حرية – (19/5/2024)
للمرة الأولى في فرنسا، تنطلق الثلاثاء المقبل محاكمة غيابية أمام محكمة الجنايات في باريس لثلاثة مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى في النظام السوري، بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب على خلفية مقتل فرنسيين سوريين اعتقلا في 2013.
وبحسب الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، تهدف الإجراءات إلى “محاكمة أعلى المسؤولين في النظام منذ اندلاع الثورة السورية في مارس (آذار) 2011” ضد بشار الأسد.
وتشمل المحاكمة الغيابية في باريس ثلاثة متهمين، هم علي مملوك المدير السابق لمكتب الأمن الوطني، وجميل حسن المدير السابق للاستخبارات الجوية، وعبدالسلام محمود المدير السابق لفرع التحقيق في الاستخبارات الجوية.
أسوأ مراكز التعذيب
وسبق لمسؤولين أقل شأناً أن خضعوا لمحاكمات في أماكن أخرى في أوروبا، وخصوصاً في ألمانيا، في شأن انتهاكات النظام. كما حضر هؤلاء جلسات الاستماع.
وستضم هيئة محكمة الجنايات ثلاثة قضاة من دون محلفين، وسيتم تصوير جلسات الاستماع المقررة على مدى أربعة أيام لحفظها ضمن أرشيف القضاء. ولأول مرة في محكمة الجنايات في باريس، سيتم توفير الترجمة العربية للجمهور.
وترتبط القضية بالضحيتين باتريك الدباغ ووالده مازن. وكان باتريك (ولد عام 1993) طالباً في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في دمشق، بينما كان والده (ولد عام 1956) مستشاراً تربوياً رئيساً في المدرسة الفرنسية بالعاصمة السورية.
واعتقل الاثنان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 على يد عناصر قالوا إنهم من جهاز الاستخبارات الجوية السورية.
وبحسب صهر مازن الذي اعتقل في الوقت ذاته ثم أطلق سراحه بعد يومين، فقد نقل الرجلان اللذان يحملان الجنسيتين الفرنسية والسورية، إلى مطار المزة قرب دمشق، الذي يوصف بأنه أحد أسوأ مراكز التعذيب التابعة للنظام.
على أثر ذلك، غابت أي مؤشرات إلى أنهما على قيد الحياة، حتى أعلن عن وفاتهما في أغسطس (آب) 2018.
ووفق شهادات الوفاة المرسلة إلى العائلة، فقد توفي باتريك في الـ21 من يناير (كانون الثاني) 2014، ومازن في الـ25 من نوفمبر 2017.
وفي اللائحة الاتهامية اعتبر قضاة التحقيق أنه “من الثابت بما فيه الكفاية” أن الرجلين “عانيا، مثل آلاف المعتقلين لدى الاستخبارات الجوية، من تعذيب قاس لدرجة أنهما ماتا بسببه”.
وفي السياق ذاته، قدم عشرات الشهود، من بينهم كثير من الفارين من الجيش السوري ومحتجزين سابقين في المزة، تفاصيل للمحققين الفرنسيين واللجنة الدولية للعدالة والمساءلة، وهي منظمة غير حكومية، في شأن التعذيب في هذا السجن. وتحدثوا عن الضرب بقضبان من الحديد على أخمص القدمين وصدمات كهربائية وعنف جنسي.
من ناحية أخرى، طردت زوجة مازن الدباغ وابنته من منزلهما في دمشق، الذي استولى عليه عبدالسلام محمود.
من أجل الحقيقة
ونص الاتهام على أن هذه الوقائع “من المرجح أن تشكل جرائم حرب وابتزاز وتمويه ابتزاز”، كما أن “الحجز على ممتلكات سوريين اختفوا أو وضعوا في معتقلات أو مهجرين قسراً أو لاجئين، كان ممارسة منتشرة للنظام السوري”.
وقالت المحامية كليمانس بيكتارت، التي تمثل عدداً من الأطراف المدنية، إن “كثراً قد يعدون هذه المحاكمة رمزية، لكنها جزء من عملية طويلة ويجب قراءتها في ضوء المحاكمات”.
وأضافت، “كل هذا يصب في جهد لمكافحة الإفلات من العقاب على جرائم النظام السوري، وهو الأمر الأكثر أهمية لأن هذا الكفاح من أجل العدالة هو أيضاً كفاح من أجل الحقيقة”.
وتابعت بيكتارت، “نميل إلى أن ننسى أن جرائم النظام لا تزال ترتكب حتى اليوم”، مشيرة إلى أن هذه المحاكمة بمثابة تذكير بأنه “يجب ألا نقوم بأي حال من الأحوال بتطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد”.
وتشهد سوريا منذ عام 2011 نزاعاً دامياً تسبب في مقتل أكثر من نصف مليون شخص، وألحق دماراً هائلاً بالبنى التحتية، وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها.
ولا يزال مصير عشرات الآلاف من المفقودين والمخطوفين والمعتقلين لدى أطراف النزاع كافة، خصوصاً في سجون ومعتقلات النظام السوري، مجهولاً.