حرية – (29/5/2024)
مع أن زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى إلى بروكسل بداية الأسبوع الجاري انتهت بالاتفاق على ضرورة “إيجاد آليات” للدعم المالي السلطة الفلسطينية لمواجهة “أسوأ أزمة مالية” في تاريخها، إلا أن ذلك لم يصل إلى درجة الحصول على “تعهدات ملزمة”، في ظل وقف إسرائيل تحويل أموال المقاصة الفلسطينية المورد الأساس للموازنة.
وعلى رغم أن الأزمة المالية الحالية تعود إلى أكثر من سنتين ونصف السنة، فإنها تعمقت منذ بداية الحرب على قطاع غزة قبل ثمانية أشهر، ووصلت إلى حد صرف الحكومة 50 في المئة من قيمة رواتب موظفيها، وفي منتصف الشهر الجاري.
خطر الانهيار المالي
ويعود ذلك إلى اقتطاع إسرائيل من أموال المقاصة المستحقات المالية التي تدفعها الحكومة الفلسطينية “للأسرى وذوي الضحايا”، ثم اقتطاعها الأموال المخصصة لقطاع غزة اعتباراً من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأدى ذلك إلى ارتفاع نسبة الاقتطاع من المقاصة ليصل إلى 40 في المئة منها، أي نحو 130 مليون دولار شهرياً من إجمالي 275 مليون دولار.
لكن ذلك انتهى مع قرار وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بداية الشهر الجاري وقف تحويل المقاصة إلى السلطة الفلسطينية “حتى إشعار آخر”، بسبب توجهها إلى المحاكم الدولية، واعتراف دول أوروبية بدولة فلسطين.
وتبلغ قيمة رواتب موظفي الحكومة ومستحقات “الأسرى وذوي الضحايا ومصاريف أخرى” نحو 270 مليون دولار شهرياً.
ويأتي ذلك مع تراجع الإيرادات المحلية إلى أكثر من النصف في ظل وضع اقتصادي متدهور في ظل الحرب على قطاع غزة، ووجود مئات آلاف العاطلين من العمل.
وقبل أيام، حذر البنك الدولي من أن “خطر الانهيار المالي للسلطة الفلسطينية يتزايد بعد تدهور وضعها المالي في الأشهر الثلاثة الماضية”.
ووفق البنك الدولي فإن “الفجوة الآخذة في الاتساع بسرعة بين حجم الإيرادات والمبالغ اللازمة لتمويل النفقات العامة الأساسية تؤدي إلى أزمة مالية”.
مجموعة آليات
هذا وقال مسؤول فلسطيني رفيع، إن اجتماعات رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى مع بعض وزراء الخارجية العرب ووزراء خارجية الاتحاد الأوروبي انتهت بضرورة “تطبيق مجموعة من الآليات لتمويل الحكومة الفلسطينية”.
وأشار المسؤول إلى أن جميع من التقى بهم مصطفى شددوا على “أهمية توفير الدعم المالي للحكومة الفلسطينية”، مع إشادتهم بخطتها للإصلاح الإداري”.
وطالب اجتماع وزاري عربي – أوروبي، الأحد الماضي، في بروكسل بـ”ضرورة تعزيز ودعم الحكومة الفلسطينية برئاسة محمد مصطفى سياسياً ومالياً”.
وأفاد مسؤول فلسطيني لـ”اندبندنت عربية”، بوجود “مؤشرات إلى قيام السعودية بدعم مالي للحكومة الفلسطينية على أن يكون ذلك بالاتفاق مع مجموعة من الدول العربية”.
وأوضح أن “السعودية منخرطة بصورة غير مسبوقة بجهود دعم فلسطين سياسياً ومالياً”.
وأوضح المسؤول أن الدين العام وصل إلى 11 مليار دولار للمرة الأولى، في ظل امتناع إسرائيل عن تحويل المقاصة، وتدني المساعدات الخارجية، وانخفاض الإيرادات المحلية.
“مسكنات موقتة”
وكشف المسؤول أن الحكومة ستعمل على صرف جزء من الراتب قبل عيد الأضحى في الـ16 من الشهر القادم.
ويرى المحلل الاقتصادي جعفر صدقة أن أي دعم مالي خارجي “لن ينهي أو يخفف من الأزمة المالية، إلا أنه سيكون بمثابة مسكنات موقتة”.
وأشار صدقة إلى أن الأزمة المالية الحالية “تتدحرج وتتسع في ظل تجميد إسرائيل تحويل أموال المقاصة، وانخفاض الإيرادات المحلية”.
وانعكست الأزمة المالية على الشركات الفلسطينية الخاصة وعدد منها لم يعد يصرف كامل رواتب الموظفين بسبب عجز الحكومة الفلسطينية عن دفع المستحقات المالية.
هذا وأرجع الباحث السياسي معز كراجة الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مدعوماً باليمين المتطرف، يعمل على القضاء على أي تمثيل وطني فلسطيني يتمثل بالسلطة الفلسطينية.
وأوضح أن حجب تل أبيب أموال المقاصة يهدف إلى “إضعاف السلطة لأبعد حد ممكن لمعاقبتها بسبب وضع إسرائيل في المحاكم الدولية، واعتراف دولة أوروبية بدولة فلسطين”.
ووفق كراجة، فإن تشكيل حكومة فلسطينية جديدة جاء استجابة لابتزاز غربي للسلطة الفلسطينية، إلا أن ذلك لم يؤد إلى دعم مالي لها.
وأرجع كراجة ذلك إلى “انتظار الدول العربية والأوروبية مآلات الحرب على قطاع غزة، وغياب إجماع عربي على دعم السلطة الفلسطينية بصورتها الحالية، وعدم رغبة الدول الأوروبية بتأزيم العلاقة مع إسرائيل”.
“عدم رضا”
وبحسب كراجة فإن هناك “عدم رضا أوروبي عن السلطة الفلسطينية بسبب تغيير الحكومة من دون المساس بصلاحيات الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يتحكم بالحكومات بخلاف القانون الأساسي الفلسطيني”.
وأوضح أن ما يجري مجرد “تغيير في الوجوه في ظل قناعة خارجية باستشراء الفساد داخل السلطة الفلسطينية وغياب الشفافية”.
ويرى المحلل السياسي جهاد حرب أن الأزمة المالية الحالية للسلطة الفلسطينية “هي الأسوأ، وقد تهدد بتوقفها عن تقديم خدماتها الصحية والتعليمية وحتى الأمن”.
وأوضح أن الدول العربية ترفض تمويل السلطة بسبب “عدم رضاها” عن الحكومة الحالية، مشيراً إلى أن المطلوب عربياً ودولياً منح رئيس الوزراء صلاحيته الواسعة بحسب القانون الأساسي الفلسطيني، وتخلي الرئيس عباس عن تلك الصلاحيات.
واعتبر الباحث في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور أن قرار وزير المالية الإسرائيلي وقف تحويل أموال المقاصة يهدف إلى “معاقبتها على مواقفها في محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، وتزايد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين”.
وأوضح عصمت أن اليمين الإسرائيلي يتخذ “قرارات قاسية ضد السلطة، في ظل غياب أصوات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي تعارض تقويض السلطة وتعتبر وجودها مصلحة استراتيجية لإسرائيل”.
وأشار منصور إلى أن موقف الإدارة الأميركية “المتساهل مع استحواذ إسرائيل على أموال المقاصة يساعد حكومة نتنياهو على الاستمرار في إجراءات تقويض السلطة الفلسطينية”.
وخلال القمة العربية في المنامة، اشتكى الرئيس الفلسطيني محمود عباس من غياب الدعم المالي للحكومة الفلسطينية “كما كان متوقعاً على رغم أن حكومة مصطفى استقبلت بترحاب من العالم”.
هذا واعتبرت مصادر فلسطينية غير حكومية أن غياب الدعم المالي للسلطة الفلسطينية يعود إلى “افتقادها لأي خطة ملموسة واقعية لممارسة مهامها في قطاع غزة بالتوافق مع حركة حماس”.
وأوضحت تلك المصادر أن الدول العربية والأوروبية “لم تعد تدعم الطرف الضعيف فقط لأنه يساير المواقف الإقليمية الدولية”.