حرية – (3/6/2024)
يعتبر الحجر الكريم الذي يحمله خاتم الرجل القطعة الأكثر أهمية فيه. فمهما كان المعدن المصنوع منه الخاتم، سواء الفضة أو الذهب أو البرونز أو التيتانيوم، فإن الحجر الذي يعلوه هو الذي يمنحه القيمة المادية والتزيينية والروحانية. فالحجر النادر يدل على مرتبة صاحبه أو ثرائه أو اهتمامه بأمور الأحجار الكريمة وتأثيراتها، وتعتبر كل ثقافة من الثقافات البشرية بأن للحجر الكريم تأثيره المباشر في جسد وفكر مرتديه.
خواتم إيران ومعناها
الكلام عن خواتم الرجال ازدحمت به محركات البحث على شبكة الإنترنت بعد واقعة التعرف إلى هوية الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، الذي قضى في حادثة سقوط طائرته قبل أيام، من خلال خاتمه. وتناولت الصحف الإيرانية مطولاً موضوع هذا الخاتم، وأنه هدية لرئيسي من المرشد الأعلى في إيران. وكانت ابنة قائد “فيلق القدس” الراحل قاسم سليماني وقفت عند القبر أثناء مراسم دفن وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبداللهيان، وطلبت دفن خاتم والدها الشهير إلى جانب جسد عبداللهيان. وبالطبع فإن دفن خاتم والدها مع جسد صديقه له دلالات معينة دينية وشخصية، لما يحمله الخاتم في إيران من معان تتعلق بحامله، وكأنه صورة صاحبه وهوية أخرى له تعبر عنه وعن صفاته.
اعتقد الأباطرة أن الخواتم المزينة بالزمرد والألماس والياقوت والفيروز ستساعدهم في الحفاظ على قوتهم
وكانت وسائل إعلام إيرانية عرضت مشاهد يهدي فيها ولي الفقيه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي خاتمه إلى أشخاص معينين يظهرون وكأنهم يتلقون هدية كثيراً ما انتظروها أو حلموا بها، وأخيراً في معرض الكتاب بطهران بارك خاتم امرأة وأعطاه لأحد الحاضرين ليقدمه لمريضة، وقبل سنوات منح خاتمه من العقيق للمصارع الإيراني علي رضا كريمي الذي تعمد الخسارة أمام منافسه الروسي خلال البطولة البولندية حتى لا يواجه منافساً إسرائيلياً في الجولة التالية. وفي مثال آخر عام 2019 وبعد أن استهدفت القوات المسلحة الإيرانية طائرة أميركية مسيرة في المياه الخليجية أهدى المرشد خاتماً لمن قيل إنه ضغط على زر الصاروخ الذي أسقط المسيرة.
وأدلى رجال دين وعاملون في حقل الأحجار الكريمة بآرائهم حول خواتم رجال الدين الشيعة، وقال بعضهم إن ارتداء الرجال الفضة والأحجار الكريمة من العادات المتوارثة لدى الطائفة الشيعية، ومن المظاهر المستحبة الشائعة للدلالة على إيمان من يتزين بها. وفي غالب الأحيان يوضع الخاتم في خنصر اليد اليمنى، وأحياناً في البنصر، ومنهم من يجمع بين الاثنين.
وقال محمد باقر عودة، متخصص في الأحجار الكريمة ويملك متجراً لبيعها في الضاحية الجنوبية لبيروت لـ”بي بي سي”، إن “الأحجار المشهورة للزينة بناء على الروايات الإسلامية ستة، وهي الفيروز والحديد الصيني والدر النجفي والعقيق والياقوت والزمرد. مضيفاً أن خاتم سليماني الذي شوهد في يده في كل صوره وخطاباته، والذي أعيد إلى أسرته بعد اغتياله، مصنوع من العقيق اليماني، وهو أكثر حجر مستحب عند المسلمين، ويرجح أن يكون هدية له من المرشد علي الخامنئي، مما يجعله ذا رمزية خاصة.
في تحقيق لوكالة الصحافة الإيرانية حول صناعة الخواتم المرصعة بالأحجار الكريمة، اعتبرها أحد أقدم الحرف التراثية والتاريخية التي نشأت في بلاد فارس، إذ أتقن الإيرانيون تدوير المعادن كالفضة والذهب والبلاتين منذ العهد الساساني، فرصعوا الخواتم وزينوها بالأحجار الكريمة كالفيروز والعقيق والزمرد والألماس. وبحسب الوكالة فقد ذاع صيت الخواتم الإيرانية في العالم لجودتها وجمالها. وتعد مدينتا مشهد وقم أشهر المدن المصنعة للخواتم، وبسبب انتشار الخواتم الصناعية القادمة من الصين ابتكر الحرفيون الإيرانيون هوية مشفرة يوقعون بها على خواتمهم لتمييزها من المغشوشة أو المقلدة، وللتحقق من أصالتها الإيرانية في أي مكان من العالم.
يقول عالم الدين اللبناني جعفر فضل الله إن “للخواتم لدى الشيعة جانبين: الأول ديني يرتبط ببعض الأحاديث المروية عن الأئمة والصحابة وارتدائهم الخواتم، والثاني اجتماعي يرتبط بتراث البلاد العربية والإسلامية والزينة التقليدية فيها، أما من الجانب الشرعي فليس للخواتم أو الأحجار الكريمة ضرر أو نفع، وحده الله يضر وينفع” برأي فضل الله. وأما عن تفسيرات علم الطاقة المرتبطة بالأحجار الكريمة، فيقول معظم رجال الدين إن هذا الأمر غير مثبت علمياً، ولكن قد يكون فيه بعض الصحة، وربما يساعد ربطها بألغاز ما في ترويج تجارتها.
تأثير الأحجار الكريمة
لكن بصرف النظر عن الرأيين الديني والعلمي حول تأثير الأحجار الكريمة على أصحابها، فإن اعتقادات المهتمين بعوالم الخواتم وأحجارها أو العاملين في تجارة الأحجار الكريمة حول العالم، وهي تجارة بمليارات الدولارات، لا زالت مؤثرة في اختيارهم الحجر الذي يضعونه في خاتمهم أو في إسوارة أو عقد يوضع حول العنق يحمي الحجر الذي يتوسطه.
كثر يعتقدون أن حجر الفيروز يرتبط بالظفر والنجاح والسفر والحماية من الحسد، والعقيق بالحماية والصلاة والدعاء. أما حجر الحديد الصيني الذي تنقش عليه الآيات الكريمة أو أسماء حامليها فهو حجر القوة ويلبس في المهمات والمعارك. وهناك حجر الدر النجفي ويعد مباركاً عند المسلمين ويمنح الأمان والاطمئنان. وأما الياقوت فيلبس لنبله وللرزق والمقام الاجتماعي. والزمرد لتيسير الأمور العالقة.
جاء في موقع صناعة المجوهرات التركي أن الأحجار الكريمة من العقيق الأبيض وأحجار الكوارتز هي الأحجار الكريمة الأكثر ارتباطًا بالإسلام، إذ لبس النبي محمد حجراً كريماً كارنيليان وخاتم فضة في يده اليمنى وقال “ارتد الخاتم المرصع بحجر العقيق لأنه سيحميك من أي شر”، بحسب ما جاء في هذا الموقع الإلكتروني.
كثر يعتقدون أن حجر الفيروز يرتبط بالظفر والعقيق بالحماية والزمرد بتيسير الأمور
أما الأحجار الفيروزية فهي عبارة عن حجر كريم أزرق سماوي غير شفاف أو حجر كريم أخضر، واسمه الإنجليزي مشتق من “الحجر التركي”. ونشأت كلمة Firoza أو Feroza في الهند وتعني “ناجح”. وبحسب موقع المجوهرات التركي فإن الإمام الصادق قال، “من لبس خاتماً من حجر الفيروز فلن يكون فقيراً أبداً”. وكانت إيران أحد المصادر الأصلية للأحجار الكريمة الفيروزية، وبدأ استخراج هذا الحجر الكريم منذ آلاف السنين.
إضافة إلى الفيروز كان لحجر الياقوت الأحمر المكثف أهمية كبرى لقرون عدة، وكان موضوعاً لعديد من الأساطير. وتقول الأسطورة الدينية إن آدم صنع الياقوت بعد طرده من الجنة حيث لامست أقدامه الأرض.
أما كلمة حجر الحديد الصيني في اللغة العربية فتعني حجر الـ”هيماتيت”، الذي اقترح الإمام علي ارتداءه من أجل القوة والحماية من الشيطان في ظروف معينة. وكان من الأحجار الكريمة التي يتم ارتداؤها أثناء الرحلات الخطرة وليس للاستخدام اليومي.
أما حجر “دور النجف” فيعتبر مهماً للغاية، وكان يستخرج من النجف الأشرف فقط، في الجزء الأوسط من العراق. وبات من الصعب الحصول على أحجار دور النجف الكريمة الطبيعية بالكامل من العراق. وبسبب تصنيع هذه الأحجار عن طريق الآلات يحث الموقع على التأكد من حقيقة الحجر قبل شرائه وخصوصاً عند الشراء عبر شبكة الإنترنت.
خواتم الزمن والرجال
يعود استخدام الخواتم إلى العصور القديمة لدى مختلف الثقافات والحضارات والأديان. وتم استخدام خواتم الرجال الأولى لإظهار الثروة والقوة منذ العصر البرونزي، حين باتت زينة الرجل والمرأة جزءاً من شخصيتهما وتدل على هويتهما الوظيفية والطبقية. وفي العصور الوسطى تم استخدام الخواتم دليلاً على الوضع الاجتماعي والسياسي للشخص.
في تحقيق حول تاريخ استخدام الخواتم الرجالية لإحدى دور عرض الأزياء على شبكة الإنترنت، جاء أنه في إيران تاريخ طويل لخواتم الرجال يعود إلى بداية الحضارات القديمة في هذه المنطقة. وكثيراً ما مثلت خواتم الرجال القوة والخلود والثروة والاجتماعية.
ويعود استخدام الخواتم في إيران القديمة إلى 2000 عام قبل المسيح. واعتقد أباطرة الفرس أن الخواتم المزينة بالزمرد والألماس والياقوت والفيروز ستساعدهم في الحفاظ على قوتهم وسيادتهم وتحقيق النصر في ساحة المعركة. وفي العصر الأخميني، قبل 400 عام من ميلاد المسيح، تم صنع خواتم ذات تصميمات مختلفة لإظهار رتبة وقوة الملوك والنبلاء. كما كانت هناك حلقات ذات تصميمات دينية وصور للآلهة.
في العصور الوسطى تم استخدام الخواتم دليلاً على الوضع الاجتماعي والسياسي
وتعتبر الحلقة العيلامية القديمة الكبيرة والجميلة التي يرجع تاريخها إلى 1100-770 قبل الميلاد إحدى الآثار التاريخية القيمة للفرس القدماء. وقد وجد الأثريون العاملون هناك مجموعة من الخواتم الثمينة كانت تستخدم كأختام، ومنها ما يلبسه الملوك والوزراء والإداريون.
خلال العصر الساساني، استخدم الخاتم دليلاً على قوة الشخص وثروته. وكانت الخواتم ذات التصاميم والنقوش الشخصية تصنع بمواد مثل الزمرد والياقوت والألماس. وفي أحد الاكتشافات الأثرية في مقبرة بمنطقة سيبيريا في روسيا وجدوا خاتماً ذهبياً عليه صورة رجل فارسي من القرن الخامس قبل الميلاد. ولا يزال محفوظًا في المتحف الروسي، وينسب هذا الخاتم إلى قورش الكبير.
استخدم الرومان خواتم حديدية كهوية تعريف شخصية، ومع زيادة ثروة الرومان صارت تصنع من الذهب. وكانت الخواتم أيضاً أدوات للدولة، ويعهد الإمبراطور أحياناً بخاتمه إلى آخرين لتمكينهم من العمل كوكيل له. ووضع الإمبراطور أغسطس في أصابعه بحسب المناسبات خاتماً يحمل رأس أبو الهول، وآخر يحمل رأس الإسكندر الأكبر، وكان هناك خاتم يحمل صورة وجهه ويستخدم في معاملات معينة للإمبراطورية.
واستخدامات الخواتم في بريطانيا خلال العصور الوسطى وعصر النهضة كثيرة، وأولها خواتم تحديد الهوية، والخواتم التي تحمل علامات التاجر كشكل من العلامة التجارية المبكرة، كما كان هناك خواتم لتحديد هوية الحزب والانتماء السياسي، وأخرى لإظهار الرتبة المهنية. ومع كل استخداماتها الاجتماعية والروحية والسياسية والتجارية أدت الخواتم غرضاً مشابهاً للوشم، أي أنها باتت كعلامات غير قابلة للإزالة أو التشويه، وكانت بمثابة رسائل لتذكير مرتديها بالتزامه تجاه شخص أو قضية أو مجموعة.
بعض أقدم خواتم الرجال تأتي من مصر القديمة، ويبلغ عمرها نحو 4 آلاف عام. واستخدمها المصريون للإعلان عن الوضع الاجتماعي أو الدور السياسي والديني لصاحبها. وكان تصميم الخاتم المحفور على الإطار يحوي في أغلب الأحيان كتابات هيروغليفية مميزة محفورة بعمق في المعدن مع معلومات تعريفية مثل اسم مرتديها ورتبته.