حرية – (29/5/2024)
قسنطينة والقسطنطينية مدينتان عرفناهما في منطقتنا، ولكل منهما تاريخ واسع وكبير، وبسبب موقعيهما الجغرافيين وغناهما الثقافي والتاريخي كانتا مطمعاً للغزاة على مر العصور، وحملت كل مدينة هذا الاسم الشهير وأسماء أخرى. لكن هل تدرك الفرق بين قسنطينة والقسطنطينية؟ وهل تعرف لماذا تشابه اسماهما؟
ما الفرق بين قسنطينة والقسطنطينية؟
مدينة “قسنطينة” أو “قسنطينية” وقعت في الجزائر، أما القسطنطينية فهو الاسم التاريخي لمدينة إسطنبول التركية، وتبعد المدينتان عن بعضهما بأكثر من 2000 كيلومتر رغم تشابه اسميهما، واشتراكهما في بعض صفحات التاريخ.
تاريخ قسنطينة وأسماؤها
تعتبر قسنطينة إحدى أهم وأعرق المدن الجزائرية؛ حيث تقع في مركز الشرق الجزائري على بعد نحو 400 كيلومتر عن العاصمة الجزائر، ومنها كانت انطلاقة نهضة الجزائر في العصر الحديث والحركة العلمية التي خرجت من الجزائر.
حيث جاءها الباحثون عن العلم من كل حدب وصوب خلال الحقبة الإسلامية للنهل من علومها، وهذا ما يشرح سبب انتشار المدارس الشرعية فيها، وشهرة الكثير من عائلاتها بالعلم.
قسنطينة أو Constantine بالإنجليزية، بُنيت فوق جبل صخري من الكلس القاسي الذي يطل على السهول والمزارع، فيما يشقها وادٍ سحيق يعرف بوادي الرمال، وتعتبر من أهم المدن في الدولة القرطاجية، سكنتها أسرة “سيفاكس” التي أسّست لها مملكة في الجزائر.
حملت اسماً قديماً أيام الفينيقيين وهو “سيرتا” أو “سرت” وهو اسم كنعاني فينيقي ويعني المدينة أعطاه لها الملك النوميدي سيفاكس، والذي اتخذ منها عاصمة لمملكته التي نشأت في الفترة ما بين 206 و46 قبل الميلاد، حسب ورقة بحثية بعنوان “سيرتا من خلال النقيشات اللاتينية المحفوظة”.
سيطر الرومان على قسنطينة أثناء العهد البيزنطي، وبعد أن أمر الإمبراطور ماكسيناس بتخريبها، بعد تمردها سنة 311 ميلادياً على السلطة المركزية، أمر قيصر الروم قسطنطين الأول بإعادة بنائها وإقامة الحصون لها.
أطلق على المدينة اسم قسطنطين، ثم حوّر الاسم باللغة العربية إلى قسنطينة. بينما سماها الفرنسيون بـ “عش النسر”؛ إذ ساعدها موقعها ووادي الرمال الذي يحيط بها من الجهات جميعها في أن يجعلها عصية على الغزاة.
وقد سماها ابن خلدون “قسطنطينة”، بينما سماها الأديب والرحالة الرومي البغدادي ياقوت الحموي “قسنطينة”.
أصبحت قسنطينة خلال العهد العثماني أحد أهم المراكز الحضارية للجزائر؛ حيث كانت عاصمةً لبايلك الشرق الذي يمتد نفوذه حتى تونس، وتبع حكمها بالباي الذي تعيّنه السلطة المركزية في الجزائر العثمانية.
كما كان يشار إلى قسنطينة باسم “مدينة الجسور المعلّقة” لامتلاكها عدداً من الجسور الخلابة التي تربط التلال والوديان المختلفة التي بنيت فوقها وحولها المدينة.
إذ وصفها شاعرها محمد بن محمد العيد آل خليفة:
بلد الهواء دعوك أم بلد الهوى
إني أراك لذا وذاك مجالا
قد ضمك الطود الأشم بصدره
وتعطف الوادي عليك ومالا
وجرى بجنبك ماؤه فكأنه
عافٍ يريد بجنبك استظلالا
وعلت جسورك في الهواء فأوثقت
ما بين عدوتيك وصالا
وازدان سفحك واستطال كأنما
هو ذيل طاووس مشى مختالا
تاريخ القسطنطينية وأسماؤها
أما “القسطنطينية” واسمها القديم “بيزنطة” فبُنيت في القرن السابع على مدخل البحر الأسود، وتشير المصادر التاريخية إلى أنها كانت قرية للصيادين.
أراد قسطنطين الأول إيجاد عاصمة ثانية للإمبراطورية إلى جانب العاصمة القديمة “روما”، فوجد أن استعمار القسطنطينية ذات الموقع الاستراتيجي سيحقق له ذلك.
القسطنطينية كانت تقع في تقاطع قارتي أوروبا وآسيا، ويحدها القرن الذهبي والبسفور وبحر مرمرة، وكل هذه المزايا تفيد في بناء الحصون والقلاع في منطقة مهمة استراتيجياً، وقد حدث ذلك في العام 330 ميلادياً.
تاريخياً، عُرفت مدينة إسطنبول بالكثير من الأسماء التي ذكرها المؤرخون، من القسطنطينية واسم يوناني يعني “إلى المدينة”، وحتى “روما الثانية”.
لكن بعد الفتح الإسلامي للقسطنطينية (29 مايو/أيار 1453) أطلق العثمانيون عليها اسم “إسلام بول”، ثم أصبح اسمها الرسمي في السجلات المسجلة عام 1930 الذي نعرفه الآن، وهو إسطنبول.
فعندما انتشرت وتوسعت الأراضي التابعة للخلافة الإسلامية في عصر الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، كان العالم مقسماً بين إمبراطوريتين ضخمتين تتنازعان لقرون في السيطرة على العالم، وهما الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية البيزنطية، وهما اللتان يعرفهما التاريخ الإسلامي ببلاد الفرس والروم.
حاول المسلمون فتح القسطنطينية في عهد السلطان العثماني مراد الثاني أبو محمد الفاتح، والسلطان بايزيد يلدريم، كما حاول مسلمة عبد الملك التي كانت بعيدةً في الزمن.
إذ اختار الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، أخاه مسلمة بن عبد الملك، وأحد أكبر وأمهر القادة العسكريين في الخلافة الأموية في عام 716 ميلادياً، لإعداد العُدّة للفتح الأكبر من نوعه آنذاك، وهي القسطنطينية، التي كانت عاصمة للدولة البيزنطية حينها، كما استطرد عبد القادر جبارة في بحثه “مسلمة بن عبد الملك.. حياته وجهاده” .
لكن لم يتحقّق هذا الحلم إلا بعد 737 عاماً، وتحديداً في العام 1453 على يد السلطان العثماني محمد الفاتح، وكان فتح المدينة حامياً لإيقاف غارات البيزنطيين على بلاد المسلمين لمدة طويلة من الزمان، وتحولت المدينة إلى إسطنبول التي نعرفها اليوم.
قسنطينة والقسطنطينية.. لماذا تشابه الاسمان؟
ربما شرحت الإجابة نفسها عند ذكر اسم قسطنطين؛ إذ ارتبطت المدينتان قسنطينة والقسطنطينية في بعض مراحلهما التاريخية بالقيصر الروماني “قسطنطين الأول” (306-337 م).
وذلك عندما توسعت الإمبراطورية الرومانية لتمتد إلى أوروبا وأجزاء من أفريقيا وآسيا وتسيطر على مدينتي قسنطينة والقسطنطينية؛ الأولى الواقعة في الجزائر، والثانية المدينة التركية التي نعرفها حالياً، إسطنبول.
كما أُعيد بناء كل من المدينتين قسنطينة والقسطنطينية في عهد الإمبراطور الروماني قسطنطين، وهو عامل آخر لتشابه اسميهما الذي أطلق عليها خلال هذه الحقبة التاريخية، كما شرح موقع “الجزيرة الوثائقية”.
لكن كما شرح التقرير؛ حملت قسنطينة والقسطنطينية أسماء أخرى كثيرة على مدار تاريخهما الثري.