حرية – (21/5/2024)
ظهرت الحاجة إلى إخفاء الرسائل ومعناها عن أعين المتطفلين بعد وقت قصير من اختراع البشرية للكتابة، فالجدول الزمني لتاريخ التشفير طويل وخضع إلى تطوير عبر الزمن، من الاستخدامات الدينية في مصر القديمة والثقافتين العسكرية اليونانية والرومانية إلى الحربين العالميتين وإنشاء أول جهاز كمبيوتر، وأخيراً إلى استخدامه الحديث في عصر شبكة الويب العالمية.
يعد تشفير المراسلات العسكرية والدبلوماسية عنصراً حيوياً للأمن القومي منذ فترة طويلة، إذ يتيح الاتصال الآمن ويحمي البيانات الحساسة ويضمن نجاح العمليات العسكرية. ومع تقدم التكنولوجيا تتزايد التحديات التي تواجهها الحكومات والجيوش في الحفاظ على سرية وسلامة وصحة اتصالاتها. ويأتي التشفير العسكري المتقدم في طليعة التصدي لهذه التحديات كونه يقدم أساليب وتقنيات متطورة لتأمين الاتصالات والبيانات العسكرية في عالم رقمي ومترابط بصورة متزايدة.
يلعب التشفير دوراً حاسماً في تأمين المعلومات والاتصالات الحساسة وينطوي على استخدام خوارزميات وشيفرات معقدة لتشفير البيانات مما يجعلها غير قابلة للقراءة من قبل أطراف غير مصرح لهم، مما يضمن أن تبقى المعلومات العسكرية والدبلوماسية السرية ككواليس صناع القرار السياسي وتحركات القوات المسلحة وخطط المعارك وتقارير الاستخبارات آمنة ولا يمكن للخصوم الوصول إليها.
البداية من مصر القديمة
يمكن إرجاع أقدم دليل مكتوب عن التشفير إلى مصر القديمة منذ نحو 4 آلاف عام، إذ احتوت مقبرة النبيل خنوم حتب الثاني على نص يسجل أعماله في الحياة استخدم فيه المصريون القدماء بعض الحروف الهيروغليفية غير العادية التي حجبت المعنى الأصلي للنص. واستخدم التشفير القديم في مصر بصورة أساسية لأسباب دينية تتعلق بسرية الطقوس وحماية المعرفة، إذ كان التعليم امتيازاً يقتصر على أعلى دوائر المجتمع ووسيلة لإظهار مهارات الفرد في الكتابة.
على رغم أنها تعتبر من أبسط أشكال التشفير اليوم فإن شفرة قيصر لم تفك إلا عام 800 ميلادي على الأرجح
يرجع تاريخ أول حال مسجلة للتشفير المستخدم للأغراض العسكرية إلى عام 500 قبل الميلاد في اليونان القديمة، حين استخدم الإسبرطيون أسلوباً للتواصل السري سموه “سكاي تايل” سمح بإرسال واستقبال الرسائل السرية باستخدام أسطوانة ذات طول وشكل معين، فكان يجب أن يكون لدى كل من المرسل والمستقبل النوع نفسه من الأسطوانات لكل من التشفير وفك التشفير.
أهم استخدام للتشفير للأغراض العسكرية في العصور القديمة يعود إلى فترة حكم الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر، الذي احتاج إلى وسيلة لإرسال وثائق سرية إلى قواته في الميدان، من ثم طور طريقة تسمى التشفير البديل أو ما يعرف بـ”شيفرة قيصر”، وهي عبارة عن نظام تشفير يعتمد على إبدال كل رمز برمزين مقابلين له من جدول محدد سلفاً. وعلى رغم أن هذه الطريقة تعتبر من أبسط أشكال التشفير اليوم فإن تشفير قيصر لم يفك إلا عام 800 ميلادي على الأرجح.
عجلة جيفرسون وبرقية زيمرمان
مع مرور الزمن وتحديداً عام 1795، اخترع سكرتير الرئيس الأميركي جورج واشنطن، توماس جيفرسون، نظام تشفير يتألف من 26 قطعة خشبية أسطوانية الشكل نقشت عليها أحرف الأبجدية بشكل عشوائي ومترابط حول محور معدني، إذ يمكن بتدوير العجلات تشفير وفك تشفير الرسائل، وقد استخدم الجيش الأميركي لاحقاً هذا النظام بين عامي 1923 و1942 وأطلق عليه “M-64”.
لعل أبرز الأحداث التاريخية المرتبطة بالتشفير تعود إلى عام 1917، عندما اعترض البريطانيون إرسالاً ألمانياً جاء عبر خطوط اتصالاتهم وتمكنوا من فك تشفير الرسالة مما قلب الأمور في المسرح الدولي رأساً على عقب.