حرية – (25/3/2024)
أحد أندر الاضطرابات العصبية التي عرفها البشر، كشفت عنه دراسة بحثية منشورة في دورية “ذا لانسيت” The Lancet الطبية المرموقة، وهي “تشوه المرئيات الوجهي” (prosopometamorphopsia)، بعدما أصيب به الأمريكي “فيكتور شاراه”، وصار يرى من حوله بطريقة مشوهة، وفق صحيفة The Times البريطانية.استيقظ شاراه في صباح أحد أيام نوفمبر قبل 3 سنوات، فزع لرؤية زميله بالسكن، فقد بدا له أن أجزاء وجه زميله قد تمددت وتشوهت وتغيرت ملامحها حتى صار كأنه يحمل “وجه شيطان”، حيث انتفخ وجه الرجل، وتدلَّت عيناه إلى الخارج، واتسعت فتحتا منخاره، وطالت أذناه كالعفاريت، وتجعدت جبهته وخدَّاه وذقنه بأخاديد عميقة ممتدة.
“وجوه كل من يراهم مشوهة”
اعتقد الأمريكي الذي يبلغ من العمر 59 عامًا، وكان يعمل سائق شاحنة، أن مسًّا ما قد أصاب زميله، لكنه ما لبث أن غادر المنزل فوجد “وجوه كل من يراهم مشوهة”.
كشفت الدراسة أن هذا الاضطراب يصيب منطقة الدماغ التي تتحكم في التعرف على الوجه، والتي تسمى منطقة “باحة الوجه المغزلي” (FFA)، وتُضعف الإصابة في هذه المنطقة قدرة الأشخاص على التعرف على الوجوه المألوفة، فيما يُعرف باسم “عمى الوجوه”، أما اضطراب تشوه المرئيات الوجهي فيجعل الوجوه تبدو مشوهة للمصابين به.
وربما ينجم هذا الاضطراب عن إصابة في الرأس، أو السكتات الدماغية، أو تفاقم الصداع النصفي أو الصرع.
معظم حالات الإصابة مؤقتة
من جانبهم، قال خبراء في كلية دارتموث البريطانية: “لحسن الحظ أن معظم حالات الإصابة بهذا الاضطراب لا تستمر إلا بضعة أيام أو أسابيع، ولكن قلة منها تظل ترى الوجوه من حولها مشوهة لسنوات”.
وفي السياق، قال الدكتور براد دوشين، الخبير العالمي الرائد في علاج هذا الاضطراب: إن حالة شاراه فريدة من نوعها من جهةِ أن الوجوه تبدو له طبيعية على شاشة التلفزيون وفي الصور الفوتوغرافية، ولا تبدو مشوهة إلا عند الرؤية المباشرة.
سمح هذا للباحثين التعاون مع شاراه لكي يساعدهم في تبيُّن معالم الصور المشوهة التي تظهر للمصابين باضطراب تشوه المرئيات الوجهي.
الوجوه تبدو مفزعة أكثر
وعلى الرغم من ذلك، قال شاراه: إن الصور الثابتة ثنائية الأبعاد، لا تحمل سوى جزء من الرعب الذي يتعرض له، إذ عندما تتحرك الوجوه المشوهة وتتحدث وتشير مثلًا، “فإن الوجوه تبدو مفزعة أكثر بكثير من هيئتها في الصور” التي ساعد الباحثين في رسمها.
وأشار شاراه إلى أنه قادر على العمل، لكنه عاطل الآن؛ لأنه يوشك على إجراء عملية جراحية في الكتف، وقد أظهرت الاختبارات أن وظائفه الإدراكية طبيعية، لكن الفحوص كشفت عن وجود كيس يبلغ طوله 1 سم في الجزء الأيسر من منطقة الحصين في دماغه.
في غضون ذلك، أشار العلماء إلى أن تشوهات الرؤية في اضطراب شاراه “لم تصاحبها معتقدات وهمية بشأن هوية الأشخاص الذين يلتقيهم في العادة، مثل عائلته أو أصدقائه. وقد أزعجته بشدة في البداية، لكنه اعتاد الأمر بعد ذلك”.
تشوهات الهلوسة في الرؤية
فيما أكد الدكتور نعوم ساجيف، الخبير في جامعة برونيل البريطانية، أن الإصابة في “باحة الوجه المغزلي” أو تعرض الأعصاب المؤدية إليه من العين للتلف أو الضغط الشديد، قد تؤدي إلى تشوهات الهلوسة في الرؤية، وربما “استخف الأطباء كثيرًا” بمدى انتشار تشوه المرئيات الوجهي.