حرية – (16/5/2024)
تكشف معدلات الانتحار المسجلة في العراق، تفاوتاً في نسبها بين الارتفاع النسبي والعودة للانخفاض خلال عقد من الزمان، وفيما تشير الإحصاءات العالمية إلى أن العراق لا يزال “في منطقة الأمان” بمعدلات الانتحار، توضح في المقابل أن هناك ثلاثة أطباء نفسيين لكل مليون شخص، في وقت تصدرت بغداد الحالات المسجلة خلال منذ بداية العام الحالي.
ويعرّف علماء الاجتماع الانتحار بأنّه قتل الإنسان لنفسه وإزهاق روحه باستخدام وسائل عدّة.
ومر العراق بظروف اقتصادية واجتماعية صعبة بعد أربعة عقود شهدت حروباً خارجية وتجاذبات في الداخل وعقوبات دولية أعقبت حرب الكويت عام 1990، قبل التدخل العسكري الأمريكي في البلاد عام 2003 ويُفتح الباب امام سنوات طويلة من الصراعات الداخلية.
رأي عالمي
تقول منظمة الصحة العالمية، في اب 2023، أن الانتحار يأتي في المركز الرابع بين أسباب الوفاة في صفوفِ الشباب الذين تتراوح أعمارُهم بين 15 و29 عامًا.
وتضيف المنظمة أن التقديرات تشير إلى أن أكثر من 700 ألف شخص في العالم يموتون كل عامٍ بسبب الانتحار، وعلاوة على ذلك، فإن كل حالة انتحار يقابلها عدد أكبر كثيرًا من الأشخاص الذين يحاولون الانتحار.
إحصائيات ونسب عراقية
و”لأول مرة”، كشفت وزارة الداخلية، في 3 شباط 2023، عن عدد حالات الانتحار خلال نحو السنوات التسع الماضية في العراق، وأظهرت تلك الاحصائيات تصاعداً مستمرا لهذه الظاهرة، لأسباب يعزوها المختصون إلى ثلاثة جوانب رئيسية (النفسي، الاقتصادي، الاجتماعي).
وسجلت حالات الانتحار في العراق بحسب المتحدث السابق باسم وزارة الداخلية، اللواء خالد المحنا، إن “احصائيات حالات الانتحار من عام 2015 إلى 2022 التي سيتم ذكرها، تعلن لأول مرة، والبداية مع عام 2015، حيث بلغت عدد حالات الانتحار في العراق ما عدا إقليم كوردستان 376 حالة”. ويضيف المحنا لوكالة شفق نيوز، أنه “في 2016 بلغت 343 حالة انتحار، وفي 2017 بلغت 449 حالة، وفي 2018 بلغت 519 حالة، وفي 2019 بلغت 588 حالة، وفي 2020 بلغت 644 حالة، وفي 2021 بلغت 863 حالة، وفي 2022 بلغت 1073 حالة انتحار”.
كما سجل العراق خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2023، أكثر من 700 محاولة انتحار، منها 400 محاولة انتحار للفتيات، بحسب إحصائية في تشرين الأول 2023.
وعلى خلفية انتشار ظاهرة الانتحار في العراق خلال السنوات القليلة الماضية، بنسبة تزيد عن 175%، اضطرت الحكومة العراقية إلى إقرار الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار خلال الأعوام 2023-2030، دون ذكر تفاصيل تلك الاستراتيجية أو توضح معالمها.
عام 2024: 285 حالة انتحار
وبحسب مصدر أمني في وزارة الداخلية، طلب عدم الاشارة الى اسمه، فان “الأجهزة الامنية سجلت منذ بداية عام 2024 حتى يوم السبت 11 أيار 2024، 285 حالة انتحار بين الذكور والإناث في عموم العراق عدا إقليم كوردستان، من بينهم منتسبين امنيين وموظفين حكوميين، وتنوعت طرق الانتحار بين الشنق بواسطة الحبال، واستخدام الأسلحة النارية بـ (مسدس أو بندقية)، وتناول مواد سامة، فضلاً عن تسجيل 3 حالات بأسلوب الحرق.
ويوضح المصدر، لوكالة شفق نيوز أن “أسباب الانتحار للعام الحالي كانت متنوعة بينها مشاكل عائلية، أو مالية، وحالتين بسبب الرسوب في المدرسة وحالة واحدة بسبب العلاقات العاطفية”،
وأوضح المصدر أن “بغداد كانت الأكثر بمعدلات الانتحار، فيما كانت أبرز الحالات إقدام شخص في البصرة بقتل أفراد عائلته وانتحاره بعد ذلك مستخدما سلاح نوع كلاشنكوف، وفي ناحية اليوسفية ببغداد اقدام صهر على قتل أهل زوجته وبعد محاصرته من قبل الاجهزة الامنية قام بالانتحار بأسلوب اطلاق النار على نفسه”.
طرق وأسباب الانتحار
واستُعملت طرق مختلفة لإزهاق الأنفس، أغلبها من خلال الشنق، والتسميم الذاتي بمبيدات الآفات، والأسلحة النارية.
فيما يرجع مسؤولون أمنيون أسباب حالات الانتحار إلى الكثافة السكانية، والوضع الاقتصادي، والبطالة، فضلا عن العنف الأسري، والابتزاز الإلكتروني، وإدمان المخدرات والتفكك الأسري، بالإضافة إلى البطالة والفقر، في المقابل.
كما يرى متخصصون في الطب النفسي، أن “العامل النفسي أحد عوامل الإقدام على الانتحار، إن لم يكن السبب الرئيسي لهذه المشكلة، وكذلك إهمال معالجة حالات الاكتئاب التي يتجاهل الكثير من الناس تشخيصها بشكل مبكر أو المضي في علاجها في حال تم تشخيصها لدى المصابين بها”.
كما أن من “دوافع الإقدام على الانتحار، بحسب أطباء نفسيين، تأتي “نتيجة الكآبة بالدرجة الأولى، بعدها الفصام واضطرابات السلوك والإدمان، وأسباب الاكتئاب عديدة أبرزها الإحباط لأسباب تتعلق بالظرف الاقتصادي أو الضغوط الاجتماعية التي تؤدي إلى اليأس من الحياة ومحاولة التخلص منها”.
هشاشة نفسية عراقية
بالعودة الى منظمة الصحة العالمية، فان واحداً من بين كل أربعة عراقيين يعاني هشاشة نفسية، في بلد يوجد فيه ثلاثة أطباء نفسيين لكل مليون شخص، مقارنة مع 209 أطباء لكل مليون شخص في بلد كفرنسا مثلا.
وبحسب المنظمة، فإن إنفاق العراق على الصحة النفسية لا يتجاوز اثنين في المئة من ميزانيته للصحة، على الرغم من حقيقة أنه في مقابل كل دولار أميركي يستثمر في تعزيز علاج الاضطرابات الشائعة مثل الاكتئاب والقلق، يتحقق عائد قدره خمسة دولارات في مجال تحسين الصحة والإنتاجية.
مرضى نفسيون
تشير كتب مراجع الطب النفسي إلى أن 90% من المنتحرين يعانون من الأمراض النفسية، وفق الأخصائية النفسية الدكتورة بتول عيسى، وتُفصّل أن “70% من المنتحرين يعانون من أمراض الاكتئاب، و15% هم في حالة إدمان (تحت تأثير تعاطي المواد المخدرة)، و5% لديهم أمراض اضطرابات ذهانية أخرى”.
منطقة دافئة
فضلًا عن التحليل الرقمي، فإن المؤشرات العالمية عن معدل الانتحار تظهر مجيء العراق بمراتب متأخرة، أي مراتب جيدة بمعدل الانتحار وبعيدة عن منطقة الخطر.
وبحسب موقع “كنتري كاست”، عبر تقرير نشر في 16 كانون الثاني 2024، فإن العراق بالمرتبة 154 عالميا بمعدل الانتحار من أصل 183 دولة، وبمعدل انتحار يبلغ 3.6 لكل 100 الف نسمة.
اما على المستوى العربي، فإن العراق في المرتبة التاسعة بمعدلات الانتحار، حيث جاء ترتيب الدول العربية بمعدلات الانتحار كالاتي: (1 – المغرب، 2 – الامارات، 3 – السعودية، 4 – اليمن، 5 – قطر، 6 – عمان، 7 -ليبيا، 8 – السودان، 9 – العراق، 10 – تونس).
ليست انتحارا
بدورها تنبه الباحثة الاجتماعية، زينة الصباغ، إلى أن “الكثير من (حالات الانتحار) هي في الحقيقة حالات قتل، سببها الأموال، إذ تُحرم الكثير من العوائل بناتهن من الإرث ويقتلوها بطريقة تُظهر على أنها انتحار”.
وتضيف الصباغ لوكالة شفق نيوز، “أو آخرون يقتلون المرأة بحجة غسل العار، بل ويتفاخرون بهذه الجريمة دون دليل، في ظل قانون يُخفف عقوبة تلك الجريمة على الجاني، فضلا عن زنا المحارم التي تذهب ضحيتها المرأة، إذ تُعاقب وتُقتل على ذلك بدلا من تقديم المساعدة والعلاج لها ومعاقبة الجاني”.