حرية – (19/3/2024)
لشهر رمضان في تونس خصوصية ونكهة خاصة، إذ تنشط الفعاليات الثقافية بالتزامن مع الأجواء الصوفية الرمضانية. وهذا العام وضعت وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية في تونس، بالتنسيق مع وزارة الشؤون الثقافية التونسية والمعهد الوطني للتراث، برمجة استثنائية لحركية ثقافية في البلاد تشمل المعالم والمواقع والمتاحف، على أن تكون النشاطات ليلاً، أي بعد الإفطار، إذ يخرج أغلب التونسيين إلى المساجد والمقاهي والمحال التجارية التي تفتح أبوابها فتعم المدن حركية لافتة واستثنائية تتواصل إلى مطلع الفجر.
ويتضمّن البرنامج الثقافي الرمضاني للوكالة تظاهرة “مسامرات تراثية”، وهي ندوات تعنى بالتعريف بالتراث التونسي وبأهميته كأحد عناوين الهوية، وبأهمية الحفاظ عليه والعناية به وتطويره وتثمينه، و”ليلة المتاحف التونسية” التي سيتم فيها فتح 16 متحفاً موزّعة على مختلف ربوع البلاد، وهي المتحف الوطني في باردو والمتحف الأثري في نابل والمتحف الأثري في كركوان والمتحف الأثري في سوسة ومتحف النفيضة ومتحف الزعيم الحبيب بورقيبة في المنستير ومتحف رباط المنستير ومتحف المهدية والمتحف الأثري في الجم ومتحف المكنين ومتحف العمارة التقليديّة في قصبة صفاقس ومتحف سيدي عمر عبادة في القيروان والمتحف الوطني للفنون الإسلامية في رقّادة القيروان والمتحف الأثري في سبيطلة ومتحف جربة للتراث التقليدي ومتحف الصحراء في دوز.
متحف سوسة الأثري
وخصصت “ليلة المتاحف” لفتح أبواب المتاحف لتقديم تاريخ مدينة تونس ومعالمها، المدينة العتيقة الغنية بالمعالم والآثار والتحف الفنية والمعمارية، والغنية بالحكايات والأساطير العجيبة، والمصنفة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. كما سيتم فتح مركز تقديم التراث الثقافي لمدينة تستور، وهي إحدى أهم المدن التونسية التي استوطنها الأندلسيون المسلمون الذين تم اضطهادهم على أيدي الإسبان ومحاكم التفتيش الإسبانية وتهجيرهم من إسبانيا بعد أفول عصر الإسلام في شبه الجزيرة الإيبيرية، وتعرف هذه المدينة اليوم بفن المالوف الأندلسي الذي حافظ عليه أحفاد اللاجئين الأوائل.
وتحتضن المسامرات الرمضانية فضاءات تتلاءم مع الحدث، على غرار مركز تقديم تاريخ مدينة تونس الذي يقدم محاضرة بعنوان “البايات الحسينيون: رحلة البحث عن الخلود”، ومحاضرة ثانية بعنوان “خصوصية تربة الباي”، وكذلك المتحف الأثري في سبيطلة الذي يحتضن محاضرة بعنوان “ثقافة الرّعاة في جهة السّباسب العليا من خلال التّراث الشّفوي”، والمتحف الأثري في المهدية الذي ينظم محاضرة حول التّاريخ الفاطمي لمدينة المهدية، ومتحف الصحراء في دوز الذي يعرض محاضرة بعنوان “سفينة الصحراء في متحف دوز”، بالإضافة إلى المتحف الأثري في أوتيك، المدينة الأثرية الفينيقية، الذي يقدم عدداً من الأنشطة ذات الصلة بشهر رمضان، والمتحف الأثنوغرافي في المكنين، في جهة الساحل التونسي، الذي سيكون لزواره موعد حول خصوصية الموروث الغذائي في الجهة، والمتحف الأثري في كسرى في الشمال الغربي التونسي الذي سيحتضن أمسية شعرية.
احياء التراث التونسي
وفي هذا الإطار ترى الإعلامية التونسية المتخصصة في الشأن الثقافي والسياحي مني بن قمرة، في حديث إلى “النهار العربي”، أن “استغلال شهر رمضان لإحياء التراث التونسي ومزيد التعريف به لمختلف الأجيال أمر محمود ويستحق كل الدعم”. فالتراث التونسي يتعرض في السنوات الأخيرة، بحسب بن قمرة، إلى “عملية سطو غير مسبوقة من بعض بلدان المنطقة استغلالاً لحالة الوهن الاستثنائية التي تمر بها تونس، وذلك بغية كتابة تاريخ جديد للمنطقة يلغي الدور التاريخي والحضاري الذي عرفت به الخضراء في منطقتها وللاستيلاء على قدرتها على الاستقطاب السياحي من خلال تراثها المادي واللامادي”.
وتضيف أن “زيارة المتاحف والمناطق الأثرية ليلاً تعطي إحساساً غريباً بالانتماء، ويقرب المرء أكثر من الأسلاف ممن استوطنوا هذه الأرض التونسية وعمروها وأنشأوا فيها أهم الحضارات التي عرفتها الإنسانية، على غرار الحضارات القبصية والقرطاجية والنوميدية والإسلامية وغيرها. لذلك فإن فتح المتاحف التونسية في شهر رمضان ليلاً، والذي دأبت عليه وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية منذ سنة 2022، يجب ألا ينقطع تحت أي ذريعة، بخاصة أن التظاهرة نجحت سابقاً في استقطاب التونسيين وصالحتهم مع تاريخهم وتراثهم المادي واللامادي”.
على مدار العام
أما الناشط في المجتمع المدني في مجال صيانة التراث وحفظه سليم الشاهد فيرى، في حديث إلى “النهار العربي”، أن ما تقوم به وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية بالشراكة مع المعهد الوطني للتراث في التعريف بالتراث الثقافي المادي وغير المادي وبعادات التونسيين المتوارثة جيلاً بعد جيل، سواء من خلال المحاضرات والحوارات الثقافية أو من خلال فتح المتاحف للعموم أمر جيد، لكنه غير كاف. ويتساءل الشاهد: “لماذا لا تتواصل هذه الأنشطة الثقافية على مدار العام وليس فقط خلال شهر رمضان، بخاصة أن التراث التونسي يتعرض إلى عملية سطو في الويكيبيديا وفي مواقع التواصل أمام مرأى ومسمع من الجهات الرسمية؟”.
ويضيف أن “المتاحف يجب أن تبقى مفتوحة على مدار العام، ويجب تشجيع عموم التونسيين من مختلف الأعمار على زيارتها لأن الكل معنيون بحماية الهوية التونسية التي تتعرض للاستهداف. وعلى الجهات الرسمية، إضافة إلى ما يتم إنجازه، أن تقوم بندوات توعوية بشأن مخاطر السطو على التراث التونسي وبتدريب متخصصين لتعديل التزييف الذي يحصل في الفضاءات الافتراضية، ومنها الويكيبيديا، والذي ينسب تاريخ تونس وتراثها إلى الآخرين”.