حرية – (27/5/2024)
مشروعات متكاملة تجري حالياً لتنمية سيناء في قطاعات متعددة، بينها القطاع السياحي، فإلى جانب السياحة الترفيهية والشاطئية التي تزخر بها جنوب سيناء، يجري حالياً مشروع متكامل يرتكز على السياحة الدينية تحت عنوان التجلي الأعظم في منطقة سانت كاترين لما تمثله من أهمية تاريخية وسياحية كبرى باعتبارها واحدة من المناطق التي سجلتها الـ”يونيسكو” كتراث عالمي في مصر.
وضمن مشروع التجلي الأعظم الجاري تنفيذه في سيناء خلال الفترة الأخيرة أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أنه سيتم إحياء مسار خروج بني إسرائيل من مصر ليكون ضمن المواقع السياحية التي تنظم لها رحلات في سيناء.
منذ أن أعلن الخبر الذي لم يوضح تفاصيل هذا المسار، ولا أهم المواقع التي سيشملها ثارت حالة من الجدل بين المتخصصين، فالبعض يرى أن هناك بالفعل مواقع ثابتة ومحددة مرتبطة بمسار خروج بني إسرائيل من مصر أبرزها عيون موسى، وجبل موسى، وشجرة العليقة المقدسة بدير سانت كاترين وهي مواقع ثابتة وقائمة بالفعل.
فيما يتصور أثريون آخرون أنه لا يوجد دليل دامغ على الطريق الذي سلكه بنو إسرائيل للخروج من مصر وأنهم قد يكونون سلكوا طريقاً وعراً غير مأهول باعتبار أنهم كانوا يفرون من فرعون فلا يعقل أن يسيروا من الطرق المأهولة للقوافل في سيناء أو يسيروا من الطريق الشمالي على ساحل البحر المتوسط، الذي كان وقتها مليئاً بالقلاع والتحصينات العسكرية.
الأنبياء والآثار المصرية
تاريخ اليهود في مصر وأحداث قصة النبي موسى دائماً ما كانت مثيرة للتساؤلات وخرجت عشرات الأبحاث في هذا الشأن تبحث فيمن هو فرعون الخروج، وأين وقعت هذه الأحداث، وأين كانت أبرز المواقع؟
وأخيراً، خرجت بعض الأصوات تدعي أن هذه الأحداث لم تقع في مصر من الأساس وأخذوا يبرهنون على ذلك ببعض الافتراضات التي لاقت اعتراضات من غالب علماء الآثار المتخصصين باعتبار أنه لا يوجد أي دليل علمي نصاً كان أو أثراً.
يقول عالم المصريات ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية حسين عبدالبصير، ما يتردد من أن هذه الأحداث في عهد النبي موسى وقعت خارج مصر هو افتراضات ليس لها أي أساس من الصحة، والدليل على ذلك نصوص الكتب المقدسة التي تعد المرجع الأساس لتلك الأحداث.
مسار خروج بنى إسرائيل يأتي ضمن تنمية السياحة في سيناء
يضيف، وعلى رغم أنه من الثابت إلى الآن، طبقاً لعلماء الآثار، أنه لم يصور الأنبياء على آثار مصر القديمة، وهذا له عدة تفسيرات بينها أن التاريخ دائماً ما يكتبه المنتصر ليسجل ويوثق إنجازاته التي حدثت في عهده، فالملك الذي عاصر موسى لن يفضل هو أو خلفاؤه أن يذكروا تلك الأحداث باعتبارها كانت هزيمة كبيرة لهذا الملك، وإلى الآن لا يوجد أي دليل يثبت من هو فرعون الخروج الذي حدثت في عهده تلك الأحداث، وكلها اجتهادات لا يوجد عليها دليل أثري قاطع.
يتابع، الأمر ذاته ينطبق على مسار خروج بني إسرائيل في مصر، فالثابت أنهم خرجوا من طريق سيناء، ولكن لا يوجد ما يؤكد مساراً معيناً رغم بعض المواقع المقترحة على أنها كانت في خلال ذلك المسار، ففي تلك الفترة كان هناك طريق حورس الحربي شمالاً. ولا يبدو منطقياً أنهم خرجوا منه باعتبارهم خرجوا فارين من الملك، فالأكثر منطقية أنهم خرجوا من وسط أو جنوب سيناء من طريق وعر غير مأهول.
يوضح، أن الاكتشافات الأثرية متوالية ومستمرة ويمكن لاحقاً أن يتم اكتشاف آثار رصدت مشاهد للأنبياء والأحداث التي وقعت في عهدهم في مصر، ولكن إلى اللحظة، لا يوجد ما يدل على ذلك في الآثار المصرية القديمة.
يستكمل، في الوقت ذاته كان اليهود في عهد مصر القديمة أقلية، وليس لهم تأثير يذكر، ولم يرد ذكرهم إلا في حالات محدودة جداً، بينها لوحة الملك مرنبتاح بن رمسيس الثاني الذي صوَّر انتصاره عليهم ضمن انتصارات متعددة، وقد ذكروا تحت وصف “إسرائيل” كقبيلة أو جماعة وليس كإشارة لمكان، مما يعنى أنهم كانوا رُحلاً غير مستقرين في موقع بعينه.
وأضاف، أنهم ذكروا أيضاً في عهد الملك شاشانق الأول الذي هزم كثيراً من الشعوب المقيمة في أرض فلسطين في عصر الانتقال الثالث، وتحديداً في بداية عصر الأسرة الـ22، وصور انتصاره عليهم على أحد آثاره الشهيرة في معابد الكرنك بالأقصر.
“التجلي الأعظم” وتنمية سيناء
مشروع التجلي الأعظم الجاري العمل عليه منذ ما يزيد على سنة، يقع بالمنطقة الواقعة بين جبل سانت كاترين وجبل موسى ويستهدف جذب مليون سائح كل سنة إلى هذه المنطقة الأثرية والتاريخية، وحالياً جارٍ تنفيذ 14 مشروعاً لتطوير المنطقة وتطوير مدينة سانت كاترين.
عن أهمية وتأثير المشروع يقول المتخصص في الشأن السياحي محمد كارم، المشروعات الجاري تنفيذها في سيناء حالياً ضمن مشروع التجلي الأعظم ستسهم في تدفق أعداد كبيرة من السائحين المهتمين بالسياحة الدينية، وتنفيذ هذه المشروعات يعتمد بصورة رئيسة على الحفاظ على البيئة ويحقق مفهوم التنمية المستدامة ويتوافق مع الطابع العام للمنطقة.
وأشار إلى أن المشروع يضيف إليها ويمثل أحد عوامل قوتها بعدم تنافره مع طبيعتها الخاصة، وبالفعل يعد دير سانت كاترين واحداً من أهم الوجهات السياحية في سيناء ولكن هذه المشروع سيضيف كثيراً إذا تم التسويق الجيد لها، فلا بد من العمل على فتح أسواق جديدة ودراسة كل سوق منها على حدة لتتحقق أفضل النتائج.
تتضمن الآثار المصرية العديد من الأثار الدينية التي يعود تاريخها لكل الأديان
يضيف كارم أن المشروع يأتي كجزء من كل فاهتمام الدولة المصرية بالسياحة الدينية ملحوظ منذ سنوات عدة، وهناك أكثر من مشروع قائم مثل مسار رحلة العائلة المقدسة، وتطوير مساجد آل البيت، وتطوير المعبد اليهودي بالقاهرة، ومنطقة مجمع الأديان، إضافة إلى المشروع المعلن عنه أخيراً لمسار خروج بنى إسرائيل في سيناء، إضافة إلى الاهتمام بالترويج السياحي للمواقع الخاصة بالسياحة الدينية في أنحاء البلاد، وهي كثيرة ومنتشرة من الشمال للجنوب.
وفي السياق يقول عضو غرفة شركات السياحة حسام هزاع، منطقة سيناء ومواقعها الأثرية وأبرزها سانت كاترين ليس لها مثيل في العالم وكانت تحتاج إلى قدر من الاهتمام حتى يمكن أن توضع على الخريطة السياحية بصورة أكبر، ولكنها كانت تحتاج إلى بعض الخدمات مثل الفنادق ووسائل النقل التي سيوفرها المطار الذي سيفتتح حديثاً إضافة إلى توافر استراحات ومستشفيات وكل ما من شأنه أن يوفر الراحة لزوار المنطقة ويدفعهم إلى الإقامة فيها بدلاً من زيارتها بصورة سريعة.
يضيف، السائح المهتم بالسياحة الدينية طبيعته تكون مختلفة فغالباً هو أكبر سناً وإنفاقه أعلى واهتماماته تختلف عن السياح القادمين للسياحة الترفيهية أو الشاطئية، ومصر لديها كل المقومات التي تؤهلها لتحتل مكانة كبيرة في مجال السياحة الدينية باعتبارها تضم مواقع أثرية مهمة تعود لكل الأديان، وبالتالي فمن المتوقع أن تكون هذه المشروعات إضافة كبيرة للسياحة في مصر إذا تم الترويج لها بصورة جيدة.