حرية – (3/6/2024)
العدو ليس حماس، بل هو بنيامين نتنياهو وحكومته، بحسب تحليل لصحيفة عبرية، فلماذا يعتبر معسكر اليمين المتطرف التهديد الأكبر الذي يواجه إسرائيل؟
“هذا هو التهديد الأكبر لإسرائيل. ليس حماس”، تحت هذا العنوان نشرت هآرتس تحليلاً مطولاً يرصد “عالم بيبي” (كنية بنيامين نتنياهو)، ومدى عمق خطورة هذا العالم، إشارة إلى معسكر اليمين المتطرف، على “وجود إسرائيل” نفسه.
يحيا “بيبي” وتموت إسرائيل!
“في عالم بيبي لا توجد قيمة أو مقياس أو أهمية لأي شيء، سوى التعهد بالولاء للزعيم بنيامين نتنياهو كل صباح. يهدف هذا المعسكر إلى إلغاء الحقيقة والموضوعية وحتى الذوق العام… لا يوجد معنى لتوصيفات “جيد” أو “سيئ”، ولكن المعيار الوحيد هو مستوى الصراخ بصوت عالٍ “أنا مؤيد لبيبي!”، من هذه المقدمة ينطلق تحليل هآرتس، ملقياً الضوء على أقطاب المعسكر المشكل للحكومة الإسرائيلية الحالية.
هذا المعسكر يمثل الائتلاف الذي شكله نتنياهو، السياسي الأطول بقاء في منصب رئيس الوزراء بإسرائيل، ويضم ممثلين عن الأحزاب الدينية المتطرفة وممثلين عن المستوطنين، من أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وغيرهما من الشخصيات الأكثر تطرفاً والتي تنادي علناً ليس فقط بتهجير الفلسطينيين جميعاً من أراضي فلسطين بل بقتلهم جميعاً. وقام برنامج الحكومة الإسرائيلية على توسيع المستوطنات وإكمال تهويد القدس وضم الضفة الغربية بشكل كامل، إضافة إلى إحكام الحصار على قطاع غزة وتدميره أيضاً.
هذه الحكومة وصفها توماس فريدمان – الكاتب الأمريكي اليهودي – بأنها “أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية”، وكان ذلك قبل الإعلان رسمياً عن توليها المسؤولية آخر أيام عام 2022، أي قبل نحو 10 أشهر من الحرب على غزة.
تسببت سياسات هذه الحكومة الاستفزازية من تهجير للفلسطينيين من بيوتهم في القدس الشرقية والاعتداء المتكرر على المسجد الأقصى وتوسيع المستوطنات غير الشرعية وإقامة المزيد منها في الضفة الغربية، وتضييق الخناق على قطاع غزة، وهي السياسات التي أدت إلى عملية طوفان الأقصى العسكرية يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بحسب تقرير لموقع Vox الأمريكي.
فالمؤيدون لمعسكر “بيبي- نتنياهو” إما من أتباع الإرهابي باروخ غولدشتاين، أو مجرمين عاديين، أو مواطنين فاشلين أو حتى ناجحين، “لا يهم – طالما أنهم ينتمون إلى المعسكر الصحيح، وليس من قبيل الصدفة أن حزب الليكود ليس لديه برنامج سياسي. فبيبي – نتنياهو موجود”، بحسب تحليل “هآرتس”.
الاعتداء على المعارضين
رصد تحليل الصحيفة العبرية اعتداء اثنين من أنصار “بيبي” بضرب غادي كيديم.. حتى بدأ ينزف من رأسه: “من الجيد أنهم قتلوا أطفالك، أيتها العاهرة الخائنة”، هكذا شتموا زوجته قبل الاعتداء- أي قبل أن يركل أحدهما، وهو أوري هاروش، كيديم في رأسه وهو ملقى على الأرض، طوال الوقت، بل ويصور نفسه بسعادة وهو يحتفل بالركلة. كيديم من المطالبين بوقف الحرب وعقد صفقة تبادل للأسرى مع المقاومة الفلسطينية.
من هو هاروش؟ لديه سجل إجرامي طويل يشمل سبع إدانات بجرائم المخدرات والعنف، بما في ذلك التهديدات والسطو المسلح. وقبل بضع سنوات، وقع في ضائقة مالية، ومن الطبيعي أن يساعده وزير الأمن القومي الحالي إيتمار بن غفير. ووفقاً لهاروش، تراكمت عليه الديون خلال أزمة كوفيد-19 بعد أن طالب الأشخاص الذين أقرضوه أموالاً من أجل دفع النفقة باسترداد أموالهم، بحسب هآرتس.
لكن بالنسبة لمعسكر “بيبي”، لا أحد من هذا يهم، المهم فقط هو أن “هاروش جندي مخلص لمعسكر بيبي”، ففجأة انتبه له الوزراء ومنهم وزير الليكود السابق، غاليت ديستال عطبريان، حيث وصفه في مقطع فيديو بأنه “ناشط اجتماعي”، وكأنه متطوع في مستشفى الجذام يقوم بأعمال التمريض، كما جاء في تقرير هآرتس على سبيل السخرية.
ثقافة المافيا
“يرعى معسكر “بيبي- نتنياهو” هاروش.. إذ يمثل كيديم خطراً سياسياً على نتنياهو. ورغم أن هاروش ركله في رأسه، إلا أنهم يحمونه ويقفون إلى جانبه… ففي نهاية المطاف، لم يسأل أي من الوزراء الذين اتصلوا بهاروش في عيد ميلاده، والذين التقطوا الصور معه وتوسلوا من أجل صوته في الانتخابات التمهيدية، أنفسهم: “كيف لم ألاحظ أنني أتعامل مع سلة المهملات البشرية هذه؟ لقد فاتني شيء ما”. يجب أن أكون حذراً بشأن الأشخاص الذين أتسكع معهم”.
“إنها ثقافة المافيا. تحمي المافيا أعضاءها دائماً، طالما أنهم لا يخونون الدون (نتنياهو). إن أنصار “بيبي” مثل الترامبيين (أنصار الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الحال للانتخابات المقبلة دونالد ترامب). ماذا فعل ترامب في الولايات المتحدة؟ إذا دعمته، فأنت قديس. لا أحد لا يستحق أن يكون إلى جانبه – الشيء الوحيد الذي يهم هو التصويت”، تقول الصحيفة العبرية.
وإذا كان هاروش أحد النماذج الصغيرة من داعمي “بيبي”، فهناك أيضاً وزيرة المواصلات ميري ريجيف، كنموذج كبير الحجم. فتستطيع ميري ريغيف أن تنفق مليار دولار من ميزانية النقل وتسافر مع ابنتها إلى المكسيك، ولا يمثل هذا فساداً أو أزمة، الخطيئة الوحيدة في هذا المعسكر هي القول بأن “بيبي فشل”، فهذه جريمة لا تغتفر.. “جريمة يعاقب عليها بالحرمان والنبذ والطرد”.
هل تواجه إسرائيل خطراً وجودياً من الداخل؟
نعم. فالحرب على غزة ليست إلا “ترويج لما يحدث وسيحدث هنا حتى نجد طريقة لتفكيك هذه الحركة وتحرير أنفسنا من قبضة الطائفة على مؤسسات الدولة وقيادتها. علماً بأنه ليس من المؤكد أننا سننتصر في الحرب. وربما نكون قد تجاوزنا بالفعل نقطة اللاعودة. فسوف تتراجع إسرائيل تدريجياً وتصبح دولة مهجورة في أوروبا الشرقية”، بحسب هآرتس.
وبعد 8 أشهر من الحرب على غزة، أصبحت إسرائيل في مواجهة عزلة دولية غير مسبوقة على الإطلاق، فمحكمة العدل الدولية تحاكم تل أبيب بتهم ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين ومحكمة الجنايات الدولية بصدد إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء ووزير الدفاع، ودول أوروبية كإسبانيا والنرويج وأيرلندا اعترفت بدولة فلسطين المستقلة، وتواجه أمريكا – الحليف الأهم لإسرائيل – حركة احتجاج طلابية في الجامعات تشبه ما حدث خلال حرب فيتنام والكفاح ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا قبل عقود.
“في بلد منظم من يتحمل مسؤولية فشل مثل 7 أكتوبر/تشرين الأول يقول من تلقاء نفسه شكراً جزيلاً ويرحل. هناك مفهوم أمريكي قديم، وهو “لم يتم الانتهاء من الأمر”، وهو يعكس المعايير الأساسية. وهذا المفهوم لم يعد موجوداً، لا في إسرائيل ولا في الولايات المتحدة، لأن معسكر “بيبي” ليس لديه معايير أساسية. فنتنياهو يحتاج إلى دولة فاسدة؛ لأنه الفطر الذي ينمو على التعفن”، تقول هآرتس.
نتنياهو.. السمكة تفسد من رأسها
يقول المثل الشهير إن “السمكة تفسد من رأسها”، والرأس هنا هو بنيامين نتنياهو. “فبالنسبة لتركيبته العقلية النرجسية المريضة، الدولة هي مجرد أداة تهدف إلى إعطائه الإحساس “أنا أنقذ الشعب اليهودي”. لا يملك آليات الارتباط بالواقع أو الاستبطان التي تجعله يرى أنه يدمر الشعب اليهودي، بدلاً من إنقاذه”، بحسب هآرتس.
“بفضل دهائه السياسي المدمر، تمكن نتنياهو من تحديد ثلاث حركات متناقضة في كثير من الأحيان، ومن خلال سياسة الكراهية والافتراء قام بتوحيدهم في “المعسكر البابوي”. الأول هو المتدينون المتطرفون، الذين لا يعتبرون أنفسهم حقاً جزءاً من القصة الصهيونية؛ والثاني هو القوميون المتدينون، الذين يعتقدون أن الوقت قد حان لاستبدال الصهيونية العلمانية الضعيفة؛ والثالث هم الليكوديون، الذين يكرهون مؤسسي الدولة بسبب موقفهم تجاه اليهود من أصل مزراحي”.
وترى هآرتس أن المجموعات الثلاث استفادت من هذا الاتحاد؛ الحريديم من خلال الإعفاء الخدمة العسكرية، والمتدينون من خلال توسيع المستوطنات، والليكوديون من خلال نهب موارد الدولة. “إنهم يفشلون في إنجاز أي شيء – العمل، والبناء، والإصلاح – لأن العلاقة الأيديولوجية بينهم هشة. العلاقة هي علاقة كراهية – لإيذاء اليساريين وإفسادهم. دعهم ينفجرون! دع أوري هاروش يركلهم في رؤوسهم!”.
ويرصد تحليل الصحيفة الفساد المستشري في الدولاب البيروقراطي للحكومة اليمينية المتطرفة، حيث اختيار المسؤولين يتم لا من خلال الكفاءة والمهنية ولكن قياساً فقط على مستوى الولاء “لمعسكر بيبي”.
وفي هذا الإطار، يعطي ما تم الكشف عنه من فساد وزيرة المواصلات ريجيف لمحة مقربة عن الآلية التي من خلالها تعمل هذه الحكومة… “لا تخطئوا، فالأمر لا يقتصر على ريجيف فقط. إن جميع وزراء الليكود يعملون بنفس الطريقة”. وردهم الطبيعي على الكشف عن فساد ريجيف هو فقط “تصفية المقربين، وحذف الرسائل، ومعرفة أساليب ريجيف في تصنيف الحلفاء. لا استبطان ولا ندم ولا منظور خارجي. لا يوجد نية في التغيير”.
“إنهم يفتقرون إلى الفهم المعرفي الأساسي بأن الهدف من مناصبهم هو خدمة البلاد، وأن المناصب التي حصلوا عليها ليست جزءاً من منافسة داخلية حول “من لديه المزيد من السلطة”، ولكنها وسيلة لإنتاج دولة إسرائيل أفضل”.
كانت صحيفة Haaretz قد نشرت مطلع العام تقريراً يلقي الضوء على المخاطر الحقيقية التي تهدد دولة الاحتلال، وهي مخاطر كانت قائمة منذ ما قبل عملية طوفان الأقصى العسكرية يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، خلصت فيه إلى أن نتنياهو يمثل خطراً على إسرائيل، لكنه ليس الخطر الوحيد، فالتطرف والمستوطنون وأمور أخرى تمزق الكيان داخلياً، بينما كشفت الحرب على غزة “عورات” الاحتلال أمام العالم.