حرية – (12/6/2024)
تعهدت قيادة كوريا الشمالية بالرد بعد أن استأنفت كوريا الجنوبية البث عبر مكبرات الصوت وقام النشطاء بنشر منشورات دعائية عبر الحدود، مما أدى إلى تصعيد “حرب المناطيد” بين الجارتين وإلحاق الضرر بالعلاقات الثنائية المتوترة أصلاً بينهما.
وفي بيان أصدرته وكالة الأنباء المركزية الكورية المملوكة من الدولة الأحد الماضي، نددت كيم يو جونغ المتحدثة البارزة باسم النظام الكوري الشمالي وشقيقة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بكوريا الجنوبية واتهمتها “بافتعال أزمة جديدة”.
وقالت كيم العضوة البارزة في النظام “إنها مقدمة لوضع خطر للغاية. أحذر سيول بشدة أن تكف فوراً عن أنشطتها الخطرة التي من شأنها أن تزيد من أزمة المواجهة بين البلدين”.
ولم يكد يمر وقت طويل على التحذير الذي أطلقته السيدة كيم حتى أفاد الجيش الكوري الجنوبي صباح أول من أمس الإثنين بأن كوريا الشمالية أرسلت ما يفوق 300 منطاد عبر الحدود خلال الليل. وحملت غالبية تلك المناطيد نفايات ورقية وبلاستيكية من دون أن تتضمن أية مواد سامة، بحسب ما نقلت وكالة يونهاب الإخبارية.
وكانت الجارتان تعمدان بصورة متقطعة إلى إرسال بالونات مليئة بمواد دعائية عبر حدودهما المشتركة منذ الحرب الكورية في أوائل الخمسينيات. واستخدمتا البث الإذاعي ومكبرات الصوت والمنشورات للتأثير في مواطني بعضهما بعضاً، والترويج لعقائدهما وأنظمتهما الاجتماعية وتشجيع الجنود على الانشقاق.
وكانت المناوشات الأخيرة بدأت الشهر الماضي عندما أرسلت كوريا الشمالية 200 منطاد محمل بالنفايات، في رد انتقامي على النشطاء في الجنوب الذين أرسلوا مناطيد تحمل مواد دعائية متعلقة بمجتمعهم الديمقراطي، وأجهزة ذاكرة تتضمن مقاطع فيديو لموسيقى البوب الكورية.
ومنذ ذلك الحين تحولت الحرب النفسية إلى تصعيد حقيقي، إذ علقت سيول الأسبوع الماضي اتفاق عدم العدائية الذي أبرم عام 2018 والذي يهدف إلى خفض التوترات العسكرية.
وقال لي سونغ جون المتحدث باسم هيئة الأركان المشتركة لكوريا الجنوبية، إن تعليقات كيم تمثل تهديداً لفظياً متزايداً من كوريا الشمالية. وزعم لي بأن الجنوب يبث برامج إذاعية في مواقع يتمتع فيها الجنود بحماية كافية وهم مجهزون للرد بسرعة في حال تعرضهم لهجوم.
وأضاف لي خلال مؤتمر صحافي أول من أمس الإثنين “لا نعتقد أن بإمكانهم استفزازنا بهذه السهولة”.
وفي هذا السياق أشار خبراء استراتيجيون بأن فشل كوريا الشمالية في فهم الديمقراطية يعني بأن “حرب المناطيد” قد تخرج عن السيطرة.
وتعقيباً على ذلك قال ليف-إريك إيسلي وهو بروفيسور في جامعة “أوها” في سيول بأن “سيول لا ترغب بالتوتر العسكري على الحدود بين الكوريتين، وبأن بيونغ يانغ لا تريد الخوض في حرب معلومات خارجية تهدد شرعية نظام كيم”. وأضاف أنه “بالنسبة إلى الجانبين فإن التصعيد الرامي إلى خفض التصعيد وتخفيف الاحتقان ونزع فتيله” اقتراح محفوف بالأخطار. وربما تكون كوريا الشمالية أخطأت في حساباتها بالفعل، لأن الديمقراطية في كوريا الجنوبية لا تستطيع ببساطة إيقاف إطلاق بالونات المنظمات غير الحكومية بالطريقة التي يتوقعها النظام الاستبدادي”.
وقال إيسلي إن الحكومة الجنوبية الكورية السابقة عدلت قانوناً تحظر من خلاله مواطنيها من إرسال مناطيد إلى كوريا الشمالية. وأضاف لصحيفة “اندبندنت” “في ظل الإدارة المحافظة الحالية، تبين أن هذا الحظر غير دستوري. وبناءً عليه، إن حرية المنظمات غير الحكومية في كوريا الجنوبية في إطلاق منشورات مناهضة لنظام كيم لم تتم تسويتها قانونياً بعد من قبل الجمعية الوطنية والمحاكم المرعية الإجراء”.
كما افترض الخبراء بأن حملة المناطيد التي تقوم بها كوريا الشمالية تهدف إلى بث الفتنة في كوريا الجنوبية، وبخاصة في ما يتعلق بموقف الحكومة المحافظة الصارم تجاه بيونغ يانغ.
وفي هذا الإطار قال الرئيس السابق للمعهد الكوري للوحدة الوطنية كيم تاي-وو لوكالة “أسوشيتد برس” إن “إرسال المناطيد ليس خطوة ضعيفة أبداً. ويبدو الأمر وكأن كوريا الشمالية تبعث رسالة مفادها أنه في المرة المقبلة يمكنها إرسال بالونات تحمل صوراً مسحوقة (على شكل بودرة) من الأسلحة البيولوجية والكيماوية”.
وفي وقت دعا المشرعون الليبراليون في كوريا الجنوبية ومعهم كثير من مجموعات المجتمع المدني والأشخاص القريبين من الحدود الحكومة إلى التدخل وثني النشطاء عن نشر المنشورات لمنع التوترات مع كوريا الشمالية، واستشهدت السلطات بحكم المحكمة الدستورية الصادر العام الماضي والذي أبطل التشريعات ذات الصلة بهدف نزع المسؤولية عنها.
ووسط التوترات المتصاعدة قامت الولايات المتحدة، الحليف الرئيس لكوريا الجنوبية الأسبوع الماضي، بتسيير طائرة قاذفة بعيدة المدى فوق شبه الجزيرة وأجرت أول تدريب على قصف دقيق التوجيه مع كوريا الجنوبية منذ سبعة أعوام، واعتبر بمثابة تحذير ضد كوريا الشمالية.
وفي هذا الإطار قال إيسلي “يميل زعيم كوريا الشمالية إلى توجيه الضربات في أوقات غير متوقعة وبطرق غير متوقعة لتقسيم كوريا الجنوبية سياسياً، وتعقيد المسؤولية وجعل الأمر أكثر صعوبة على سيول للرد الانتقامي. وفي وقت تواجه فيه بيونغ يانغ شوائب مادية وأيديولوجية في تبادل الحملات الدعائية عبر الحدود، قد تلجأ إلى الاستفزازات مثل إطلاق النار أو القرصنة الإلكترونية أو حتى شن هجوم بحري”.
ولكن “لن يكون من الحكمة بالنسبة إلى نظام كيم اختبار الإرادة السياسية لكوريا الجنوبية وقدرتها العسكرية على الرد”. وتابع إيسلي قائلاً “إن بيونغ يانغ معتادة على استخدام تكتيكات غير متماثلة وقلبها لصالحها، ولكن في الفضاء المعلوماتي الحالي تتفوق عليها رسائل الحرية والنجاح الاقتصادي وموسيقى البوب الكورية”.
وانتقد يانغ مو جين رئيس جامعة الدراسات الكورية الشمالية في سيول استخدام المناطيد كصورة من صور التواصل مع الشمال، ووصفها بالبقايا البالية من الحرب الباردة”.
وقال لصحيفة “نيويورك تايمز” إن المناطيد فشلت في التأثير بصورة ملحوظة على ظروف حقوق الإنسان في الشمال، وتشكل البالونات المحملة بالقمامة والآتية من الشمال تهديداً داخل المجال الجوي لكوريا الجنوبية، حيث تنشط الحركة الجوية الدولية. وأضاف إيسلي “من وجهة نظر بيونغ يانغ إنها خطوة انتقامية وحتى مقيدة لحث سيول على وقف إرسال المنشورات المناهضة لنظام كيم إلى الجارة الشمالية. ولكن سيكون من الصعب على كوريا الجنوبية الديمقراطية الامتثال لذلك نظراً إلى النزاعات القانونية المستمرة المتعلقة بحرية المواطنين والمنظمات غير الحكومية في إرسال المعلومات إلى كوريا الشمالية”.
وقال إنه “على رغم أن الخطر الفوري لتصعيد عسكري ليس مرتفعاً في الوقت الحالي، فإن التطورات الأخيرة تظهر مدى حساسية وهشاشة نظام كيم تجاه العمليات المعلوماتية”.
وكان الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول وصف كوريا الشمالية الأسبوع الماضي بـ”المكان الأكثر ظلاماً على وجه الأرض” وبأن مناطيد القمامة التي ترسلها هي “استفزاز حقير”.