حرية – (3/6/2024)
تتعقب حالياً مصالح الأمن العالمية، وبخاصة في هولندا وبلجيكا وإسبانيا والمغرب، زعيم المنظمة الإجرامية الشهيرة في أوروبا باسم “موكرو مافيا”، كريم بويخرشان، وهو بارون مخدرات من أصول مغربية، أفلح في الفرار من إسبانيا مباشرة بعد الإفراج عنه بكفالة من طرف القضاء الإسباني في شهر مارس (آذار) الماضي.
ويطلق اسم “موكرو مافيا” على منظمات مافيا يديرها مغاربة في هولندا وبلجيكا، تخصصت تهريب المخدرات الصلبة وترويجها منذ التسعينيات من القرن الماضي، وما زالت تشكل تحدياً كبيراً للأجهزة الأمنية في هولندا وبلجيكا على وجه الخصوص، وباقي دول أوروبا بدرجة أقل.
مخدرات وتهديد شخصيات سياسية
يقول الباحث المغربي محمد شقير في هذا الصدد إنه على غرار المافيا الإيطالية والألبانية والروسية في أوروبا والتي نقلت نشاطها إلى الولايات المتحدة، وغيرها من دول أميركا اللاتينية، ظهرت المافيا المغربية قبل سنوات في كل من بلجيكا وهولندا يتزعمها شخصيات من أصول مغربية.
وأكمل شقير بأن هذه المافيا المغربية اتخذت من الاتجار في الحشيش وتهريب المخدرات نشاطاً أساساً في هولندا وبلجيكا، وهما سوق رائجة لهذا النوع من النشاط، إذ سهل التقارب بين البلدين عملية الاتجار، موضحاً أن “هذه المافيا توسعت بمرور السنوات لتصل إلى مدريد وبرشلونة في إسبانيا، نظراً إلى أن هذه الأخيرة تعد منصة لعبور ونقل الحشيش من المغرب إلى إسبانيا، ومن ثم إلى بلجيكا وهولندا”.
ولفت شقير إلى أن خطورة “موكرو مافيا” تتمثل في تهديدها باختطاف شخصيات سياسية مثل الأميرة أماليا ولي عهد هولندا، ورئيس الوزراء مارك روته، وذلك لمقايضة إطلاق سراح أحد زعمائها وعقلها المدبر المدعو رضوان التاغي، البارون ذي الأصول المغربية المحكوم عليه بالسجن المؤبد، مما حقق لهذه المافيا شهرة عارمة في أوروبا، لا سيما بعد تسليط الإعلام الدولي الأضواء عليها.
سيناريو الهرب نحو المغرب
وتقتفي الأجهزة الأمنية في دول أوروبا، وبخاصة في إسبانيا وهولندا وحتى بلجيكا، في هذه الأيام، أثر زعيم “المافيا المغربية، كريم بويخرشان، بعد أن أفرج عنه من لدن إحدى المحاكم في مدينة مالقة الإسبانية قبل بضعة أسابيع قليلة، ثم “اختفى” ليتبين فراره بطريقة ما إلى خارج إسبانيا، بينما ترجح عديد من المصادر فراره إلى المغرب.
في هذا السياق يقول الباحث في الشؤون الأمنية محمد بن لعرج إن هناك حديثاً متنامياً بخصوص سيناريو فرار زعيم “موكرو مافيا” إلى المغرب بعد الإفراج عنه بكفالة مالية وشروط تقييدية في إسبانيا، سالكا طريقاً بحرية معلومة عند تجار المخدرات.
واستطرد الباحث عينه بأن “الذين يطرحون سيناريو فرار بويخرشان إلى المغرب، خصوصاً إلى مسقط رأسه بضواحي الناظور في الريف المغربي، يستندون إلى الروابط القوية التي تجمعه بأهله وقرابته في بلده الأصلي، ما قد يجعله يقدم على خطوة الهرب والاختباء هناك إلى أن تهدأ العاصفة”.
ولفت الباحث إلى أن هناك مذكرتي اعتقال، واحدة أوروبية وأخرى دولية من طرف “الإنتربول”، صدرتا أخيراً في حق زعيم “المافيا المغربية”، بعد أن خرق قرار المحكمة الإسبانية بالمثول مرة كل أسبوعين أمامها.
وفي حالة سيناريو وجود كريم في المغرب، أفاد الباحث الأمني بأن أمر اعتقاله سيكون مسألة وقت فحسب، بالنظر إلى نجاعة الأجهزة الأمنية في مثل هذه الملفات، بدليل اعتقال عديد من الأسماء المعروفة في عالم المنظمات الإجرامية الذين اختاروا الفرار والاختباء في المغرب.
ولم يفت المتكلم الإشارة إلى أن المغرب وإسبانيا تجمعهما اتفاقات للتعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين، آخرها اللقاء الذي جمع قبل أيام مضت بين المدير العام للأمن المغربي عبداللطيف حموشي، والمدير العام للشرطة الوطنية الإسبانية فرانسيسكو باردو بيكيراس، إذ اتفقا على التعاون في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والجرائم السيبرانية.
“تاكسي”
وكانت السلطات الأمنية في ماربيلا الساحلية بالجنوب الإسباني ألقت القبض على زعيم المافيا المغربية في يناير (كانون الثاني) الماضي، وكان بالنسبة إليها بمثابة صيد ثمين، باعتبار أنه يوصف لديها بكونه أحد التجار “التاريخيين” للمخدرات في البلاد وفي أوروبا أيضاً.
وكان مفاجئاً لدى كثر قرار المحكمة في مالقة إطلاق سراح كريم الشهير بلقب “تاكسي” في 18 مارس (آذار) الماضي، مشروطاً بتدابير احترازية من بينها سحب جواز سفره وإغلاق الحدود في وجهه، وإجباره على الوجود أمام المحكمة كل أسبوعين، مع كفالة مالية بلغت 50 ألف يورو.
قرار إطلاق سراح “تاكسي” دفع عدداً من المراقبين والفاعلين القانونيين في إسبانيا إلى وصفه بكونه خطأ قضائياً فادحاً، وتجاوز الأمر ذلك بتوجيه اتهامات إلى “جهات فاسدة” في منظومة العدالة الإسبانية، في وقت أعربت فيه السلطات الهولندية عن تذمرها من الإفراج المشروط عن “تاكسي”، باعتباره مجرماً خطراً معروفاً بميله نحو العنف الشديد في ممارسة جرائمه المقترنة بالاتجار وترويج الكوكايين.
وتتهم السلطات الهولندية “تاكسي” بكونه نسج ارتباطات وثيقة وقوية مع منظمات الجريمة والاتجار في المخدرات بدول في أميركا اللاتينية، كما أنها عمدت إلى حجز 172 عقاراً يملكه هناك تبلغ قيمتها المادية أكثر من 50 مليون يورو، فضلاً عن حجز حسابات مصرفية ضخمة.
وفي السياق كانت محكمة هولندية قد نطقت في الـ27 من فبراير (شباط) بالسجن المؤبد لمن يوصف بالعقل المدبر لمنظمة “موكرو مافيا”، رضوان التاغي، أربعيني ولد في المغرب ونشأ في هولندا، ويصفه الإعلام الهولندي بأنه أخطر تاجر مخدرات على الإطلاق في أوروبا، وذلك بتهم جرائم قتل ارتكبت في الفترة بين 2015 و2017.
وكان هذا العقل المدبر لـ”المافيا المغربية”، التي سميت بذلك لكثرة وجود أعضاء قياديين مغاربة فيها، قد اعتقل في الإمارات عام 2019، وقضى أكثر من أربع سنوات في سجن هولندي مطوقاً بحراسة مشددة، إلى أن صدر الحكم ضده بالسجن مدى الحياة قبل أسابيع قليلة.