حرية – 1/5/2024 – تقرير -وكالات
ذكرت وسائل إعلام في منطقة الإدارة الذاتية السورية الخاضعة لسيطرة الأكراد في سوريا تسجيل حالات ترحيل من كردستان إلى منطقة الإدارة، لكن السلطات الأمنية في الإقليم لم تؤكد صحة هذه المزاعم.
“أبلغني المحامي بأنه عليَّ المغادرة لاستحالة حصولي على الإقامة” هذا ما قاله المواطن السوري خاد غمرد تمثيلاً لقرار صدر أخيراً من سلطات إقليم كردستان العراق ينص على تعليق منح سمات الدخول “الفيزا” والإقامة للوافدين الجدد من السوريين.
يأتي هذا في وقت يترقب فيه آلاف من مواطنيه المقيمين تعديلات جديدة ينتظر أن تجرى على نظام منح الإقامة للسوريين في الإقليم خشية صدور قرارات جديدة قد تجبرهم على الرحيل، وسط دعوات لحصر الإجراءات بالمتجاوزين على قوانين البلد المستضيف.
وكان ديوان وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان أصدر في الرابع من أبريل (نيسان) الجاري قراراً ينص على إيقاف التقديم للحصول على سمة الدخول “الفيزا” لعموم حاملي جوازات السفر السورية، ودعا غير حاملي الإقامة وكل من دخل قبل تاريخ الـ29 من مارس (آذار) الماضي المغادرة قبل انتهاء مهلة “الفيزا”، في خطوة قالت السلطات الكردية إنها تهدف إلى “موازنة سوق العمل، وتوفير الفرص للعمالة المحلية”.
وقال غمرد من منطقة الدرباسية في سوريا بعد عودته عبر اتصال هاتفي “جئت إلى أربيل في الـ11 من مارس الماضي، ومكثت فيها إلى أن انتهت مهلة سمة الدخول التي أحملها والتي لا تتعدى 30 يوماً، وذلك قبل صدور قرار التعليق من سلطات الإقليم، وبعد القرار أبلغني المحامي بأن عليَّ المغادرة والعودة من حيث أتيت لأنني لن أحصل على الإقامة، وكان عليَّ دفع غرامة التأخير”.
وأضاف غمرد “عندما دخلت المطار للعودة صادفتني مجموعة من الشباب السوريين المشمولين بالقرار، بعضهم قال لي إنه كان مقيماً منذ ثلاث سنوات وإنه اضطر إلى المغادرة قبل أسبوع من انتهاء مهلة إقامته”.
ووفقاً للتعليمات فإن قرار تعليق منح سمة الدخول يقتصر حصراً على حاملي الجواز السوري باستثناء مواطنيهم من حاملي الإقامة أو وثيقة اللجوء أو الجنسية من الدول الغربية ودول أخرى، كما يحق لحاملي جنسيات البلدان الغربية ودول الهجرة التقديم لطلب الحصول على الإقامة، في وقت تداولت منصات مواقع التواصل الاجتماعي خاصة بالسوريين في أربيل معلومات غير رسمية تشير إلى توقع إعلان السلطات الكردية غداً الأحد تعليمات جديدة.
التبعات والأضرار
عملياً تم تعليق تجديد الإقامات منذ الرابع من أبريل الجاري باستثناء الذين أدخلت أسماؤهم ومعلوماتهم في نظام سجل دائرة الإقامات، بحسب الوسيط في شركة خدمات الأجانب المرخصة في الإقليم عبدالهادي حامدي الذي أكد أن “القرار ما زال سارياً، على أن تصدر في الأسبوع المقبل تعليمات مفصلة لكون العشرات تضرروا مالياً بعد أن دفعوا رسوم وقيمة (الفيز) والإقامة، من دون أن تتمكن شركات خدمات الأجانب من إعادة الحقوق المالية لأصحاب التذاكر والإقامة لكونها دفعتها للمؤسسات الحكومية المعنية، على حد زعمها”.
وأشار حامدي إلى أن “القرار تسبب بأضرار لشركات خدمات الأجانب المملوكة لمواطني الإقليم، لأن كل شركة لديها موظفون ومحامون وقد توقفت أعمالهم بصورة شبه كلية، فضلاً عن تضرر مكاتب الطيران بعد تقلص الرحلات بين سوريا وأربيل إلى حد كبير، وهذا الخط كان يوصف بالخط الذهبي لأن سعره يفوق ثلاثة أضعاف السعر العالمي، إذ يراوح ما بين 200 إلى 240 دولاراً فيما لا يتجاوز السعر العالمي 90 دولاراً”.
وتشمل قائمة المتضررين الذين تحملوا غرامات، وأولئك الذين كانوا مرتبطين بمواعيد إجراء مقابلة في قنصليات دول الهجرة واللجوء في الإقليم من المشمولين بقوانين لم الشمل، فضلاً عن تعطل أعمال بعض مكاتب الطيران العاملة على الخطوط بين الإقليم وسوريا، وبحسب الشركات المعنية فإن قيمة رسوم التأشيرة مع الإقامة كانت تصل إلى 430 دولاراً، بينما تصل قيمة رسوم تجديد الإقامة بعد مرور سنة إلى 500 دولار.
رحلات شبه يومية
ووفق حامدي فإن عدد رحلات الطيران التي كانت تسجل بين سوريا والإقليم قبل صدور القرار “ست رحلات، وكل رحلة كانت تحمل نحو 150 راكباً، معظمهم في فئة الشباب بعمر 18 إلى 30 سنة، غالبيتهم من الباحثين عن فرصة العمل أو الساعين لتأمين الأموال بغية دفعها للسلطات السورية كبدل عن خدمة التجنيد الإلزامية”.
وإزاء تقدير عدد السوريين المقيمين في أربيل من غير اللاجئين أوضح أن “العدد يصل إلى نحو 300 ألف شخص، لكن هذا العدد قد يختلط فيه اللاجئ مع المقيم، لكن إجمالاً فإن العدد الفعلي قد يراوح ما بين 150 و200 ألف مقيم”.
وكان السوريون يحصلون على رخصة إقامة لمدة عام كامل قابلة للتجديد تمنحهم حرية التنقل داخل الإقليم حصراً، باستثناء المحافظات الخاضعة للسلطات الاتحادية في بغداد، وفي حال تنقلهم إلى المناطق الاتحادية من دون تصريح مسبق فإنهم سيواجهون الاعتقال والترحيل من البلاد، علماً أن الوضع القانوني للمقيمين بغرض العمل يختلف عن نظرائهم من اللاجئين الذين يتجاوز عددهم 250 ألفاً معظمهم من الأكراد، ويعيش أكثر من 150 ألفاً منهم خارج المخيمات وفق آخر إحصائية صدرت عن المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين في مارس الماضي، وسبق أن رفض نحو 90 في المئة منهم العودة إلى بلادهم وفق استطلاع أجرته المفوضية في وقت سابق.
دوافع غير معلنة
وتساور الشكوك حول الأسباب المباشرة التي دفعت السلطات الكردية إلى إصدار القرار بصورة مفاجئة، على أنها تتعدى المعلن في ما يتعلق بالحد من العمالة الأجنبية، ويقول حامدي إن “بغداد ربما مارست ضغوطاً للحد من تدفق اللاجئين غير الشرعيين الذين يدخلون إلى الإقليم ومن ثم ينتقلون بطرق غير شرعية إلى المدن الخاضعة لسلطتها”.
من جانبه، يؤيد رئيس مجلس اللاجئين السوريين الكرد في الإقليم هوزان مرشد صدور القرار مبرراً بأسباب الرغبة لموازنة سوق العمل، بالقول “صحيح أن العمالة المحلية تضررت كثيراً، لأن العامل الأجنبي يرضى بأقل من نصف الأجور بالمقارنة مع نظيره المحلي، إلا أن البعض ارتكب خروقات بعد أن تقدم بصفة لاجئ لدى المنظمات، إذ كان يعود إلى سوريا لحين صدور موعد لإجراء المقابلة، في مخالفة صريحة لشروط وقوانين اللجوء”.
وتابع مرشد “بعض من جاءوا للعمل، استغلوا استمارة طلب اللجوء الممنوحة لهم من قبل المنظمات الأممية للتنقل بعد تخليهم عن عملهم”، كما انتقد من وصفهم “بثلة من الشباب السوري من القيام بتصرفات مسيئة ومهينة للإقليم وتم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على رغم أن الإقليم فتح أبوابه ومنح التسهيلات من منطلق إنساني بحت”، داعياً السلطات الكردية إلى “تطبيق قرار منع الدخول أو الترحيل بحق الفئة المرتكبة للمخالفات حصراً، لأن هناك كثيراً ممن يمتلك المهارات والكفاءة وله أنشطة ومساهمات اقتصادية قيمة سواء كان فرداً أو شركة”.
تسهيلات جاذبة
باز علي شاب كردي من بلدة عمودا السورية يقيم في الإقليم منذ 14 عاماً، ويعمل حالياً مشرفاً على عمال مطعم في أربيل يرى أن “تدافع العمالة السورية إلى الإقليم زاد خلال السنوات القليلة الماضية بصورة كبيرة، وهذا بالطبع أثر في العمالة المحلية نظراً إلى التسهيلات التي كانت تقدم للسوري، من رخص في رسوم الإقامة التي قد لا تتعدى 550 دولاراً، بعكس إجراءات حكومات معظم دول المنطقة”.
ويرى علي أن كثراً ارتكبوا مخالفات وتجاوزات بخلاف قوانين الهجرة، كما لوحظ قيام ربما آلاف آخرين بالتوجه إلى بقية المحافظات العراقية بطرق غير رسمية، وفي هذا لا يستبعد أن تكون السلطات في بغداد ضغطت في الإقليم لإجراء مراجعة وفرض القيود.
وأوضح الشاب الكردي أن إدارة المطعم الذي يعمل فيه “تطبق منذ أكثر من سنة تعليمات جديدة كانت صدرت عن سلطات الإقليم ضمن إجراءاتها لتنظيم سوق العمل، يلزم أصحاب المشاريع العاملين في القطاع الخاص ألا تقل نسبة العمالة المحلية لديهم عن 70 في المئة مع بعض الاستثناءات، وجاء ذلك نتيجة لزيادة في تدفق العمالة الأجنبية”.
مزاعم رصد لحالات ترحيل
من جهة أخرى ذكرت وسائل إعلام في منطقة الإدارة الذاتية السورية الخاضعة لسيطرة الأكراد في سوريا تسجيل حالات ترحيل من الإقليم إلى منطقة الإدارة، لكن السلطات الأمنية في الإقليم لم تؤكد صحة هذه المزاعم، إلا أن مرشد أكد “عدم تسجيل أي حالة ترحيل قسري في الإقليم كما تم الترويج له في وسائل التواصل الاجتماعي، باستثناء الحالة القائمة في جانب السلطة الاتحادية العراقية، وأن ما صدر في الإقليم من إجراءات لا يتجاوز تعليق إصدار الفيزا، إلا في بعض الاستثناءات المحدودة”.
وسبق أن أعلن مسؤولون في غرفة سياحة دمشق في مطلع العام الحالي عن تعليق بغداد منح سمات الدخول للسوريين لأغراض العمل، كما صرح القائم بأعمال السفارة العراقية في دمشق ياسين الحجيمي بدخول سوريين بطرق غير قانونية إلى بغداد قادمين من أربيل مما يعرض المخالف على الترحيل ومنع دخول أراضي البلاد لسنتين في الأقل.
تعديلات متوقعة
من جانبه، دعا مدير “شركة المتخصص للسياحة والسفر” حسن بيك إلى “عدم تصديق الإشاعات المتعلقة بسحب الإقامات أو الترحيل”، وطمأن السوريين قائلاً إن “حاملي الجنسية المصرية منذ 2014 ليس لديهم سمة الدخول في نظام وزارة الداخلية بالإقليم وإلى اليوم يتم تجديد إقاماتهم بصورة طبيعية، كما لم يصدر موقف رسمي من الإقليم بتعليق تجديد الإقامة، وللتوضيح فإن الشخص السوري حتى لو كان موجوداً منذ سنوات في أربيل يتم مطالبته بتقديم جوازه الذي دخل من خلاله للإقليم”.
وأشار بيك إلى أن “نظام (الفيزا) مرتبط بنظام الإقامة، لذا فإن تعليق إصدارها معناه أن نظام تجديد الإقامة سيخضع لتعديلات وهي مسألة وقت، والأمر يتعلق فقط بالوافد الجديد الذي لن يحق له طلب الإقامة”، مؤكداً أن شركته “ما زالت تتسلم طلبات تجديد الإقامة لأنه من المتوقع أن تعود الأمور إلى طبيعتها في الفترة المقبلة”.
ونوه بيك بأن الأشخاص الذين تراوح أعمارهم ما بين 50 و60 سنة “إلى عدم حاجتهم إلى عقد عمل ويحق لهم تجديد الإقامة لأن التعليمات لا تشمل هذه الفئة العمرية، أما أسباب التعليق للفئات العمرية الأخرى فإنها مرتبطة بالتعديلات المذكورة آنفاً”.
وأردف مسؤول الشركة السياحية “بالنسبة إلى الذي يقدم على طلب الإقامة لأول مرة فإنه لو كان راجع دائرة كاتب العدل وسجل اسمه في نظام فحص الدم، فإنه يحصل على موافقة الإقامة، وإن كانت لم تصدر بعد لحد هذه اللحظة، أما الذي لم يدخل اسمه في نظام الفحص فإنه لن يحصل على الموافقة للأسف”.