حرية – (3/6/2024)
مساء الجمعة الـ10 من مايو (أيار) الماضي تعرضت الكرة الأرضية لعاصفة جيومغناطيسية أو عاصفة شمسية هي الأقوى منذ أكثر من 20 عاماً، وكانت آخر عاصفة قوية عرفها الكوكب الأزرق حلت عام 2003.
العاصفة الشمسية الأخيرة قبل نحو أسبوع اعتبرت من المستوى الخامس، على مقياس من خمس درجات، وهو مستوى يوصف بأنه شديد الخطورة.
وتختلف هذه النوعية من العواصف اختلافاً كبيراً عن العواصف الأخرى التي تشهدها الأرض، سواء على البر أو في البحر وحتى الجو ذلك أنها ليست ريحاً عاصفة ولا أمواجاً عاتية بل تدفقات مغناطيسية تصل إلى الأرض من خلال انفجارات كبيرة تحدث في قرص الشمس.
الشمس ينبعث منها توهج شمسي في 22 فبراير 2024
ومشهد هذه العواصف إذاً موصول بعلم الفلك أول الأمر وآخره وبالشمس بنوع خاص، الأمر الذي يفتح الباب لتساؤلات واسعة بداية من نوعية ما تلك العواصف؟ وكيف تؤثر في حركة الكوكب ومناخه قبل أن تصل تلك التأثيرات إلى البشر؟ وهل نحن أمام ظاهرة جديدة؟ أم أن التاريخ الإنساني يحفظ بعضاً من تلك الظواهر؟ وهل يمكن أن تتسبب بالفعل في نهاية الجنس البشري على الأرض؟ وربما يكون هذا هو الأهم “كيف تفتح العواصف الشمسية أعيننا على الخطورة التي يمثلها النجم المركزي للمجموعة الشمسية، أي الشمس على مستقبل البشر أولاً، ومآلات الكوكب الأزرق تالياً؟ وهل بالفعل سيحل اليوم الذي تقوم فيه الشمس بابتلاع الأرض ومَن عليها؟
ماهية العواصف الشمسية بداية
من دون الإغراق في علوم الفيزياء الفلكية يمكن تعريف العواصف الشمسية بأنها اضطراب موقت في مجال الأرض المغناطيسي، والسبب في ذلك القدرة الشمسية للعاصفة الجيومغناطيسية التي هي مكون رئيس للطقس الفضائي.
كيف تنشأ هذه العواصف؟
الشاهد أنها تسببها موجة اهتزاز ريح شمسية أو غيمة الحقل المغناطيسي التي تتفاعل مع حقل الأرض المغناطيسي. وفي بعض الأحيان تندفع المجالات المغناطيسية الشديدة من داخل الشمس، لتشكل مناطق داكنة أو بقعاً شمسية هذه المناطق هائلة من حيث الحجم إذ يبلغ حجمها أضعافاً عدة حجم الأرض وهي أبرد بآلاف الدرجات من سطح الشمس المعتاد.
عادة ما تعلق البلازما الشمسية في “حبال” التدفق المغناطيسي وتنتشر في الغلاف الجوي للشمس، لكن في بعض الأحيان عندما تلتصق هذه “الحبال” مرة أخرى بسطح الشمس فإنها تقذف الجسيمات المشحونة من هالة الشمس إلى الفضاء، وهذا ما يسمى بالانبعاث الكتلي الإكليلي CME، وبمجرد وصولها إلى الأرض فإنها تسبب “عاصفة مغناطيسية أرضية” حال اصطدام الجسيمات بالمجال المغناطيسي للأرض.
وتصنف الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة الأميركية هذه العواصف على مقياس G من واحد إلى خمسة إذ تكون G1خفيفة و G5شديدة.
والثابت تاريخياً أن كوكب الأرض تعرض عبر التاريخ الطويل للعديد من تلك العواصف، غير أن بعضها ترك أثراً واضحاً على الكوكب وعلى سكانه حتى وإن كانت المعلومات الدقيقة تنقصنا، لكن يبدو الإطار العلمي الذي حدث فيه ذلك الانفجار المغناطيسي باقياً حتى الساعة، والتعمق في دراسته وقراءة أبعاده، قدر له أن يساعد العلماء المحدثين في تقدير المخاطر والأهوال الناجمة عن تلك الانفجارات.
متى جرت تلك العاصفة؟ وما ملابسات ما حدث؟ وهل تكررت تلك الانفجارات لاحقاً ولو بصورة أقل حدة؟ وكيف لها أن تستمر حتى اليوم؟
أناس يشاهدون الشفق القطبي الناجم عن عاصفة شمسية في ملبورن – أستراليا في 11 مايو 2024
من جبال الألب إلى كارينغتون
خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي نشرت دورية “المعاملات الفلسفية للجمعية الملكية” في لندن أنباء اكتشاف فريق دولي من العلماء ارتفاعاً كبيراً في مستويات الكربون المشع قبل 14300 عام وذلك من خلال تحليل حلقات الأشجار القديمة الموجودة في جبال الألب الفرنسية.
كان سبب ذلك الارتفاع هو وقوع عاصفة شمسية ضخمة هي الأكبر على الإطلاق في تاريخ كوكب الأرض، وقد تأكد العلماء من ذلك من خلال مقارنة هذا الارتفاع في الكربون المشع مع قياسات البيريليوم وهو عنصر كيماوي موجود في قلوب الجليد في منطقة غرينلاند ما رسخ قناعة لدى العلماء بأن الارتفاع في نسبة الكربون المشع كان ناجماً عن عاصفة شمسية ضخمة تسببت في قذف كميات هائلة من الجزئيات النشطة إلى الغلاف الجوي للأرض.
الثابت أنه من خلال تحليل بقايا تلك الحفريات في غابات جبال الألب استطاع العلماء تحديد تسع عواصف شمسية شديدة الفاعلية جرت بها الطبيعة على مدار الأعوام الـ15 ألفاً الماضية في الفترة الواقعة بين 774 و993 ميلادية، على أنه في المدى الزمني المنظور جرت عاصفة كبرى أخرى لاتزال حاضرة في أذهان كثيرين من العلماء وبخاصة بعد أن تم رصدها بصورة دقيقة.
آثار العاصفة الشمسية في جميع أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية
على حين غرة أضاءت سماء مدينة كارينغتون في ولاية داكوتا الشمالية، كان الليل قد خيّم على المدينة والساعة تقارب الواحدة صباحاً مما جعل الجميع يعتقدون أن الصباح قد حل واستيقظ عمال مناجم الذهب في جبال “روكي” لإعداد وجبة الإفطار وبدء يومهم، كما بدأت الطيور تغني وكأن الشمس أشرقت بالفعل.
لكن ما حدث في ذلك النهار من عام 1859، لم يكن انبلاجاً للفجر في موعده ولا شروقاً للشمس في أوانها بل كان عاصفة شمسية مغناطيسية هي الأكثر كثافة مما تمت ملاحظته على الأرض في القرنين الماضيين حين أرسلت عروض الأضواء الشمالية إلى أقصى الجنوب حتى فلوريدا وأميركا الوسطى وكانت تلك العاصفة من القوة والشدة بأنها دمرت خطوط الاتصالات التي كانت بسيطة ومتواضعة جداً في ذلك الوقت، ولم تكن تتجاوز أعمدة التلغراف والهواتف البدائية للغاية.
كانت حادثة كارينغتون دافعاً مهماً جداً لطرح علامة استفهام مثيرة وخطرة: ماذا لو تعرضت الأرض مرة أخرى لعاصفة من نوعية (كارينغتون)، وهذه مجرد حادثة. أما القلق الأعظم فيتعلق بحادثة جبال الألب، فهذا فعلاً ما يعد كارثة؟
ويحتاج الجواب إلى شيء من التفصيل والتفريق بين المشهدين غير أنه وفي مواجهة هذا التهديد طور عالما الفيزياء الفلكية أبراهام لوب وماناسفي لينجام من مركز “هارفارد سميثوذيان” للفيزياء الفلكية نموذجاً رياضياً يفترض أن ضعف المجتمع تجاه “التجشؤ الشمسي” سينمو جنباً إلى جنب مع التقدم التكنولوجي.
وبموجب هذا النموذج خلال الأعوام الـ50 المقبلة ستعتمد احتمالية حدوث ضرر اقتصادي في المقام الأول على الاحتمالات المتزايدة لحدوث عاصفة شمسية قوية بمرور الوقت وبعد مرور 50 عاماً ستزداد نقاط ضعفنا بصورة كبيرة مع التقدم التكنولوجي حتى يستقر الأخير.
هل يقودنا هذا النموذج للحديث عن الأضرار الأولية المتوقعة من حدوث العواصف الشمسية الاعتيادية وليس التاريخية كما جرت الحال قبل 14 ألف سنة؟
في خطورة العواصف الاعتيادية
حين ضربت العاصفة الشمسية الأخيرة الكرة الأرضية قال العلماء في “الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي” NOAA إن الأمر لا يشكل خطراً كبيراً على الأنظمة الأرضية لكنه حدث نادر وخطير مثل الأعاصير القمعية. هل في هذا الكلام تبسيط بصورة أو بأخرى؟
غالب الظن يحتاج الأمر إلى مزيد من التدقيق والتفريق بين عوام الناس والمجموعات الأكثر تخصصاً.
بمعنى أن كل تحذير موجه إلى جمهور محدد، فعلى سبيل المثال تحذيرات الأعاصير موجهة إلى كل شخص في مسار الإعصار لكن التحذيرات المغناطيسية الأرضية موجهة إلى مجموعة أكثر تخصصا.
عروض ضوئية سماوية مذهلة
في هذا السياق يقول عالم الفضاء روبرت ستينبرج في هذه الإدارة “بالنسبة لمعظم الناس على كوكب الأرض لن يضطروا إلى فعل أي شيء” سيكونون قادرين على ممارسة حياتهم اليومية، ولكن بالنسبة لقطاعات معينة من الاقتصاد والصناعة والطيران فإن هناك بعض الجهود لأنه سيتعين عليهم العمل حول عواصف معينة على أنه وفي كل الأحوال يمكن القطع بأنه على الأرض تكون هذه التأثيرات ضئيلة بصورة عامة لأن المجال المغناطيسي للأرض يحمي المجتمع، إلى حد كبير من هجمة الجسيمات وتقتصر التأثيرات نسبياً على قطاعات تشمل الراديو على التردد أو الاتصالات من الأرض إلى نظام تحديد المواقع العالمي GPS أو شركات الطيران لأن الجسيمات تولد تياراً في الغلاف الجوي يعطل موجات الراديو .
تبدو القضية الأهم التي تتقاطع مع معضلة العواصف الشمسية متمثلة في اعتماد العالم على أنظمة تحديد المواقع العالمية التي تقوم بدورها في الحفاظ على اتصالات موثوقة مع شبكة الأقمار الصناعية التي تحيط بالكرة الأرضية.
هل لهذه العواصف تأثير ما على الأقمار الصناعية خارج الكرة الأرضية؟
الجواب نجده لدى شون دال من مركز التنبؤ بالطقس الفضائي ويرى أن مثل العاصفة الأخيرة يمكن أن تسبب “فقدان إشارة محتمل” بين الأرض والأقمار الاصطناعية وهذا يعني أن عدداً أقل من الأقمار الاصطناعية سيكون قادراً على الاتصال بالأرض في وقت واحد مما يجعل قدرة النظام على التحديد الدقيق للأماكن التي تكون فيها أقل دقة. كما أن مثل العاصفة الأخيرة يمكنها أن تغمر الغلاف الجوي بالجزيئات المشحونة التي تستمر أياماً عدة بعد انتهائها مع ما يترتب على ذلك من آثار حقيقية على السفر إلى الفضاء، على أنه وفي كل الأحوال تبقى مسألة حسم الأضرار التي تتعلق بأي عاصفة شمسية مرتبطة ارتباطاً جذرياً بالمسافة التي تنطلق منها من الشمس إلى الأرض فإلى أن يصل الانبعاث الإكليلي إلى مسافة مليون ميل تقريباً من الأرض ليس لدى العلماء طريقة لمعرفة مدى تأثيرها، ومع النشاط القوي للعاصفة الأخيرة تعطلت بالفعل طبقة “الأيونوسفير” وهي الجزء من الغلاف الجوي للأرض المليء بالجسيمات المشحونة إذ تستخدم بعض عمليات البث الإذاعي لمسافات طويلة طبقة “الأيونوسفير” لارتداد الإشارات حول العالم.
إلى هنا والحديث يبدو سائراً ودائراً في المناطق الآمنة لكن هذا لا ينفي أن هناك تساؤلات أكثر رعباً وهلعاً عن الكوارث المقبلة من الشمس والسيناريوهات المستقبلية للتقاطعات بين هذه الموجات المغناطيسية وحركة الكواكب الأخرى، لا سيما أن التساؤل لم يعد قاصراً على تأثيرات هذه العواصف على كوكب الأرض، بل إنها باتت تنسحب على كواكب أخرى في المجموعة الشمسية من عينة المريخ. ماذا عن هذا السياق المخيف والمزعج معاً؟
أنتجت الشمس أكبر توهج لها منذ ما يقرب من عقد من الزمن بعد أيام فحسب من ضرب عاصفة شمسية شديدة الأرض
الأزمات العالمية والعواصف الشمسية
لتكن البدايات من عند ما ينجم عن تلك العواصف وأخطارها، قبل الانتقال إلى عمق الحديث عن العلاقة بين كوكب الأرض ونجم الشمس.
على سبيل المثال يمكن أن تؤدي العاصفة الشمسية إلى إتلاف المكونات الإلكترونية الموجودة على الأقمار الاصطناعية ويمكن أن تكون تلك التي تدور على بعد نحو 22000 ميل من الأرض بما في ذلك أقمار الاتصالات ومراقبة الأرض من بين أول المتأثرين، ويمكن أيضاً أن تكون كابلات الألياف الضوئية الموجودة تحت سطح البحر والتي تمثل العمود الفقري للإنترنت العالمي معرضة لخطر الانقطاع الذي يستمر من بضع دقائق إلى ساعات عدة، وأخيراً فإن الاضطراب الشمسي الشديد من شأنه أن ينتج عاصفة مغناطيسية تغلف الأرض ما يشكل تهديداً لشبكات الطاقة الكهربائية.
تغييرات
هل هناك بالفعل فرص لحدوث هذه التغيرات والتي لا نراها إلا في أفلام هوليوود ومشاهد “يوم القيامة” حيث تبدو الكوارث وكأنها تخيم فوق رؤوس البشر؟
الجواب مرتبط ارتباطاً جذرياً بالشمس وما يمكن أن تتسبب فيه من أزمات قاتلة للبنية التحتية العالمية. ففي عام 2011 كانت الشمس في مرحلة نشطة إلى حد ما، وتركزت مناطق القطبية المغناطيسية الإيجابية والسلبية في أقطاب متقابلة. غير أنه بحلول عام 2013 انخفض النشاط الشمسي قليلاً ثم بعد عام كانت هناك ذروة ثانية شكلت ذروة شمسية مزدوجة غير عادية فتركزت خطوط المجال الموجبة في الغالب في الشمال والخطوط السالبة في الجنوب.
وفي معظم الأحيان تنتج عن هذا التدفق مخالفات منتظمة لا يمكن ملاحظتها على الأرض إلا في صورة الشفق القطبي مثل الأضواء الشمالية، لكن في أحيان أخرى تتجه الخطوط المتشابكة لهذا المجال نحو الخارج وتنفجر مما يؤدي إلى إطلاق انفجارات هائلة من الطاقة في الفضاء.
هل هناك بالفعل ما يدعو إلى القلق من العواصف الشمسية؟
مؤكد أن الأمر كذلك في الوقت الحاضر ومما يدعو إلى القلق أن كل ما يعتمد عليه العالم الحديث تقريباً قد يفشل إذا تم تعطيله بسبب عاصفة شمسية خطيرة بدرجة كافية وعلى رغم أن الأمر ربما لا يدعو للذعر فإن هناك حاجة كبرى للاستعداد، لماذا؟
8 دقائق تفصلنا عن قوة العواصف
لعل الشيء الأكثر رعباً في شأن العواصف الشمسية هو النافذة الزمنية القصيرة التي يتعين على الناس الاستجابة لها، تلك التي لا تتجاوز ثماني دقائق أو نحو ذلك، يستغرقها أي شيء يتحرك بسرعة الضوء للوصول إلى الغلاف الجوي للأرض من الشمس.
الأرقام هنا مخيفة ومزعجة حقاً ذلك أنه يمكن لأشد التوهجات من الفئة Xأن تطلق العنان للقدر نفسه من الطاقة التي تطلقها 10 مليارات طن من مادة “تي إن تي” الشديدة الانفجار والتي يمكن أن تزعج الغلاف الأيوني للكرة الأرضية وتعطل أي عملية تعتمد على الإشارات المنطلقة من الفضاء.
المؤكد أن العلماء لا يستطيعون التنبؤ بالتوهجات الشمسية حتى الآن وأفضل ما لديهم هو النماذج الاحتمالية المبنية على البقع المنذرة
ما القوة المتولدة عن العواصف الشمسية؟
إليكم بعض الأرقام على سبيل المثال وليس الحصر:
-إن 1300 ميغا طن من مادة الـ”تي إن تي” تكفي لتزويد كل أسرة في الولايات المتحدة بالطاقة لمدة عام.
ما قدر الطاقة التي تولدت عن العاصفة الشمسية التي ضربت الكرة الأرضية عام 1859؟
الشاهد أن هذه يقدرها العلماء بنحو 10 مليارات ميغا طن مع العلم أن الطاقة المنطلقة من القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما لا تتجاوز 15 كيلو طن.
وتوفر القذفات الكتلية نافذة استجابة أطول: نصف يوم في الأقل وأحياناً أياماً عدة يمكن للبشر رؤيتها قادمة ولكن عندما تصل يمكن أن تسبب دماراً على الأرض مثل الانبعاث الإكليلي الذي ضرب الكوكب عام 1989 مما أدى إلى تدمير شبكة كهرباء بأكملها وقطع الكهرباء عن ستة ملايين شخص لمدة تسع ساعات وعم كل أميركا الشمالية بل وصل إلى بعض أجزاء من أوروبا.
وفي كل الأحوال يطفو على السطح تساؤل مصيري “هل يمكن التنبؤ بالعواصف الشمسية”؟
المؤكد حتى الساعة أنه لا يستطيع العلماء التنبؤ بالتوهجات الشمسية في الأقل حتى الآن وأفضل ما لديهم هو النماذج الاحتمالية المبنية على البقع المنذرة التي تظهر على سطح الشمس، ويعمل العلماء على نماذج مدعمة بالذكاء الاصطناعي يمكنها يوماً ما تحسين هذا التخمين، لكن يمكن للعلماء ملاحظة التوهجات، وملاحظة انبعاث الكتل الإكليلية.
ومن المعروف أنه لدى هيئة المسح الجيولوجي الأميركية مراصد تراقب المجال المغناطيسي للكوكب في الآونة الأخيرة بالتعاون مع الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، وتم توفير خرائط في الوقت الحاضر لشركات المرافق حتى تتمكن من اتخاذ قرارات ذكية أثناء العاصفة حول المكان إذا لزم الأمر لتعديل أو قطع تدفق الطاقة.
وفي كل الأحوال، تبدو العواصف الشمسية مخيفة وهي كذلك بالفعل ولكن لكي تسوء الأمور يجب أن تمضي الأحداث بصورة خاطئة، فلكي يتعرض البشر لضربات قوية في العصور الرقمية كالتي نعيشها يجب أن يموت نظام تحديد المواقعGPS كما يجب أن ينقطع التيار الكهربائي وكذلك الإنترنت.
هنا ربما لن تتمكن العواصف الضخمة الأكثر خطورة على أبناء الأرض من القيام بكل هذه الأشياء بخاصة مع الاستعدادات الصحيحة لكن لايزال من الممكن أن يكونوا مزعجين للغاية ويتعين على الحكومات أن تستعد للعواصف الشمسية كما تفعل في مواجهة الأوبئة من خلال الاستعداد لمنع وقوع الكارثة في المقام الأول وكذلك من خلال بناء القدرة على الاستجابة بسرعة إذا وقعت على أية حال.
الشمس والأرض دعم الحياة وموتها
من البديهي القول إن الشمس هي الداعمة الرئيسة للحياة على كوكب الأرض لكنها في الوقت نفسه قد تكون السبب الرئيس عند وقت معيّن بعينه لإنهاء وجود الكوكب، وغالب الظن أنه وقتها لن تكون هناك حياة بشرية فوقه من الأساس ويحتاج هذا الطرح إلى قراءة مستقلة قائمة بذاتها غير أنه ضمن سيناريوهات عديدة لنهاية كوكب الأرض تبدو الشمس مرشحة لأن تلعب مثل هذا الدور الخطير والذين تابعوا مقالات البروفيسور وعالم الفيزياء الفلكية جيليان سكودر من جامعة “ساسكس” البريطانية عبر مجلة “إنسايدر” يدركون أن الشمس هي المرشحة المتقدمة لأن تكون قاتلة الأرض، كيف ذلك؟
القصة مغرقة في التفاصيل الفيزيائية، إذ يوضح أن الشمس تعيش عن طريق حرق ذرات الهيدروجين في مركزها لتحولها إلى ذرات هيليوم وهي تحرق نحو 600 مليون طن من الهيدروجين في الثانية.
ومع تشبع مركز الشمس بهذا الهيليوم، فإنها تتقلص مما يتسبب في تسريع تفاعلات الانصهار النووي الذي يعني أن الشمس تصدر طاقة أقل وفي الواقع فإنه لكل مليار سنة تنفقها الشمس في حرق الهيدروجين تصبح أكثر إشراقاً بنحو 10 في المئة ومع أن هذه النسبة لا تبدو كبيرة فإنها قد تكون كارثية على كوكبنا ويضيف سكودر أنه حتى قبل نفاد الهيدروجين فإن ضوء الشمس ذا الطاقة المرتفعة سيقصف الغلاف الجوي للأرض ويمزق الجزئيات ويسمح للماء بالهروب على شكل هيدروجين وأوكسجين وفي النهاية يكون جفاف الأرض من الماء.
ستتحول الشمس عند وقت معين قد يصل إلى خمسة مليارات عام إلى عملاق أحمر بعد استهلاكها الجزء الأكبر من وقودها
ما الذي تعنيه الكرة الأرضية من غير الماء؟
بلا شك نهاية حياة النوع البشري مرة وإلى الأبد هذا إذا ما أخذنا في الاعتبار سيناريوهات أخرى ستحدث في الشمس ومنها انتهاؤها إلى سديم كوكبي أي غيمة مكونة من غاز الهيدروجين والغبار والبلازما ساعتها ستصبح نواة الشمس المكشوفة قزمة بيضاء وستستمر هذه المرحلة من موت الشمس قرابة 10 آلاف سنة.
وستتحول الشمس عند وقت معين قد يصل إلى خمسة مليارات عام إلى عملاق أحمر بعد استهلاكها الجزء الأكبر من وقودها أي الهيدروجين وستتوسع وتموت ومن هنا تبدأ في التهام الكواكب الداخلية في المجرة بما فيها الأرض نفسها.
هل يبدو مصير الكرة الأرضية ذلك الكوكب الأزرق الذي يبدو اليوم بديعاً بسماواته ومائه ووديانه وصحاريه محتوماً ومحسوماً بالزوال في النهاية سواء حدث ذلك من خلال ابتلاع الشمس للأرض أو الارتفاع الشديد في حرارتها مما يؤدي إلى موت الحياة على سطحها بصورة كاملة؟
غالب الظن أن سبب الحياة قد يكون سبب الموت.