حرية – (10/6/2024)
وجدت دراسة جديدة أن نصباً دائري الشكل مصنوعاً من أخشاب يرجع تاريخه إلى 4 آلاف عام مضت وموجود على شاطئ “نورفولك”، يسمى “سيهينج” Seahenge، شيد عقب مرور المنطقة بفترة من تدهور مناخي شديد حدث في نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد.
تذكيراً، كشف النقاب عن الهيكل القديم الغامض للمرة الأولى في عام 1998 بعد تحرك الرمال على شاطئ “هولمي بجوار البحر” Holme-next-the-sea، على ساحل نورفولك الشمالي.
ويتكون النصب من جذع شجرة موضوع بشكل مقلوب على نحو يترك نهايته التي كانت متصلة بالأرض أساساً مكشوفة للأعلى، ويحيط بـه 55 عموداً مصنوعاً من خشب البلوط، وشيد في الأساس على المستنقعات المالحة بعيداً من البحر.
وفق تقديرات الباحثين، بني الهيكل باستخدام أخشاب يعود تاريخها لعام 2049 خلصت ورقة بحثية جديدة إلى أن تشييد “سيهنيج” والدائرة المجاورة ربما حدث خلال فترة مناخية شديدة البرودة كشكل من طقوس العبادة طلباً لتمديد موسم الصيف وعودة الطقس الدافئ.
ووضع الهيكل الغريب بحيث تحميه الكثبان الرملية والمسطحات الطينية من أمواج البحر.
كذلك عملت طبقة من الخث [نوع من التربة يتكون من مواد عضوية متحللة جزئياً، نباتية في المجمل] التي غطت الأخشاب شيئاً فشيئاً بمرور الزمن على حمايتها من التحلل على مدى آلاف السنين. وتظهر أيضاً حلقة ثانية مجاورة من مسجمات تتمركز على جذعين من أشجار البلوط موضوعين بشكل مسطح، ويعود تاريخهما أيضاً للعام نفسه.
وكانت بحوث سابقة وضعت افتراضات مفادها بأن تلك الأشكال ربما أقيمت في طقوس تؤشر إلى وفاة شخص ما.
وتشير نظريات أخرى إلى أنها كانت تستخدم في مدافن سماوية خاصة، إذ يوضع الموتى في الداخل كي تنقر جثثهم الطيور الآكلة للجيف وتحملها معها إلى أعلى، [بحسب هذه المراسم، لا قيمة لجسد الإنسان بعد مماته ويجب أن يكون مفيداً لروحه وتابعاً لها لذا يصار إلى إطعام جسده للطيور الجارحة، بوصفها هي القادرة على التحليق في السماوات العليا ليصبح الجسد قريباً من الروح هناك].
ولكن الآن، خلصت ورقة بحثية جديدة إلى أن تشييد “سيهنيج” والدائرة المجاورة ربما حدث خلال فترة مناخية شديدة البرودة كشكل من طقوس العبادة طلباً لتمديد موسم الصيف وعودة الطقس الدافئ.
تحدث في هذا الشأن عالم الآثار ديفيد نانس من “جامعة أبردين” في المملكة المتحدة، فقال: “أظهر تأريخ أخشاب ’سيهينج‘ أنها قطعت في الربيع، ومن المرجح أن هذه الأخشاب كانت تتخذ اتجاهاً يتماشى مع شروق الشمس في الانقلاب الصيفي” [اليوم الذي يبدأ في فصل الصيف فلكياً ويتميز يوم الانقلاب الصيفي بأطول نهار بين أيام السنة وأقصر ساعات لليل].
وتابع نانس “نعلم أن الفترة التي شهدت بناء النصب قبل 4 آلاف عام امتد فيها انخفاض درجات حرارة الجو طويلاً، إضافة إلى فصول من الشتاء القاسي في مقابل تأخر قدوم فصول الربيع، مما وضع هذه المجتمعات الساحلية المبكرة تحت عبء توترات وضغط كثيرة”.
ويتطابق اصطفاف “سيهينج” مع شروق الشمس في الانقلاب الصيفي، مما يشير إلى أنه يحاكي “السجن” المذكور في التراث الشعبي لطائر وقواق صغير لم ينبت ريشه بعد، كي يستمر في الغناء ويطول فصل الصيف.
ويظن علماء الآثار أن التركيب الغريب الشكل للنصب يحاكي الموائل الشتوية لطائر الوقواق المذكور في قصص التراث الشعبي، شجرة مجوفة أو “تعريشات العالم الآخر” التي يمثلها جذع شجرة البلوط المقلوب في وسط الهيكل.
وأوضح الدكتور نانس: “كان الانقلاب الصيفي التاريخ الذي توقف فيه الوقواق، الذي يرمز إلى الخصوبة، عن الغناء، وفق التراث الشعبي، وعاد للعالم الآخر وذهب معه الصيف”.
“هذه الطقوس مذكورة في “أسطورة الوقواق الحبيس”، إذ وضع طائر وقواق صغير لم يغط جسده أي ريش بعد في شجيرة شوكية من دون أي منفذ كي تطول أيام الصيف ولكنه دائماً يطير بعيداً”، أضاف الدكتور نانس.
أما الهيكل الآخر، وفق الدكتور نانس، فيحمل دلالة على أساطير “الملوك المقدسين” الذين كانوا يقتلون ويقدمون قرابين في حال وقوع مصيبة على المجتمع.
نانس ذكر أن ” الدلائل تشير إلى تقديمهم قرابين في مراسم تضحية كل ثماني سنوات في مهرجان السامهين (الهالوين الآن) بالتزامن مع دورة كوكب الزهرة التي تستمر ثماني سنوات”.
وختم الدكتور نانس: “أفضل تفسير لكلا النصبين أن لهما وظائف مختلفة وطقوس مرتبطة بها، ولكن بهدف مشترك: إنهاء الطقس الشديد البرودة”.