حرية – (30/5/2024)
لينا فتاة تبلغ من العمر 21 سنة تمر بمرحلة اكتشاف الذات، لذا قررت اللجوء إلى علم الفلك والأبراج في محاولة لفهم نفسها بصورة أفضل ومع ذلك سرعان ما أدركت أن هذا لم يكُن كافياً لفهم شخصيتها حقاً، مما قادها إلى التعمق في عالم علم النفس ومحاولة فهم نفسها من خلال إجراء الاختبارات النفسية لتحليل الشخصية التي طرحها عالم النفس كارل يونغ بهدف اكتشاف الذات.
عندما أصبحت لينا مهووسة أكثر فأكثر بهذه التصنيفات بدأت تعرف نفسها فقط من خلال برجها ونوع شخصيتها بوضع تلك التصنيفات على حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي، سعياً منها للتعريف إلى شخصيتها واستقطاب من يتوافق معها.
مع انتشار هذه الظاهرة ماذا يرى المتخصصون حول نشر هذه التصنيفات؟ وهل تصنيف النمط الشخصي ثابت ليدفع الإنسان إلى تثبيته في حساباته على التواصل الاجتماعي لبناء العلاقات؟ ولماذا أيقونة البرج مرتبطة برمز النمط الشخصي؟.
هل نشر النمط أمر إيجابي؟
فكرة الأنماط الشخصية مثل INTJ أو INTPظهرت من نظرية النموذج النفسي الذي طوره الطبيب النفسي السويسري كارل يونغ، ويعتمد هذا النموذج على تصنيف الأفراد لبعض الأنماط الشخصية استناداً إلى تفضيلاتهم وسلوكهم في التفاعل الاجتماعي واتخاذ القرارات.
وتستخدم هذه الأنماط الشخصية لفهم الذات بصورة أعمق، وتحسين التواصل وبناء العلاقات الشخصية والمهنية، وخلال الأعوام الأخيرة انتشرت ظاهرة بارزة في المجتمع تتجلى في استخدام الأشخاص للأنماط الشخصية في الـ”بايو”، مثل ظاهرة الأبراج ليصفوا نفسهم ويعبروا عن شخصيتهم.
يعتبر مستشار جودة الحياة الشخصية وتطوير الذات الدكتور عبداللطيف العزعزي أن انتشار هذه الظاهرة أمر إيجابي وصحي لذواتهم ليعرفوا أنفسهم جيداً، ولكي يحسنوا من علاقاتهم وتعاملاتهم مع من حولهم.
ويضيف أن أضع في صفحتي الشخصية أو (bio) على الإنترنت نمط شخصيتي فأنا بهذا التصرف أعلم الناس بكثير من صفاتي “الجيدة وغيرها، فيراها الحبيب والعدو، فيعرفون نقاط ضعفي، ما يقلقني ويحزنني ويخيفني ويزعجني وما لا أحبه”.
إلا أن العزعزي يؤكد أن الموضوع ليس للنشر لأن ذلك قد يجعل الشخص ضحية لمن يحملون الشر في نفوسهم وللمستغلين، وقد يفقده هذا التصرف (وضع نمط الشخصية في الـ”بايو”) فرصاً كثيرة مثل الارتباط أو العمل أو الشراكة في تجارة وغيرها، ويوضح أن هذا التصرف لا ينم عن وعي سليم، ولا حكمة الإنسان لأن الشخص كأنه يغلق على نفسه باب التحسن والتطوير والتغيير لما فيه الفائدة والخير له ولمن يتعامل معهم.
ثبات التحليل ومدى صحته
يثار التساؤل حول مدى دقة هذا الاختبار وقدرته على تحديد النمط الشخصي بصورة صحيحة، فقد يكون هناك أشخاص يظهرون سلوكاً ينتمي إلى نمط معين، إلا أن الشخصية كيان ديناميكي يتأثر بالتجارب والتفاعلات، فمن خلال التطوير الذاتي والعوامل الخارجية هل يمكن للفرد تحسين نمطه الشخصي؟.
يذكر العزعزي أن هذا سؤال أخذ منه أكثر من 25 عاماً في التفكير والملاحظة والتطبيق والممارسة، إذ هناك باحثون يقولون إن الصفات لا تتغير وهناك من يرى أن بعضها يمكن أن تتغير، أما بالنسبة إلى العزعزي فهو يميل إلى أنها تتغير بدرجة كبيرة، ولكن معظمها يحتاج من الشخص جهداً وإصرارا وممارسة بالاتجاه المعاكس للصفات التي يرغب في تغييرها.
ويوضح أن من نعت بأنه “انطوائي” وفقاً لتحليل أنماط الشخصية، يمكن أن يقوم بتفعيل الاتجاه المعاكس وهو الاتجاه “الانبساطي” من خلال التفكير وعمل ما يمكن أن يعمله ويمارسه بتركيز وجدّ ليحقق الاتجاه الانبساطي بدرجة معينة، فمن يراه ويرى أفعاله سيقول إنه شخص انبساطي، مع أن تصنيفه الأساس “انطوائي”، مما يظهر أن الإنسان قابل للتطور الفكري والشعوري والسلوكي، والانتقال من شخصية إلى أخرى بدرجة أو بأخرى.
أما بالنسبة إلى سطام الحربي فهو من المتخصصين الذين يرون أن هناك إمكاناً لتحسين النمط الشخصي بقوله إن السلوك ثابت نسبياً، ويمكن أن يغير من السلوكات عندما يريد ذلك وهذا يتم من خلال رغبة الفرد الداخلية في التغيير سواء اكتساب سلوك أو استبداله بآخر أو إيقافه بالكلية لأن الأصل في ذلك أن السلوك مكتسب”.
وعن مدى صحة اختبار الأنماط الشخصية يجيب العزعزي بعد تطبيقه على كثير من العملاء أن نتائج التحليل أعطت صحة عالية، إذ تعرف عدد كبير ممن طبقوا الاختبار إلى أنفسهم بدرجة كبيرة، وآخرون أيقنوا بأنهم فعلاً يحملون الصفات التي ذكرت في الاختبار. ويتابع أن النتائج تظهر درجة معينة من كل سمة من السمات الست لشخصية الإنسان تتكون من عنصرين يمثلان اتجاه اللبيدو “الطاقة النفسية” الانبساط والانطواء، والأربعة الباقية تمثل الوظائف والتفكير والشعور والحدس.
روابط مشتركة مع المهتمين بالأبراج
من خلال تصفح الحسابات الشخصية لبعض المستخدمين يلاحظ أن أيقونة البرج غالباً ما يجاورها رمز التصنيف الشخصي من تحليل كارل يونغ المتمثل في 16 رمزاً منها “INFJ” التي تعبر عن السمات الشخصية لـ”المستشار” أو “ESFJ” التي تعبر عن “المعطي”.
يذكر الحربي أن الذين يهتمون باختبارات أنماط الشخصية أو الأبراج لديهم دوافع للوصول إلى معرفة معينة جعلتهم يهتمون بهذا الأمر، ولكن يمكن أن الغاية واحدة للوصول إلى المعرفة، وربما تختلف الدوافع لهذه الغاية، فهناك أفراد يحاولون أن يفهموا أنفسهم لمعرفة شخصيتهم، وآخرون يحاولون أن يفهموا الإنسان وسلوكه والغايات مختلفة، وأشخاص يحاولون أن يفهموا الإنسان لمساعدته، وآخرون على عكس ذلك للإضرار بالآخرين والسيطرة عليهم، ولذلك عندما نفصل الأمر ونغوص في أعماقه نجد أن الدوافع مختلفة، ولا يمكن أن نحكم على من يهتمون بهذا الأمر أن هناك صفات يشترك فيها الجميع.
أما العزعزي، فيرى أن عدم معرفة الإنسان لأسباب فهمه وتفكيره ومشاعره ومن ثم سلوكه وتصرفاته، يجعله في حال من القلق أو الحيرة، ويتساءل ربما حول اختلافه عن غيره من أقرانه، فمعرفة الأسباب تجعل الإنسان أكثر وعياً وفهماً لما يسعده، ولما يزعجه ويجعله كذلك يحسن التعامل والتصرف وإدارة تفكيره وسلوكه في المواقف التي قد تكون فيها ردود أفعاله سلبية أو غير مقبولة.
وبالنسبة إلى تطابق تحليل الأبراج والأنماط الشخصية يقول العزعزي إن الباحثين والمتخصصين يدرسون شخصية الإنسان منذ القدم، ولكن الفرق بين باحث وآخر يكمن في زاوية دراسة الشخصية، وبذلك تكون النتائج في كثير من الأحيان غير متطابقة 100 في المئة، ليس اختلاف النقيض، وإنما اختلاف الزاوية، وهذا الاختلاف من الممكن أن يعطي معرفة جوانب أخرى للشخصية مما قد تعتبر اختلافات تكميلية “إضافية” بدرجة معينة.
ويرى أن تحليل الأبراج “الاعتماد على تاريخ الولادة فقط، وليس التنجيم” صفات معينة كأن يذكر أن شخصية البرج الفلاني يكون غيوراً وقوي الشخصية، ويتصف بعلو همته، وتحليل نمط شخصية هذا الشخص يقول عنه إنه قيادي وصاحب إرادة، ويضع أهدافه نصب عينيه، فيجد فيها درجة من التشابه، إلا أنه يميل إلى ذكر الصفات التي لها أسس علمية واضحة مثل أنماط الشخصية وغيرها.