حرية – (25/5/2024)
باتت مادة الصمغ مصدراً رئيسياً لتمويل طرفي الحرب في السودان، إذ تتحكم قوات الدعم السريع في 3 من إجمالي 4 طرق رئيسية مؤدية إلى مدينة الأبيض، التي تعد واحدة من معاقل الزراعة في البلاد، كما يسيطر عليها الجيش السوداني أيضاً، وفق صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وبالإضافة إلى ما يدفعه المارون عبر نقاط التفتيش الرئيسية لقوات الدعم السريع، يدفع تجار الصمغ العربي أيضاً بين 60 و100 دولار لمقاتلي قوات الدعم السريع الذين يرافقون قوافل التُجار في شاحنات صغيرة، أما التجار الذين يرفضون الدفع، فيخاطرون بخسارة بضائعهم ومركباتهم، بينما يفرض الجيش السوداني، الذي يدير البلاد فعلياً، ضرائب ورسوماً أخرى على تجارة الصمغ.
والصمغ العربي عبارة عن عصارة مجففة عديمة الطعم والرائحة، وتستخدم كمثبت أو عامل سماكة أو مستحلب في العديد من الأطعمة والمشروبات ومستحضرات التجميل والعقاقير الطبية.
ويتم حصاد حوالي 80% من الصمغ العربي في العالم من أشجار السنط السودانية، التي تنمو في الحزام الصحراوي الممتد من الحدود الغربية للسودان مع تشاد إلى حدودها الشرقية مع إثيوبيا، على مساحة حوالي 200 ألف ميل مربع.
الصمغ وصناعة الشوكولاتة
ربيع عبد العاطي، الأكاديمي السوداني الذي أجرى أبحاثاً على صناعة الصمغ العربي، قال لـ”وول ستريت جورنال”، إن “عائدات صادرات الصمغ العربي تمول هذه الحرب بشكل مباشر”.
وقال أسامة إدريس، المدير العام لشركة Morouj Commodities UK، التي تصنع العلكة الخام، ومقرها “ويسترن سوبر مير” في إنجلترا، لـ “وول ستريت جورنال: “أنت لا تريد أن تنفد العلكة، ولا يجدها العملاء”.
وأضاف إدريس، أن “أحداً من عملائه، ومنهم شركات الحلويات والمشروبات والنكهات، لم يعرب عن قلقه بشأن الحصول على الصمغ العربي من السودان”.
وقالت شركة “نستلة”، التي تضيف الصمغ العربي إلى الشيكولاتة والعلكة، إنه “وفقاً لمورديها، فإن الكمية القليلة التي تستخدمها تأتيها بالأساس من تشاد والنيجر ومالي”.
وقال المتحدث باسم شركة “هيرشي”، إن الشركة تتوقع أن “يلتزم جميع مورديها بقوانين في البلدان التي يعملون فيها”، فيما قالت المتحدثة باسم شركة “فيريرو” إن شركتها المصنعة للشيكولاتة لديها “إجراءات صارمة للعناية الواجبة التي يجب أن يلتزم بها جميع مورديها، وتشمل عمليات التقييم وعمليات التدقيق الميداني”.
وتوقعت بعض الشركات أن يضر وقف شراء الصمغ العربي السوداني، مئات الآلاف من السودانيين الذين يعتمدون على هذه المادة كمورد للدخل، وكثير منهم مزارعون فقراء أو بدو، في وقت تحذر فيه الوكالات التابعة للأمم المتحدة من مجاعة وشيكة.
وأوقفت شركة Nexira الفرنسية، التي تقول إنها تمتلك 40% من سوق الصمغ العربي العالمية، عملياتها في السودان لمدة 3 أشهر، العام الماضي، ولكنها استأنفتها منذ ذلك الحين، حيث تتلقى شحنات الصمغ من السودان.
وقالت الناطقة باسم الشركة الفرنسية، إنه “رغم حالة عدم اليقين التي تحيط بعمليات النقل والحوادث المحتملة التي تؤثر في المحصول، إلا أننا قررنا مواصلة شراء الصمغ العربي السوداني من المزارعين”.
وأضافت: “هذا جزء من التزامنا تجاه المجتمعات المحلية التي عملنا معها على مدى عقود”.
وأشارت إلى أن بعض الاتصالات التي أجرتها Nexira أخيراً، أفادت باحتمالية وقوع “عمليات ابتزاز” على الطرق السودانية، وقالت إن الشركة طلبت من شركائها في البلاد “تجنب الطرق التي لا يمكن ضمان حرية الحركة عليها”.
وأوقفت شركة FOGA Gum الهولندية، التي كانت تستورد وتعالج الصمغ العربي السوداني لتزود به شركات النكهات في الولايات المتحدة وأوروبا، جميع أنشطتها التجارية في السودان في أبريل 2023، بعد فترة وجيزة من اندلاع الحرب، فيما تدعم الشركة فقط زراعة الأشجار في عدد من المشاتل في إقليم دارفور، غربي السودان.
تراجع إنتاج الصمغ
ويُعد الصمغ العربي، أحد الصادرات الزراعية الرئيسية في السودان، ففي عام 2022، بلغت قيمة صادراته نحو 183 مليون دولار، ما وضعه ضمن قائمة أكبر 10 صادرات في البلاد بوجه عام، وفقاً لأحدث البيانات المتاحة.
وقال تجار لـ “وول ستريت جورنال”، إنهم يتوقعون تراجع إنتاج السودان من الصمغ العربي بنحو النصف خلال الموسم الجاري، الذي يمتد من أكتوبر حتى مايو، بعدما انضم العديد من الشباب الذين كانوا يعملون في العادة في حصاد الصمغ إلى القتال، فيما تملك آخرين الخوف إلى الحد الذي جعلهم يلزمون بيوتهم، ولا يخرجون للاستفادة من الأشجار.
وفي الوقت نفسه ارتفعت أسعار الصمغ العربي بنحو الثلثين، لتصل إلى 5 آلاف دولار للطن المتري، حسبما ذكر التجار لـ “وول ستريت جورنال”.
وقال التجار، إن الجزء الأكبر من الصمغ العربي السوداني، يمر في الوقت الحالي عبر مدينة الأبيض لتصديره عبر تشاد ومصر ومدينة بور سودان السودانية الساحلية على البحر الأحمر.
وقال رشيد أموي، الذي يراقب تجارة السلع في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وهي وكالة تعمل على تعزيز مصالح الدول النامية في التجارة العالمية، لـ “وول ستريت جورنال: “إذا كان هناك أي نقص في الصمغ العربي في السوق العالمية، فإن التداعيات يمكن أن تكون خطيرة للغاية”.