حرية – (28/5/2024)
هناك سؤال متكرر في دوائر المهتمين بعالم الإدارة وطرق الحصول على وظيفة، وهو متعلق بالمظهر اللائق في أول مقابلة تخص العمل الجديد، إذ يصاب المتقدم للوظيفة بحيرة: هل من اللائق أن ينتعل حذاءً رياضياً مريحاً مع الزي الرسمي أو نصف الرسمي، أم الأفضل أن يكون حذاؤه كلاسيكياً بلون غامق مع جوارب قاتمة كذلك؟
كل هذا الاهتمام طبيعي لأن الانطباعات التي تخلفها الملابس هي بمثابة رسائل ما بين الجدية والسخرية وعدم الاكتراث والاستهتار وحتى التعالي أو التواضع، وطالما كانت أفكار الأزياء جزءاً مهماً من الشخصية ومفرداتها، لذا يعين كبار المشاهير مسؤولاً خاصاً عن تلك النقطة ليتحمل عنهم هذا العبء الثقيل والمزدحم بالتفاصيل.
هذا الأمر كان معمولاً به على نحو شديد الدقة في عالم السياسية، بل إن ملابس العاملين في هذا المجال كانت محدودة للغاية، في معظمها، في ما يتعلق بالتصاميم والأسلوب، إذ كانت فخمة لكنها أبعد ما تكون عن الرفاهية المبالغ فيها والابتذال، وعلى رغم بساطة صيحاتها فإنها أيضاً لا ينطبق عليها مصطلح التواضع أو الذوق المتدني.
ربما تلقى سوناك نصيحة من أحد خبراء الموضة بأنه سيبدو أكثر طولاً حينما يرتدي سراويل أقصر
حتى وقت قريب كانت أزياء كل شخصية متوقعة ومعروفة وتدور في إطار محدد ما بين الزي الوطني التراثي كزي رسمي لحاكم البلاد، أو بذلة غربية معتادة بألوان محددة، وكان يشذ عن القاعدة عدد قليل للغاية في مواقف بعينها، ويكون الهدف إرسال رسالة محددة تجري بعدها العودة إلى المسار التقليدي.
أخيراً، تزايدت النماذج التي تكسر المألوف وتخرج بمظهر ما بين الصادم وغير المتوقع أو حتى غير اللائق أو المتسم بالغرابة، فهل الانفتاح على نوعيات الملابس في عالم السياسة نوع من التمرد على الشروط الصارمة يتماشى بدوره مع التغيرات الجارية في عقليات الجماهير المتصلة بالإنترنت طوال اليوم، أم أن هناك توجهات وأفكاراً قوية إلى هذا الحد يرغب رجال ونساء الحقل السياسي في إيصالها على هذا النحو؟
صيحة الأحذية الرياضية
اللافت أن بعض من تلك المواقف التي أثارت الجدل في شأن مفهوم الموضة بدنيا السياسة، حرص أصحابها على إبداء تفسيرات واضحة لها وتوضيح دلالتها كجزء من خطتهم الترويجية لرأي ما أو فكرة ما، لكن الجانب الأكبر ظل بلا تفسير وكأن الغموض كان هدفاً بحد ذاته، وظل عرضة لتكهنات المحللين والمهتمين بهذا الشأن.
قبل أسابيع قليلة على سبيل المثال أثار تصرف رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني الاستهجان، نظراً إلى اختيارها انتعال حذاء رياضي أثناء لقاء رسمي جمعها برئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة في العاصمة طرابلس، إذ تناول اللقاء الذي حضره مسؤولون آخرون عديداً من الملفات السياسية والأمينة من بنيها خطط مكافحة الهجرة غير الشرعية، وانتشرت صور جورجيا عبر منصات الـ”سوشيال ميديا” وسط تعليقات غاضبة من الجمهور الليبي، الذي اعتبر ظهورها على هذا النحو قلة تقدير لمسؤولي البلاد، إذ كانوا جميعاً بملابس، وفق رأي معلقين، تليق بالحدث، عبارة عن بزات رسمية وجوارب وأحذية بألوان وقورة ومحايدة، فيما رئيسة الوزارة الإيطالية تنتعل حذاءً رياضياً أسود مريحاً وكأنها في نزهة، على عكس المتعارف عليه في مثل هذه اللقاءات.
لكن ربما كان الموضوع أبسط من كل تلك التأويلات، لا سيما أن صيحة الحذاء الرياضي في ملابس السياسيين الغربيين باتت رائجة ومتكررة في عديد من المواقف، وعلى رغم أنها لا تزال تواجه باستهجان من قبل المتابعين وكأنها معيبة، فإن هذا لم يثن القادة عن اتباع هذا التوجه في ظروف معينة، فبعد نحو شهر من توليها منصب رئاسة وزراء المملكة المتحدة أطلت ليز تراس زعيمة حزب المحافظين في مقابلة تلفزيونية مع المذيعة بيث ريغبي وهي ترتدي حذاءً رياضياً بسيطاً باللون الأبيض، وواجهت عاصفة من الانتقادات من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في إنجلترا، إذ اعتبروا اختيارها هذا المظهر دلالة على انفصالها عن الواقع وشعورها بالاسترخاء بينما الدولة تواجه أزمات طاحنة.
كان هناك اضطراب كبير في عديد من الملفات بعد أن خلفت ليز سلفها بوريس جونسون، الذي أجبر على الاستقالة من منصبه إثر ما عرف بفضيحة “بارتي غيت” المتعلقة بإقامته حفلات صاخبة في مقر رئاسة الوزراء خلال الفترة التي تم فيها فرض قيود صحية صارمة بعد تفشي وباء كورونا، واللافت أن ليز تراس نفسها لم تستمر في المنصب إلا فترة قليلة للغاية، إذ تولت مهامها في السادس من سبتمبر (أيلول) 2022، وأنهتها في الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه.
ثمن كسر القواعد
الانطباع الذي تخلفه الأزياء يترك تأثيراً هائلاً، ولا سيما في حقل السياسة، إذ يتأثر العامة كثيراً بأسلوب ظهور كل شخص يطرح برنامجاً ويقدم نفسه على أنه جدير بتمثيل الغالبية ويتمتع بشعبية، ومن المعروف أن مظهر السياسي البريطاني البارز وزعيم حزب العمال حتى سنوت قليلة مضت جيريمي كوربين، واجه انتقادات متوالية بسبب أسلوب ملابسه الذي وصف بالفوضوي والبسيط من قبل الجماهير والصحافة أيضاً، إذ كان يتخلى كثيراً عن ربطة العنق ويفضل أن يطل بصورة نصف رسمية، بل إن بعض الآراء في الصحافة البريطانية قالت إنه ربما لم يتمكن من أن يكون سيد “10 داونينغ ستريت” بسبب نفور الجماهير من أسلوب أزيائه نظراً إلى تشدد الذوق البريطاني في ما يتعلق بمعايير الأناقة.
طالما واجه أوباما هجوماً بسبب أسلوبه في تنسيق ملابسه حينما كان رئيساً للولايات المتحدة
وحتى لو كان هذا الرأي يحمل مبالغة كاريكاتيرية فإنه ليس بعيداً جداً عن أفكار الجماهير الإنجليزية في قصة الأزياء، إذ يولون اهتماماً ملحوظاً بها، وحتى الآن يضيق كثر بمظهر سراويل رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك أول رئيس حكومة للبلاد من أصول مهاجرة، إذ يلقى سوناك أطناناً من التغريدات الساخرة بسبب إصراره على ارتداء بنطلونات قصيرة، معتبرين أنها تبدو غير مناسبة له بل وهزلية وبلا ذوق أو حس بالأناقة، وهناك من شبه أسلوب ملابسه بإطلالات توم هانكس في فيلم ” “Big (كبير) عام 1988، إذ جسد شخصية الطفل غوش الذي يعيش في جسد شخص أكبر سناً إلا أن عقليته لا تزال في مرحلة الطفولة وتعبر أزياؤه عن تلك الفكرة.
التعليقات القاسية التي يلقاها سوناك لم تثنه عن طريقته في التعبير عن علاقته بالموضة وبحريته أيضاً في ارتداء ما يعد أنه يليق به، ولكنه أبدى استياءه من هذا الاهتمام في تصريح لصحيفة “ذا صن”، مشيراً إلى أنه لا يعد سراويله قصيرة إلى هذا الحد، فهو يفضلها بهذه الصورة لأنه يتضايق من ملامسة كاحله للملابس، بالتالي يحرص أن يكون بنطلونه فوق الكاحل بمسافة.
لكن بعض المتخصصين يرون أن سوناك ربما تلقى نصيحة من أحد خبراء الموضة تتعلق بأنه سيبدو أكثر طولاً حينما يرتدي سراويل تبدو أقصر بسنتيمترات من طول ساقه، فرئيس الوزراء البالغ من العمر 44 سنة وطوله 170 سنتيمتراً يصر على هذا التحدي على رغم الجدل، مما يعلق عليه بعض رواد موقع “إكس” بأنه ربما يسعى إليه نظراً إلى أنه يشغل الجماهير بعض الشيء عن الأزمات السياسية المتعلقة بملفاته الثقيلة، ومن بنيها الضرائب على سبيل المثال.
واللافت أن سوناك الذي يتباهى بجواربه الطويلة التي تظهر كلية بسبب سرواله القصير، أضاف عبئاً جديداً على إطلالته حينما ظهر الشهر الماضي في مقابلة جادة تتحدث عن قرارات الحكومة وتناقش شؤون تهم الناخب البريطاني، بينما يرتدي “ستايل” الملابس نفسه مع حذاء رياضي من علامة “أديداس”، وهو ما اعتبره خبراء الموضة “إطلالة كارثية”، وهو أمر متوقع في البلد التي يصنف مواطنها تشارلز فريدريك وورث (1826 – 1895) على أنه مؤسس فن تصميم الأزياء الراقية بالعالم، إذ اعتبر خبراء الموضة في إنجلترا أن مظهر سوناك بالحذاء الرياضي على طقم كلاسيكي جاء بنتائج عكسية، بينما وصفته مجلة “جي كيو” المتخصصة في الموضة والـ”لايف ستايل”، بأن سوناك حاول تقديم نفسه على أنه صغير في السن ويحمل أفكاراً شابة في الأناقة، ولكنه دمر موديل هذا الحذاء الرياضي إلى الأبد.
فن انتقاء الملابس اللائقة
هل كان سوناك يقصد ارتداء حذاء بسعر زهيد الثمن ليطمئن العامة إلى أنه لا يعيش في برج عاجي أو رفاهية مطلقة، بينما هو يمتلك ثروة تضاهي مليار دولار أميركي؟ حتى لو كان الأمر كذلك فإن الموقف انقلب ضده واتهم بأنه يستخف بمظهره كما يستخف بالناخبين، فلم يراع مبدأ أن لكل مقام مقالاً، وأن ما يلائم النزهة الرياضية أو المكوث وسط الأصدقاء المقربين لا يناسب بطبيعة الحال لقاء يتحدث عن السياسات الاقتصادية القاسية، بخاصة أن سياسيين كثراً أجادوا توظيف ارتداء الحذاء الرياضي في مناسبات عدة، بينهم كامالا هاريس الذي انتعلته مراراً في أثناء حملتها الانتخابية قبل أربعة أعوام كنائب لرئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن، وعلى رغم صدمة البعض من عدم التزامها بقواعد البروتوكول السياسي في الملابس فإنها تمتعت بحس جيد في تنسيقها لتبدو ملائمة لها. وعلى رغم أن باراك أوباما طالما واجه هجوماً بسبب أسلوبه في تنسيق ملابسه حينما كان رئيساً للولايات المتحدة، فإن هناك بعض الإطلالات القليلة التي ظهر بها ونالت الإعجاب وبينها إطلالته بملابس “كاجوال” وحذاء رياضي، إذ اعتبر أن هذا المظهر يليق به مقارنة بالبزات الرسمية، ولكنه بالطبع غير ملائم للمقابلات الرفيعة المستوى.
الجوارب المرقطة تنتصر
“الموضة مرتبطة بالأفكار وأسلوب حياتنا وما يحدث من حولنا”، هكذا قالت رائدة تصميم الأزياء الفرنسية كوكو شانيل (1883 – 1971)، بالتالي فبعض رجال السياسة يواجه أزمات وسخرية لاذعة لخروجه عن الخط المتعارف عليه في بروتكول الملابس الرسمية، بينما آخرون يمكن أن يرتدوا أشياء غريبة ولكنهم ينجحون في إقناع العالم بحجتهم، فيتحول الموقف إلى تصرف مبرر ومستساغ، بل ربما يكون لطيفاً ويحظى بالإشادة.
النموذج الأقرب هنا هو رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (52 سنة)، الذي دأب على ارتداء جوارب ملونة بتصميمات فاقعة ومزين بصور مختلفة، بينها بط أصفر اللون أو تيمات سلسلة أفلام “حرب النجوم” أو رمز لعلم بلاده أو مرقطة بألوان حمراء، إذ لم يتردد في ارتدائها بكبرى المحافل ومنها “منتدى دافوس”، وخلال لقاءاته كبار المسؤولين وحتى في اجتماعات حلف شمال الأطلسي (ناتو)، حتى إن المستشارة السابقة لألمانيا أنغيلا ميركل كانت قد أثنت على تصميم أحد تلك الجوارب في تغريدة لها قبل سنوات، كما قام ترودو بلفتة استثنائية بالنسبة إلى رئيس الحكومة الكندية، وهي ارتداء جوارب تحمل تهنئة بعيد الفطر مزينة بكلمات باللغة العربية، إذ أعلن من خلالها دعمه للجاليات المتنوعة في بلاده التي تفتح أبوابها للمهاجرين من كافة الأعراق.
الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي حول ملابسه إلى لوحة يستخدمها كيفما يشاء
وعلى رغم أن هذا الذوق يليق أكثر بالأطفال الصغار، فإن ترودو نجح في لف النظر إلى تلك الاختيارات وجعل الجميع يتساءلون ويبدون اهتمامهم، قبل أن يكشف عن السبب، وهو متعلق بدعمه لعلامة تجارية تصنع تلك الجوارب يمتلكها شاب مصاب بالتوحد يدعى جون كونن، إذ يتبرع إلى جانب من الأرباح لمساعدة المصابين بأمراض التصلب المتعدد ومن يعانون إعاقات. هذا المبرر الإنساني الذي أسهم في الدعاية لتلك العلامة على نحو غير مسبوق نال الإعجاب بشدة، ولم يعد مصطلح “دبلوماسية الجوارب”، الذي أطلقه رواد الـ”سوشيال ميديا” على أسلوب ترودو في وقت سابق، يثير السخرية أبداً منذ ذلك الحين.
عدوى الجوارب الملونة وصلت إلى عديد من القادة الأصغر سناً في أوروبا والأميركتين، والذين يتمتعون بحس فكاهي وينفتحون على التجريب، ومن بينهم رئيس الوزراء الإيرلندي ليو فاداكار (45 سنة)، الذي تباهى بجواربه الحمراء والمزركشة أكثر من مرة، وأحداها حينما التقى بترودو نفسه، إذ رحب به من خلال زوجين من الجوارب التي تحمل شعارات تعبر عن تقديره لدولة كندا، ورفعها أمام عدسات الكاميرات.
هل البروتوكول إلى زوال؟
على رغم أن بول بريمر لم يستمر كحاكم مدني للعراق عقب الغزو الأميركي سوى عام واحد، إذ انتهت مهمته في يونيو (حزيران) 2004، فإن صورته لا تزال عالقة في الأذهان بمظهر ملابسه الغريب غير المتناسق، والذي يعتمد فيه صيحات متناقضة تثير الدهشة، إذ كان يرتدي بذلة كلاسيكية أنيقة لكنه ينتعل معها حذاء من صيحة رعاة البقر بلون معاكس للسترة الداكنة، وهو أمر بدا منفراً وغير مفهوم، فيما أرجع المراقبون تلك الطريقة في الملبس إلى رغبته في أن يصبح مظهره عنواناً لتفصيلة أساس متعلقة بالثقافة الشعبية الأميركية، وعلق كثر على أن اختيار هذه اللفتة على وجه التحديد يبعث برسالة سلبية تتعلق بالعنف والاعتداء وليس القوة والسيطرة فحسب، وعلى ما يبدو فإن هذه الرسائل قد وصلت بالفعل إلى الشعب العراقي، إذ تعرض بول بريمر للرشق بالحذاء من قبل شاب عراقي كان من ضمن أحد حضور مؤتمر صحافي عقده السياسي الأميركي في العاصمة الإنجليزية لندن عام 2013.
خلال زيارته للقدس عام 1977 ارتدى السادات ربطة عنق مزينة بنقوش الصليب المعقوف
فكيف نصنف تعدد حالات الابتعاد عن الزي الرسمي أو حتى الملائم في ما يتعلق بأسلوب أناقة قادة العالم الذين يرسمون السياسة الدولية؟ هل هي تصرفات فردية أم أن هناك بالفعل توجهاً للابتعاد عن المعايير الصارمة في هذا الشأن؟
ترى المتخصصة في مجال العلاقات الدولية إيمان زهران أن الأمر لا يتعدى كونه حالات فردية ولا يتعلق أبداً بالتحلل من البروتوكولات الرسمية لأنها لا تزال قائمة، وقد تحمل تلك الممارسات المحدودة رسالة سياسية أو اجتماعية، مبدية مثالاً بجوارب رئيس الوزراء الكندي، فحينما تكرر الأمر في عديد من المنصات الدولية أصبح هناك سؤال مباشر حول ما تحمله تلك الجوارب من رسائل، وقد اتضح أنها رسائل دعم إنساني، إذ إن الشركة المنتجة للجوارب مسخرة لجمع التبرعات ومساعدة المصابين بإعاقات.
الأفكار السياسية المبطنة اتخذت من أزياء القادة مسرحاً لها بأكثر من طريقة، إذ لا يمكن أن ينسى المهتمون بمتابعة سلوكات الرؤساء ما فعله الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات حينما ارتدى رابطة عنق مزينة بنقوش الصليب المعقوف رمز النازية التي يعدها الإسرائيليون عدوهم الأكبر تاريخياً، وذلك خلال زيارته الأولى للقدس عام 1977، ويرى كثير من المحللين أن هذه اللفتة كانت ذات مغزى وتنم عن أسلوب السادات في الكيد، وتعبر عن إعجابه ببعض أفكار هتلر كذلك.
الملابس كمنشور سياسي
الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي حول ملابسه إلى لوحة يستخدمها كيفما يشاء، فهي مرة ملونة ومبهرجة وفوضوية للتماس مع الأزياء التراثية الأفريقية ومن أجل أن يثبت أنه ملك ملوك أفريقيا كما كان يرى ذاته، ولم يتردد أيضاً في ارتداء زي عسكري مزين بألوان يعبر من خلالها عن كونه القائد العسكري العربي الأبرز والقادر على توحيد الأمة، وفقاً لما جاء في تحليل سابق عنه بمجلة “تايم”. كذلك حملت ملابسه في أحيان كثيرة صوراً لقادة وزعماء وشخصيات تاريخية بينهم جمال عبدالناصر، كما ارتدى بذلة عسكرية حملت صورة من عملية شنق المناضل الليبي عمر المختار الذي قاوم الاستعمار الإيطالي، وذلك في أثناء لقاء جمعه برئيس الوزراء الإيطالي الراحل سيلفيو برلسكوني، وبالطبع كانت الرسالة واضحة وتتعلق بتذكير الإيطاليين بما ارتكبوه في ليبيا إبان فترة الاحتلال، وتباين أسلوب القذافي وتعدد إطلالاته جعل البعض يعتقد أنه ربما قلد أيضاً نجم البوب الراحل مايكل جاكسون في بعض الإطلالات.
أصبحت سترة ماو رمزاً لأفكار البلاد وظلت لعقود هي المفضلة لدى طبقة مثقفي الصين
كذلك كانت بذلة الزعيم الصيني مؤسس جمهورية الصين الشعبية ماو تسي تونغ، الذي وحد البلاد تحت راية الشيوعية، رمزاً أساساً لأفكاره الاشتراكية، وهي التي ارتداها في أثناء خطابه بوسط العاصمة بكين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) عام 1949، وهو يلقي خطابه الحماسي معلناً انتصار الشيوعيين في الحرب الأهلية، وقد أصبحت رمزاً لأفكار البلاد وظلت لعقود هي المفضلة لدى طبقة مثقفي الصين وكذلك للمؤمنين بأفكار زعيمها في أنحاء العالم، إذ سميت “بذلة ماو”، وهي مصممة لتبتعد عن صورة نظيرتها الغربية المعتادة، وقد تميزت بياقتها المرتفعة وسترتها الفضفاضة والطويلة نسبياً والمطعمة بجيوب على الجانبين وأزرار بارزة في المنتصف، مع بنطلون واسع كذلك.
ترى المتخصصة في الشأن السياسي إيمان زهران أن الأمر بالنسبة إلى حالة الرئيس الراحل أنور السادات، فقد كان ناجحاً في توظيف الملابس في إدارة الحوار السياسي، وهو ما انعكس بصورة واضحة على كم الرسائل غير المباشرة التي انطوت على زيارته الشهيرة إلى القدس وخطابة في “الكنيست” الإسرائيلي. كما تفسر زهران تصرفات القذافي، بخاصة في ما يتعلق بالملابس الأفريقية، بأن هدفها كان السعي لبناء التصورات الذهنية لدى شعوب القارة، ومن ثم التسويق لتطلعاته حول فرضية “ملك ملوك أفريقيا”. وتختتم تعليقها بالتأكيد أن غالب السياسيين دائماً ما يسعون إلى تطويع كافة الأدوات البصرية المتاحة، وفي مقدمها الملابس، لنقل رسائل مباشرة وغير مباشرة نستشف من خلالها موقفاً سياسياً أو اجتماعياً أو إنسانياً معيناً، وعلى إثره يعبأ الرأي العام لترويجه وقياس أبعاده والتنبؤ بارتداداته على كل المستويات محل الاستهداف.