادامو يفصل بطريقة أوضح فيقول، في هذا السياق، “يمكن أن نفهم أهمية فئة الدم من خلال تاريخ التطور البشري، فالفئة O هي الأكثر قدماً، والفئة A ظهرت عندما بدأ الإنسان يمارس الزراعة، أما الفئة B فبرزت مع خروج بعض الناس إلى الشمال بمناخه البارد وأراضيه الوعرة، وأخيراً بانت الفئة AB كظاهرة تأقلم حديثة ونتيجة اختلاط مجموعات بشرية مختلفة”.
نظاما O وB
وبالعودة إلى الأنظمة الغذائية الخاصة بكل فئة، فقد تربعت فئة الدم O على العرش باعتبارها أقدم فئة والأساس الأول للفئات الأخرى إذ تعتبر اختصار لكلمة Old، فقد كانت البشرية في بدايتها تحمل هذه الفئة، وحتى اللحظة ما زالت مستمرة وبأعلى نسبة 47 في المئة في العالم.
أما النظام الغذائي الأمثل لهذه الفئة فهو الذي يعتمد على البروتينات الحيوانية وبخاصة اللحوم الحمراء الخالية من الدهون والدواجن والأسماك التي لم تستخدم في تربيتها مواد كيماوية، كما تعتبر الزيوت مفيدة جداً لهذه الفئة، فهي تساعد على التخلص من الفضلات السامة التي تترسب في الجسم وبخاصة تلك الأحادية غير المشبعة كزيت الزيتون وبذور الكتان، وتحتاج هذه الفئة لتمارين رياضية شديدة ومكثفة وتمر بثلاث مراحل تمارين التحمية وتلك التمارين الفعلية وثم الاسترخاء.
أما فصيلة الدم A فظهرت مع حقبة الزراعة إذ أدى التغير الجذري في النظام الغذائي والظروف البيئية إلى تحول جديد في الجهاز الهضمي، وهو تحول سمح بأن يتناول إنسان العصر الحجري الحديث الحبوب والمنتجات الزراعية الأخرى، وبأن يأخذ جسمه منها ما يحتاجه من عناصر غذائية وهكذا نشأت هذه الفئة.
وتعتبر الحنطة القمح عنصراً وسيطاً في النظام الغذائي الخاص بهذه الفئة، ويستطيع أصحابها أن يأكلوا القمح ومشتقاته ولكن باعتدال لئلا ترفع نسبة الحوامض في نسيج عضلاتهم، ولا تستطيع الفئة حرق الطاقة بسرعة ما يؤدي إلى إعاقة عملية حرق السعرات، كما يجد أصحاب هذه الفئة صعوبة في هضم الحليب ومشتقاته، لذلك ينصحون بالتقليل منها جداً، وتعد أفضل أنواع الرياضات للفئة A التي تنشط من دون أن ترهق مثل المشي واليوغا والسباحة.
نظاما B وAB
إن أول من حمل فصيلة الدم B هم سكان الهند أو منطقة جبال الأورال الآسيوية، وهم خليط من القوقازيين والقبائل المغولية، وعنها يقول الدكتور بيتر “إن الفئة B تمثل نسخة معقدة ومحسنة من فئات الدم في رحلة تطور الجنس البشري، وتمثل جهداً في محاولة الجمع بين شعوب وثقافات متباينة”، وعن النظام الغذائي الخاص بها يقول والده جيمس “إن نظام الفئةB يتضمن أفضل ما في عالم الحيوان وأفضل ما في عالم النبات، فهي فئة التوازن بين فئة O وA”.
وتعد الخضار واللحوم والحليب ومشتقاته من المأكولات المفيدة لهذه الفئة، بينما يبطئ القمح عملية الهضم والأيض ويؤدي إلى تخزين الغذاء في الجسم على شكل دهون، ومثله العدس والفول السوداني والذرة، كما ينصح أصحاب هذه الفئة بممارسة الرياضة المعتدلة التي يشارك فيها أشخاص آخرون كالمشي الجماعي والدراجة الهوائية وكرة المضرب.
وأخيراً فئة الدم AB فهي بحسب الدكتور بيتر “حصيلة اندماج نادر ما بينA المتسامحة المتساهلة، وB الأكثر توازناً على رغم أنها كانت بربرية الأصل”، إذ تعتبر نادرة الوجود فقط أربعة في المئة من سكان العالم يحملونها.
وفي المبدأ، تعتبر الأطعمة المضرة بالفئة A وB ضارة لهم، ولكن مع بعض الاستثناءات، فيستطيعون أكل الطماطم من دون المعاناة من تأثير سلبي كالفئتين منفردتين، كما تعاني هذه الفئة من نقص أحماض المعدة على رغم أنها أخذت عن B تأقلمها مع تناول اللحوم إلا أنها تفتقر للأحماض الضرورية لأيض اللحوم بشكل فعال، وبالتالي تتراكم في أجسامهم على شكل دهون، ومن الأغذية المفيدة لهم ثمار البحر والخضراوات والألبان والأجبان إضافة للأناناس الذي يسهّل عملية الهضم لديهم.
أما بالنسبة للتمارين الرياضية، فتزيد الـ “تاي تشي” (رياضة صينية) ليونة حركة الجسم، وتعتبر اليوغا مفيدة جداً لهذه الفئة، فهي تجمع ما بين الصفاء الداخلي والسيطرة على عملية التنفس ووضعيات الجسم ما يساعد على التركيز.