حرية – (25/4/2024)
في عام 2010 قررت لجنة شؤون الإعلام التابعة للأمم المتحدة تخصيص يوم الـ23 من أبريل (نيسان) من كل سنة يوماً للاحتفاء باللغة الإنجليزية.
اختير هذا التاريخ لأنه يتزامن مع يوم وفاة الشاعر والمسرحي الإنجليزي الكبير وليام شكسبير (وهناك اختلاف حول ما إذا كان قد ولد في اليوم عينه أم في الـ26 من أبريل).
وتعد الإنجليزية إحدى اللغات الست الرسمية للأمم المتحدة، التي تضم أيضاً العربية والصينية والفرنسية والروسية والإسبانية.
وعلى رغم أن الإنجليزية تحتل المركز الثالث في العالم بعد الصينية والإسبانية من ناحية عدد الناطقين بها كلغة أولى، ويصل عددهم إلى 360 مليون إنسان، فإنها تعتبر وبلا منازع اللغة الأكثر انتشاراً في يومنا هذا كلغة ثانية واللغة الأكثر تأثيراً عالمياً.
ما الإنجليزية؟
اللغة الإنجليزية هي لغة جرمانية غربية تطورت في المملكة المتحدة، وهي اللغة الرئيسة في إنجلترا. تعتبر جزءاً مهماً من اللغات الجرمانية الغربية التي تشمل أيضاً الألمانية والهولندية والفريزية.
نشأت اللغة الإنجليزية الحالية من اللغة الإنجليزية القديمة التي كانت متحدثة في إنجلترا خلال الفترة ما بين القرنين الخامس والـ11 الميلاديين، لكن أصولها مرتبطة باللغات المحكية بين كل من أوروبا والهند، ويعتقد أن أول ظهور للإنجليزية القديمة كان بين القبائل المتجولة التي تنقلت في جنوب شرقي أوروبا قبل قرابة 5 آلاف عام. وتعد اللغات الألمانية والهولندية الأقرب إلى “الإنجليزية” واللغة الأيسلندية الأكثر شبهاً بالإنجليزية القديمة.
استقت الإنجليزية مفرداتها من مصادر متعددة، بما في ذلك اللغات الجرمانية الأخرى، وتأثرت باللغات اللاتينية واليونانية بخاصة في عصر النهضة، وبالإسكندنافية التي كان تأثيرها واضحاً في النحو والمعاجم.
1500 عام من التطور
خلال العصور الوسطى، تأثرت الإنجليزية بغزوين، الأول من الجرمانيين الشماليين والثاني من النورمان. أدى هذا الغزو الأخير الذي وقع عام 1066 إلى جلب عديد من الكلمات والتعابير الفرنسية وإلى إحداث تغييرات لغوية كبيرة.
ويمكن تقسيم تاريخ اللغة الإنجليزية إلى إنجليزية قديمة تميزت بتنوع لهجاتها، مع سيطرة لهجة غرب ساكسون وكانت تكتب بصورة تجعلها غير مفهومة للقارئ الحديث، وتأثرت بالفريزية والجرمانية القديمة وظلت مستمرة حتى منتصف القرن الـ11، ثم إنجليزية متوسطة حتى أواخر القرن الـ15، وإنجليزية حديثة مبكرة حتى أواخر القرن الـ17، وإنجليزية حديثة منذ أواخر القرن الـ17 حتى الآن.
شكسبير أضاء على عصرنا وحداثتنا
تطورت الإنجليزية القديمة إلى لغة أدبية بحلول القرن الـ13، ومع مرور الزمن تأثرت الإنجليزية بعوامل عديدة، بما في ذلك التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما تأثرت بالتطورات التكنولوجية والعلمية والعلاقات الدولية. أدى هذا التطور المستمر إلى تشكيل مجموعة متنوعة من اللهجات واللكنات والأساليب اللغوية في أجزاء العالم المختلفة حيث تستخدم الإنجليزية.
قد تختلف الإنجليزية بحسب الإقليم والثقافة والتاريخ، فهناك لهجات متنوعة مثل الأميركية والبريطانية والأسترالية والكندية والهندية والجنوب أفريقية، وغيرها. وتتباين هذه اللهجات في طريقة النطق والمفردات والقواعد اللغوية وتهجئة بعض الكلمات، وتعكس التنوع الثقافي والتاريخي للمجتمعات التي تستخدم الإنجليزية كلغة رئيسة.
خصائص فريدة
تمتاز الإنجليزية بخصائص عدة أبرزها احتواؤها على مجموعة واسعة ومتنوعة من المفردات، إذ تمتزج فيها كلمات من مصادر عربية ولاتينية وفرنسية وغيرها من اللغات الأخرى، مما يجعلها غنية ومتنوعة، وتمكن المتحدثون بها من التعبير بوضوح عن مفاهيم مختلفة. وتعتبر الإنجليزية لغة بسيطة في البنية النحوية مقارنة ببعض اللغات الأخرى، وتتفرد في قدرتها على ابتكار مفردات جديدة تتماشى مع التطور التقني والتغير المستمر.
كذلك يجعل النطق المتحدر من مصادر عدة والمتقلب أحياناً من منطقة إلى أخرى تعلم الإنجليزية صعباً بالنسبة إلى المتعلمين الجدد نظراً إلى صعوبة التمييز بين الصوتيات والأصوات.
تتسم الإنجليزية بالمرونة في التعبير والتنوع في بناء الجملة، ويمكن تركيب الجمل بطرق مختلفة للتعبير عن المعنى نفسه، لكن قواعدها قد تكون معقدة في بعض الأحيان، ولعل أكثر جانب محير بالنسبة إلى الذين يتعلمونها كلغة ثانية هو غياب التأنيث والتذكير كما هي الحال في اللغات التي تميز بين الجنسين، ويقتصر الأمر على استخدام ضميري هو “He” وهي “She” للدلالة على الجنس.
كما يوجد في الإنجليزية نظام زمني معقد يتضمن عدة أزمنة مختلفة، مثل المضارع البسيط، والماضي البسيط، والمضارع المستمر، والماضي المستمر، وغيرها، مما يتيح للمتحدثين التعبير عن الزمن والتباين بين الأحداث بصورة دقيقة جداً.
كذلك تمتاز الإنجليزية بإمكانية استخدامها في سياقات مختلفة، سواء كانت رسمية أو غير رسمية، وتجعلها هذه المرونة لغة عالمية تستخدم في مجالات عديدة مثل الأعمال والعلوم والأدب والسياسة.
وتعتبر الإنجليزية واحدة من أكثر اللغات شعرية وتعبيراً، ويمكن رؤية ذلك من خلال الشعر والأدب الإنجليزي العظيم الذي أنتجته الثقافة الإنجليزية على مر العصور. كذلك تستخدم الإنجليزية كلغة أدبية في الروايات والشعر والمسرحيات والقصص القصيرة والمقالات وغيرها في جميع أنحاء العالم، وقد أدى هذا إلى الإسهام في تطورها وغناها.
هؤلاء زادوا الإنجليزية ثراءً
هناك أسماء عديدة أثرت بصورة كبيرة في تطوير اللغة الإنجليزية وجعلها كما هي عليه اليوم. أبرز هؤلاء ويليام شكسبير الذي يعتبر أحد أبرز الكتاب والمسرحيين في التاريخ والذي قدم أعماله الأدبية الكلاسيكية مثل “هاملت” و”روميو وجولييت” و”مكبث” التي تعتبر من أعظم الإنجازات الأدبية في اللغة الإنجليزية.
فإسهامات شكسبير في مجال الأدب واللغة كبيرة جداً، وأثرت أعماله في تثبيت وتطوير القواعد النحوية والمفردات الإنجليزية. وينسب الفضل له في إضافة 1700 كلمة جديدة ومفردة إلى اللغة الإنجليزية، ويقدر البعض أن هذا العدد يتجاوز الـ3600 كلمة.
على الصعيد الشعري، يعد جيفري تشوسر الأب الروحي للشعر الإنجليزي الكلاسيكي، وهو مؤلف كتاب “قصص كانتبري” الذي يصنف كأحد أهم الأعمال الأدبية في اللغة الإنجليزية. وأسهم في تطوير الشعر والأدب الإنجليزي وفي إثراء المفردات والتعابير.
بدوره أسهم الباحث في اللغة الإنجليزية واللغويات التطبيقية جيفري كي بولام في إثراء الإنجليزية بفضل دراساته العديدة حول قواعد اللغة وتاريخها واستخداماتها الحديثة.
يعتبر نعوم تشومسكي، اللغوي والفيلسوف والناشط السياسي واحداً من أبرز الشخصيات في مجال علم اللغة الحديث، قدم نظرية النحو العام والنظرية النحوية الأحادية، وهي نظرية تقترح أن اللغة البشرية تحتوي على هيكل قواعدي أساس مشترك يتحكم في إنتاج جمل اللغات المختلفة.
يعد إسهام هؤلاء الأشخاص وغيرهم مهماً لأنه يبدو جلياً في إثراء المفردات وتطويرها لتشمل مفاهيم جديدة ومتطلبات العصر، وتطوير قواعد النحو والصرف لتلبية حاجات التعبير الأدبي والعلمي والعام، وتحفيز الإبداع والابتكار في استخدام اللغة وفي تطوير أساليب الكتابة والتعبير، وترسيخ مكانة اللغة الإنجليزية كلغة أدبية عالمية والمساهمة في تعزيز تبادل الثقافات والتواصل بين الشعوب.
المعاجم… حافظة اللغة
تلعب المعاجم دوراً في غاية الأهمية لأنها توفر دليلاً شاملاً للمفردات والتعابير في اللغة، وتساعد في فهم المعاني والاستخدامات الصحيحة للكلمات، كما أنها توفر معلومات إضافية مثل طريقة النطق والمرادفات والأمثلة الاستخدامية، مما يجعلها أداة لا غنى عنها في التواصل والتعلم والبحث.
وجرى تطوير أول معجم إنجليزي في القرن الـ16، وهو معجم “الجدول الأبجدي” A Table Alphabeticall الذي وضعه روبرت كودري عام 1604. واعتبر المعجم الأول من نوعه في اللغة الإنجليزية.
أما أقدم معجم إنجليزي كامل معروف فهو “معجم اللغة الإنجليزية” لصموئيل جونسون، الذي نشر لأول مرة في عام 1755 في بريطانيا. وجاء أول معجم في الولايات المتحدة عام 1828 بعنوان “معجم ميريام ويبستر” ولا يزال مستخدماً على نطاق واسع حتى يومنا هذا.
من بعد ذلك، تطورت المعاجم بصورة كبيرة، وظهرت معاجم مهمة عديدة أسهمت في توثيق اللغة الإنجليزية وتطويرها. ومن بين المعاجم الأكثر شهرة وأهمية: معجم أكسفورد الإنجليزي الذي يعد أحد أكثر المعاجم انتشاراً واستخداماً في العالم، ومرجعاً مهماً لفهم المعاني والاستخدامات اللغوية. بدأ العمل على تطويره عام 1857 لكن نشره لم يبدأ إلا في عام 1884 وكان يحمل اسم “قاموس إنجليزي جديد حول المبادئ التاريخية”.
اكتسب اسمه المعروف حالياً في عام 1928 عندما نشرت أول نسخة مكتملة منه. لم يأت منافس قوي جديد إلا في عام 1995 عندما صدرت النسخة الأولى من معجم كامبريدج الذي طورته مجموعة من اللغويين والمحررين في جامعة كامبريدج، ويحظى بشعبية كبيرة في التعليم والبحث العلمي ويخضع لتطوير وتحديث بصورة دورية لتوفير تعريفات أكثر دقة وشمولية، ولتضمين المصطلحات والمفردات الجديدة.
لغة العصر
عندما توصف لغة ما بأنها لغة العصر يعني هذا أنها تحظى بانتشار واسع وتأثير قوي في فترة زمنية معينة، وتكون لغة التواصل الرئيسة في مجالات متعددة مثل التكنولوجيا والعلم والأعمال والثقافة.
في الوقت الحالي، تعتبر الإنجليزية لغة العصر نظراً إلى انتشارها العالمي، حيث يتحدث مئات الملايين من الناس حول العالم بها كلغة ثانية أو لغة تواصل، وهذا يجعلها لغة التواصل الدولي الأكثر شيوعاً، كما أنها لغة رسمية في 67 دولة حول العالم، ومن بين أشهر هذه الدول الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا وجامايكا وسنغافورة والهند والفيليبين، وغيرها الكثير.
ينعكس حضور اللغة الإنجليزية على نطاق واسع في الحياة اليومية في هذه البلدان، سواء في الحكومة أو التعليم والأعمال التجارية ووسائل الإعلام والثقافة الشعبية.
تعتبر الإنجليزية لغة الإنترنت، إذ تستخدم في معظم المواقع والخدمات الرقمية على الشبكة العنكبوتية مما يعزز تأثيرها وانتشارها.
متجر متخصص في النصوص باللغة الإنجليزية في أفغانستان
كذلك يستخدم عديد من الشركات والمؤسسات الدولية الإنجليزية كلغة رسمية للتواصل الداخلي والخارجي، كما أنها تدرس في المدارس والجامعات في معظم دول العالم كلغة ثانية أو لغة أجنبية، وتنشر الأبحاث العلمية والأدبية بصورة كبيرة بالإنجليزية.
ومما يزيد من انتشار الإنجليزية اعتماد الثقافة الشعبية والإعلام والسينما والموسيقى والتلفزيون والأدب على الإنجليزية. ولا يسهم هذا في نشر اللغة فقط، بل يؤثر أيضاً في الثقافات المحلية حول العالم ويسهم في نقل القيم والعادات والمعتقدات.
مع استمرار التطورات العالمية والتكنولوجية، من المرجح أن تظل الإنجليزية لغة العصر في المستقبل القريب، بل ومن المتوقع أن تزيد قوتها وانتشارها. ومع ذلك، فإنه لا يمكن استبعاد تأثير عوامل أخرى مثل العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية في المستقبل التي قد تؤدي إلى تغير في موقع الإنجليزية كلغة العصر.
في النهاية نجد أن رحلة الإنجليزية ليست مجرد حكاية عن لغة، بل هي قصة كائن ينبض بالحياة، وقصة عن التعايش والتأثير والتجدد.