حرية – (8/6/2024)
توترت العلاقة بين الحكومة ومؤسسة البرلمان في المغرب خلال الفترة الأخيرة بسبب شكاوى برلمانيين من غياب عديد من الوزراء عن جلسات المساءلة في مجلسي النواب والمستشارين لأسباب مختلفة تعدها الحكومة مبررة، بينما يراها برلمانيون سلوكات تستهين بدور المؤسسة التشريعية.
ويحكم القانون الداخلي للبرلمان المغربي علاقة الوزراء بالنواب من خلال المادة 266 التي تفيد بأنه “يجيب عن الأسئلة رئيس الحكومة أو أعضاء الحكومة المعنيين بالأمر، وفي حالة تغيب عضو الحكومة الذي يتعلق السؤال بالقطاع الوزاري الذي يشرف عليه، يمكن أن ينيب عنه أحد زملائه من أعضاء الحكومة”.
سجالات سياسية
وتجددت السجالات السياسية بين برلمانيين ووزراء في الحكومة المغربية، خصوصاً بتسجيل غيابات متكررة لوزراء عن جلسات الأسئلة الشفهية التي تجرى في مجلس النواب كل يوم إثنين، وفي مجلس المستشارين (الغرفة الثانية) كل يوم ثلاثاء.
وسجل مراقبون تكرار ظاهرة غياب وزراء الحكومة عن جلسات البرلمان، وهو الواقع الذي بررته الحكومة بكونها غيابات مسوغة بسبب وجود وزراء خارج البلاد في مهام رسمية، أو بسبب أجندات طارئة للحكومة تمنع الوزير من الحضور للجواب عن أسئلة البرلمان في القطاع الذي يشرف عليه.
وفي إحدى الجلسات الأخيرة للبرلمان المغربي غاب أربعة وزراء دفعة واحدة عن الحضور للجواب عن أسئلة البرلمانيين بخصوص مستجدات القطاعات التي يسيرونها، وهم وزراء السياحة والاقتصاد والمالية والتشغيل ووزارة الاستثمار وتقييم السياسات العمومية.
وناب عن الوزراء الغائبين الوزير المنتدب المكلف العلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، وفق النظام الداخلي للبرلمان في سياق ما يسمى “التضامن الحكومي”.
وانتقد برلمانيون نيابة الوزير المنتدب المكلف العلاقات مع البرلمان عن الوزراء الغائبين كل مرة، واعتبر بعضهم أنه “تضامن مبالغ فيه”، وأنه لا يمكن لوزير أن يعوض وزيراً غائباً للجواب عن أسئلة النواب، بينما بايتاس أوضح أن “الوزراء كانوا في مهام رسمية خارج البلاد لجلب الاستثمارات للبلاد، وأنه من حق النائب البرلماني أن يطرح سؤاله أو يحتفظ به إلى حين حضور الوزير في الجلسة الموالية”.
منتقدون ومدافعون
في جانب المنتقدين لغياب الوزراء عن جلسات البرلمان المغربي، اعتبر حزب العدالة والتنمية (معارض) أن حضور وزراء الحكومة في البرلمان ضرورة سياسية، باعتبار البرلمان يمثل سلطة تشريعية ومؤسسة رقابية تستحق الاحترام.
ورفض الحزب الدفاع عن غياب الوزراء في جلسات البرلمان، إلا إذا كان الغياب مسبباً بدوافع مقنعة وظروف قاهرة، أو لوجود الوزراء في زيارة ملكية أو مهام دبلوماسية”.
من جهته شدد حزب الاتحاد الاشتراكي (المعارض) على أن حضور الوزراء إلى البرلمان ليس ترفاً سياسياً أو بروتوكولاً تنظيمياً زائداً، بل من صميم عمل الحكومة التي من المفترض أن تخضع لمساءلة المؤسسة التشريعية.
وأما حزب الحركة الشعبية (معارضة) فوصف غياب الوزراء عن جلسات الحكومة بصورة متواترة بأنه عبث سياسي لا يمكن الاستمرار فيه” وفق تعبيره.
في المقابل دافع الوزير المنتدب المكلف العلاقات مع البرلمان مصطفى بايتاس عن وزراء الحكومة بتأكيد أن “الحكومة تحترم مؤسسة البرلمان وتتفاعل معها في مختلف المبادرات”، وسوغ غياب الوزراء بأنه “مبرر، فقد يكون الوزير في مهمة رسمية خارج البلاد”.
وبدوره اعتبر حزب التجمع الوطني للأحرار (حزب حكومي)، أن غياب الوزراء مشروع، والجدل الدائر في شأنه “وهمي”، إذ إن الدستور والقانون المنظم لجلسات البرلمان حسم هذا السجال، إذ يرخص لكل وزير الغياب لسبب طارئ وبأن ينوب عنه وزير آخر للتفاعل مع أسئلة النواب.
التعديل الحكومي
من جانبه يرى المتخصص في مجال العلوم السياسية محمد نشطاوي أن هناك غيابات كثيرة للوزراء عن جلسات البرلمان بحجج ومبرات أو بدونها، وهذا يمس دور السلطة التشريعية من حيث عملية المساءلة والمراقبة لدور الحكومة في النظام السياسي المغربي. ويضيف “بعض الوزراء عوض تسخير جهوده وتخصيص أوقاته لحضور جلسات البرلمان بالاهتمام أكثر بكيفية ضمان البقاء على كرسي الوزارة عبر البحث عن آليات سياسية وحزبية لتحقيق غايته على حساب العملية السياسية”.
ووفق نشطاوي فإن هذا السلوك يسيء للعملية السياسية بالبلاد لأن دور الوزير يظل ساريا حتى يعلن رسمياً عن التعديل الحكومي، بالتالي فإن هذا الغياب يبقى غير مبرر سياسياً ولا تنظيمياً ولا حتى أخلاقياً.
وخلص الأستاذ الجامعي إلى أن الوزراء يؤدون مهام كبيرة والنواب كذلك، وهم يلتقون جميعاً في البحث عن مصلحة المواطن والوطن، بالتالي فإن حضور الوزراء ومساءلتهم من لدن النواب مؤطر بالدستور من أجل تعزيز أدوار المؤسسة التشريعية.
الاستثناء قاعدة
من جانبه يرى المتخصص في مجال القانون الدستوري والعلوم السياسية عبدالرحيم العلام أنه من الناحية القانونية يمكن للوزراء أن يتغيبوا عن جلسات البرلمان وينيبوا عنهم من يتلقى أسئلة البرلمانيين ويجيب عنها غير أن ما يتيحه القانون ليس بالضرورة ما تفترضه السياسة. ويضيف أنه يمكن أن يفهم من سماح القانون بتغيب الوزراء عن جلسات البرلمان بأنه لا يجبرون على الحضور بصورة دائمة حتى لا يحول حضورهم الإجباري دون القيام بمهامهم الضرورية التي من الوارد أن تتقاطع أحياناً مع المواعيد البرلمانية. وأشار إلى أن بعض الوزراء المغاربة جعلوا الاستثناء قاعدة، إذ أصبحت ظاهرة التغيب قريبة من أن تكون “هرباً” من “صداع” تلقي الأسئلة والتفاعل معها.
أوضح أنه في الأصل ينبغي أن يشكل حضور الوزير إلى البرلمان فرصة للتواصل مع الرأي العام وتوظيف منبر البرلمان لبسط سياسات الوزارة والرد على المؤاخذات، مما يسمح للوزير بالظهور الإعلامي وتحقيق التواصل الضروري، لكن عدداً من وزراء الحكومة الحالية يستنكفون عن هذه الاستراتيجية التواصلية.
يستعرض العلام أسباب “النفور من تواصل” بعض الوزراء مع النواب، بينها ضعف التكوين لدى بعض الوزراء، بخاصة فيما يتصل بالحديث باللغة العربية، وتجنب الإحراج الذي يمكن أن يسببه تعقيب البرلمانيين على الجواب الذي يحضره الوزير مكتوباً.
وزاد العلام عاملاً آخر هو اقتناع بعض الوزراء بأن التواصل مع الرأي العام ليس هو سبب عضويته في الحكومة، وإنما أمور أخرى تظل حاسمة، لا سيما أن الغالبية الساحقة من الوزراء لم يصلوا إلى الحكومة من بوابة الانتداب الانتخابي، بل منهم من لم يسبق له أن خاض أية مناسبة انتخابية.