حرية – (9/5/2024)
متى لقيت الرومانسية حتفها؟ هل حدث ذلك عندما بدأنا جميعاً بالبحث عن الحب من خلال التصفح على الهاتف المحمول أثناء قضاء حاجتنا في المرحاض؟ أم عندما أصبحت الرسائل الخاصة المطالبة بالجنس أمراً مألوفاً؟ أم عندما انفصل براد بيت وأنجلينا جولي؟. لا، أعلن عن موتها نهائياً اليوم فقط. لأن الرجال ذوي الميول مغايرة الجنس، وبفضل تطبيق جديد، بدأوا يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل النزاعات مع حبيباتهم، مما يدفعنا جميعاً إلى فقدان الأمل الآن.
دعوني أعرفكم على تطبيق “آنغري جي إف” AngryGF [اختصار لـ الحبيبة الغاضبة Angry Girlfriend] المصمم لمساعدة المستخدمين في التعامل مع الصراعات العاطفية مع شريكات حياتهم، بخاصة الحبيبات أو الزوجات. أعلم ما يخطر ببالكم، من الطبيعي أن نشهد ظهور تطبيق كهذا، إذ ما هي الطريقة الأخرى التي يفترض أن يتعلم من خلالها الرجال ذوو الميول مغايرة الجنس التواصل مع شريكاتهم؟.
إنهم مشغولون جداً، ألا تدركون ذلك؟، يقومون بتقطيع الحطب وصيد الحيوانات، وعموماً بالنشاطات التي تستهلك كثيراً من الوقت والطاقة. بالطبع ليس لديهم الوقت للتعبير عن التعاطف الأساسي أيضاً. بصراحة، سيكون من غير المنطقي أن يفترض أي شخص خلاف ذلك. نحن ممتنون لأنه يوجد الآن روبوت يستطيع هؤلاء الرجال الأقوياء بدنياً والمفتقرون إلى القدرة العاطفية اللجوء إليه عندما يحتاجون إلى أن يكونوا كائنات بشرية تمارس إنسانيتها.
تطبيق “آنغري جي إف” الصادر هذا الشهر، يستعرض قائمة من المواقف المختلفة التي قد تغضب الشريكة العاطفية: مثلاً، التأخر عن موعد غرامي، أو النظر “إلى فتاة جميلة”. في حال حدوث هذا السيناريو الأخير، يوضح التطبيق: “أنت وصديقتك ذاهبان إلى حفل. أنت تصر على التحديق في فتاة جميلة بين الحين والآخر. تلاحظ حبيبتك ذلك وتغضب”.
عند الضغط على خيار “تحدٍ”، تدخل في محادثة مع روبوت دردشة يعتمد على الذكاء الاصطناعي، فيكون الهدف تهدئة حبيبتك الغاضبة من خلال 10 محاولات مكتوبة وكأنك تشارك في لعبة. هناك في رأس القائمة تقييم “للمسامحة” من 0 إلى 100 في المئة، إذ يتحرك المؤشر كلما أحرزت تقدماً في تهدئة حبيبتك أو زدت من استيائها أكثر. إذا تواصلت بطريقة مهذبة، يجب أن يصل المقياس إلى 100 في المئة، مما يكسبك غفرانها.
ويرِد في إعلان التطبيق: “من خلال هذه العملية، ستكتشف أنه يمكن تعلم مهارات التواصل في العلاقات وتحسينها… في الحياة الواقعية، ليس من السهل تهدئة شريك غاضب، بسبب الفروق في طريقة التفكير بين الرجال والنساء. فالنساء غالباً ما يكنّ أكثر عاطفية، وربما تتسبب أمور ثانوية مثل التأخر عن موعد غرامي أو الرجوع إلى المنزل في وقت متأخر في إثارة استيائهن”.
ويتضح أن الحبيبة الغاضبة على تطبيق “آنغري جي إف” غاضبة جداً. بعد إرسال اعتذار ضعيف في السيناريو المذكور أعلاه، تردّ قائلة: “أنت آسف؟ هل هذا كل شيء؟ أنت تذلني أمام الجميع بالتحديق في فتاة أخرى وكل ما تستطيع قوله هو ’أنا آسف جداً‘؟ يجب أن تفهم أن الاعتذار ليس كافياً لإصلاح كل شيء”. أخبريهم الواقع يا أختاه!.
حسناً، أستطيع رؤية النية الحسنة وراء هذه المحاولة. أنشئ تطبيق “آنغري جي إف” بواسطة إميليا أفيليز، مديرة تسويق ووسائل تواصل اجتماعي تبلغ من العمر 26 سنة التي طفح بها الكيل بسبب سلسلة من العلاقات مع شركاء ذكور سيئي السلوك، قررت تلقينهم درساً بالمعنيين الحرفي والمجازي للكلمة. قالت لصحيفة “تايمز”: “النتيجة هي تطبيق يساعد الرجال المرتبطين بعلاقات عاطفية الراغبين حقاً في تحسين علاقاتهم”. أنا أفهم هدفك يا إميليا، فأنا راغبة أيضاً في أن يتحسن سلوك الرجال الذين واعدتهم. لكنني لست متأكدة مما إذا كانت هذه أفضل طريقة للقيام بذلك.
يقول منشئ التطبيق إنه مصمم “لمساعدة الرجال في العلاقات التي يرغبون حقاً في تحسينها”
بادئ ذي بدء، يروج التطبيق لأحد أسوأ النماذج الثقافية التي يتعين على النساء مواجهتها باستمرار: أنه لا يُسمح لنا بأن نغضب. وكما يقول ويليام كونغريف في مقولته الشهيرة: “ليس هناك غضب أشد من حب تحول إلى كراهية، ولا جحيم أعنف من غضب امرأة مهانة”، إلى نهاية المقولة. لقد كان غضب الإناث محظوراً لفترة طويلة، بخاصة ضمن العلاقات مغايرة الجنس. لا سمح الله أن نعبر كثيراً عما يدور في أذهاننا، أو أن نبالغ في ردود أفعالنا تجاه أي أذية أو احتقار. إذا قمنا بذلك، بالطبع، سيتم وصمنا بتوصيف “المريضة النفسية”.
لكن أكثر ما يثير القلق بخصوص تطبيق “آنغري جي إف” هو الرسالة التي يوجهها إلى الرجال. أرجو ألا يساء فهمي – لكن أعتقد بأن كثيراً منا، بغض النظر عن الجنس، يمكن أن يستفيدوا من تعلم كيفية التواصل في العلاقات، ولكن هذا التطبيق يستند إلى صور نمطية قديمة وضارة عن الرجولة ستعوقنا على المدى الطويل. إنه مهين ومزدرٍ للغاية، ويستهين بقدرات الرجال على التواصل ويعاملهم كأطفال. وحتى لو كان هناك بعض الرجال الذين يحتاجون إلى قليل من المساعدة في التعبير عن أنفسهم، لا أستطيع تخيل أي شخص يستخدم خدمة مثل هذه بجدية.
ليست المشكلة الرئيسة في كل هذا متعلقة بالرجال بالفعل. في الواقع، أعتقد بأن الدروس الأساسية أهم وتثير القلق أكثر بكثير، إذ تعكس كل ما نعرفه عن العلاقات المعاصرة والديناميات بين الجنسين والتشكيل الاجتماعي. وما الفكرة الأساسية؟، هي أن الأشخاص الذين يتوجهون نحو العلاقات الجنسية التقليدية غالباً ما يواجهون مشكلات وتحديات، ولكن لا أحد يعرف بالضبط كيفية التعامل معها.