حرية – (23/6/2024)
في منطقة لا تهدأ فيها التنافسات والصراعات والحروب، كان السباق نحو قدرة إنتاج سلاح نووي طموحاً سعت إليه دول عدة. فقد سبقت إليه إسرائيل في ستينيات القرن الماضي وتمكنت بمساعدة فرنسا من إنتاج عشرات القنابل النووية، على رغم أنها لم تعلن ذلك رسمياً، وسعت إليه دول أخرى في الشرق الأوسط في فترات زمنية لاحقة كانت آخرها إيران التي تزعم أن برنامجها النووي سلمي.
ومع ذلك بدا للإسرائيليين أن العراق يسير بمساعدة فرنسية إيطالية على نهج مشابه، لكن سعيه انتهى في مثل هذا الشهر قبل 43 سنة، حين قصفت طائرات إسرائيلية في 7 يونيو (حزيران) 1981 مفاعله النووي جنوب بغداد ودمرته جزئياً، ما أحدث تداعيات خطيرة لا يزال أثرها باقياً حتى اليوم.
وفي سلسلة من خمس حلقات، تكشف “اندبندنت عربية” عبر عشرات الوثائق الأميركية التي رفعت عنها السرية من الاستخبارات المركزية والبيت الأبيض والخارجية والأرشيف الوطني، الأجواء التي سبقت ورافقت العملية العسكرية الإسرائيلية التي فاجأت العالم، وأثرت في رؤية الدول العربية للولايات المتحدة ودورها في المنطقة.
في الحلقتين الأولى والثانية، كشفنا كيف أن الاستخبارات المركزية لم تمتلك دليلاً دامغاً على أن العراق قرّر حيازة أسلحة نووية.
وثيقة حول الفجوة المؤسسية بين ادارتي كارتر وريغان
كما أنها لم تعلم ما إذا كانت محاولات بغداد الحصول على البلوتونيوم من إيطاليا ناجحة، ومع ذلك فقد ساورت واشنطن الشكوك حيال المشروع النووي العراقي بخاصة مع صعوبة الحصول على معلومات من الإيطاليين.
وعلى رغم المعلومات التي حصلوا عليها من الفرنسيين حول التدابير الفنية السرية التي من شأنها تعقيد أي جهود لاستخدام المفاعل واليورانيوم عالي التخصيب لأغراض صنع الأسلحة، وحين قصفت إسرائيل مفاعل أوزيراك العراقي في التويثة، فوجئت إدارة ريغان التي لم تخطرها تل أبيب بالعملية على رغم استخدام إسرائيل طائرات أميركية، ما أوقع إدارة ريغان في مشكلة مع الدول العربية الحليفة لها، وجعلها تفسر مبررات إسرائيل بالحجة الأسوأ.
وفي هذه الحلقة الثالثة، نكشف عبر الوثائق الأميركية مزيداً من المعلومات حول تداعيات الهجوم الإسرائيلي وكيف تعاملت معه إدارة ريغان مع الكونغرس ومع الإسرائيليين وعزمها استخدام الفيتو لمنع معاقبة إسرائيل، مع استعدادها لإدانة الهجوم على مفاعل التويثة العراقي.
ليست الأولى لكنها الأخطر
لم تكن الغارة الجوية الإسرائيلية في 7 يونيو (حزيران) 1981 أول عمل عدائي يهدف إلى وقف البرنامج النووي العراقي، فقد خربت إسرائيل المعدات المخصصة للمنشأة التي كانت على وشك تسليمها من قبل فرنسا 1979.
العالم المصري الدكتور يحيى المشد
وفي عام 1980 اغتالت عالماً مصرياً بارزاً كان يقود البرنامج العراقي وهو الدكتور يحيى المشد، لكن الهجوم الإسرائيلي الذي دمر المفاعل جزئياً كان أخطر من حيث التأثير والتداعيات. فمع الساعات الأولى التي أعقبت الهجوم سادت حالة من الارتباك لدى إدارة ريغان التي سارعت للحصول على المعلومات وتحليلها والاستعداد للتعامل مع تداعياتها.
ووفقاً للتقرير الأول الصادر من مركز عمليات وزارة الخارجية الأميركية يوم 8 يونيو 1981، اجتمع نائب رئيس البعثة الأميركية في تل أبيب ويليام براون مع رئيس الاستخبارات الإسرائيلية وآخرين للحصول على توضيحات بشأن الغارة، حيث خططت إسرائيل لانتظار الأسئلة حول الهجوم وقررت التقليل من شأنه، بحسب ما قال نائب وزير الدفاع الإسرائيلي.
ولكن إذا أصدر العراق إعلاناً فسيصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن بياناً لم تخطط إسرائيل أن يشتمل على أي تفاصيل حول الغارة.
تفاصيل الضربة الإسرائيلية
وأخبر الإسرائيليون براون لاحقاً أنهم ضربوا المنشآت الفرنسية فقط وحددوا توقيت الهجوم لتجنب انتشار الإشعاع والحد من الخسائر، واستخدموا 16 قنبلة أسقطتها ثماني طائرات أميركية من طراز “أف 16” ترافقها ست طائرات أميركية من طراز “أف 15″، ولم تكن هناك مقاومة عراقية تذكر. وزعم الإسرائيليون أن الصور التي التقطوها أظهرت أن إصابة قبة المفاعل أدت إلى انهياره.
لكن المسؤول الرئيس في قسم رعاية المصالح الأميركية في العراق ويليام إيغلتون، أوضح في برقية رقم 1558 إلى وزارة الخارجية الأميركية، أنه كانت هناك نيران مضادة للطائرات، أدت إلى ظهور إشاعات، ولكن لم تكن هناك سوى تكهنات حول سببها، في حين يبدو أن عدداً قليلاً فقط من المسؤولين العراقيين كانوا على علم بالضربة، ولم يكن هناك أي رد فعل شعبي واضح. وبالنسبة إلى الخسائر البشرية، أفاد إيغلتون بأن إيطاليا حصرت جميع عمالها في موقع مفاعل التويثة، لكن السفير الفرنسي أشار إلى أن فنياً فرنسياً واحداً مفقود.
رد فعل بغداد
وفي رسالة ثانية من ويليام إيغلتون إلى الخارجية الأميركية في 8 يونيو 1981، أشار إيغلتون إلى أنه لم يكن هناك رد فعل عراقي واضح على الهجوم على مفاعل التويثة، على رغم الانفجارات المسموعة التي رافقته، ومع ذلك نفذ قسم المصالح الأميركية في بغداد تدابير أمنية على رغم عدم توقع استهدافه على المدى القريب.
وزير الخارجية الأميركي ألكسندر هيغ
ومع ذلك، توقع إيغلتون أنه مهما قالت واشنطن، فإن القادة العراقيين سيحملون مسؤولية الهجوم على الولايات المتحدة، حيث استخدمت إسرائيل طائرات مقاتلة متقدمة وأسلحة أميركية المنشأ في الهجوم، ودعمت الولايات المتحدة إسرائيل باستمرار. وأشار إيغلتون إلى أن العراقيين سيشتبهون في أن الولايات المتحدة، إما شجعت الهجوم أو وافقت عليه. وأوصى بأن تنأى واشنطن بنفسها عن الإجراء الإسرائيلي، من أجل أمن مهمته في العراق وأمن الأميركيين الآخرين في المنطقة.
ولم تمر سوى فترة زمنية قصيرة على البرقية الثانية حتى تلقى إيغلتون رداً من وزير الخارجية العراقي سعدون حمادي، نقل المسؤول الأميركي تفاصيلها فوراً للخارجية الأميركية في برقية رقم 1560. وكان الرد عبارة عن مكالمة هاتفية تلقاها إيغلتون من وزير الخارجية العراقي، الذي أخبره أن العراق يشتبه في أن إسرائيل هي التي نفذت الهجوم على المفاعل، على رغم أن بغداد ليست لها حدود مشتركة مع تل أبيب ولم تكن في حالة حرب قتالية معها، وأن المنشأة كانت مكلفة، وأن العراق وقع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وأضاف حمادي أن إيغلتون كان أول ممثل أجنبي اتصل به منذ الغارة، حيث حافظت الولايات المتحدة على موقف عام يدعم السلام والعدالة، وشاركت في جهد مستمر لتحسين العلاقات مع العراق.
لكن حمادي أكد أنه كان بإمكان الولايات المتحدة منع الهجوم إذا أرادت ذلك، وقال إيغلتون رداً على ذلك إنه يستطيع التأكيد رسمياً على أن الولايات المتحدة لم يكن لديها علم مسبق بالغارة. وبعد أن أدلى حمادي بتعليق متشكك تم حذفه في الوثيقة، رد إيغلتون بأنه حتى لو كانت على علم بالرحلات الجوية، فلن تتمكن الولايات المتحدة من فعل أي شيء حيالها.
وزير الخارجية العراقي سعدون حمادي
وذكر حمادي أن العراق سيدعو إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وأعرب عن أمله في الحصول على دعم الولايات المتحدة.
أضرار أقل خطورة
وبعد يومين فقط من الضربة الإسرائيلية، أوردت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تقريراً حول تقييم المركز الوطني لتفسير الصور الفوتوغرافية تحت عنوان: “تقييم أضرار القنابل لمركز بغداد للأبحاث النووية، العراق”، أوضحت فيه أن الأدلة الفوتوغرافية تشير إلى أن الأضرار الهيكلية في المفاعل العراقي بعد الضربة الإسرائيلية كانت أقل خطورة مما تم الإبلاغ عنه سابقاً.
اسرائيل خططت للتقليل من شأن الضربة على المفاعل النووي العراقي
وبينما لم يتسن للاستخبارات المركزية الأميركية عبر الصور الفوتوغرافية تحديد الأضرار التي لحقت بالجزء الداخلي من مبنى المفاعل “إيزيس”، كانت هناك خمس حفر ناتجة من القنابل في مبنى مفاعل أوزيراك، وعدد غير محدد بالقرب من مباني الدعم المدمرة والمتضررة، وشوهدت عدة حفر بالقرب من المختبرات.
فجوة مؤسسية
في التاسع من يونيو 1981، أرسلت السفارة الأميركية في إسرائيل برقيتان إلى وزير الخارجية ألكسندر هيغ حول الخلفيات المتعلقة بالضربة الإسرائيلية والمناقشات التي جرت بشأنها مسبقاً بين الأميركيين والإسرائيليين، حيث أوضح السفير صامويل لويس في البرقية الأولى رقم 7592، أن الفجوة في “الذاكرة المؤسسية” تركت إدارة ريغان غير مدركة للحوار الحساس والمحبط بين مسؤولي كارتر وحكومة إسرائيل الذي حدث خلال عام 1980، وعندما انتهت تلك المناقشات، أصبح لويس مقتنعاً بأن إسرائيل ستضرب المفاعل قبل أن يصبح جاهزاً للعمل.
الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان
وفي معرض سرده لمحادثته مع بيغن في 17 يوليو (تموز) 1980، أوضح أن إدارة كارتر قدمت تطمينات رفضها رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن. وأشار إلى مؤشرات على أن الإسرائيليين قد يستخدمون الحرب العراقية- الإيرانية كغطاء للهجوم على المفاعل، ومع ذلك وصل الإيرانيون إلى هناك أولاً في هجوم سابق على أوزيراك.
كما ناقش السفير لويس أيضاً الإحاطة التي قدمها لبيغن في ديسمبر (كانون الأول) 1980 التي كان من المقرر أن يقدمها في الأصل مساعد وزير الخارجية توماس بيكرينغ، لكن التقرير لم يشر إلى وجود خلاف أساسي بين الولايات المتحدة والإسرائيليين بشأن الأهداف النووية للعراق.
لكنه حذر من أن الهجوم على المنشآت النووية سيكون بمثابة نكسة خطيرة للسلام في المنطقة، ومع ذلك، ظل بيغن يشعر بالقلق من أن الدبلوماسية الأميركية للسلام لن تنجح، وكان اجتماع ديسمبر هو آخر تبادل من نوعه مع الحكومة الإسرائيلية.
ووفقاً للويس، فإن توقيت الضربة الإسرائيلية الأخيرة هو الأكثر ضرراً لجهود الولايات المتحدة الدبلوماسية في المنطقة، لكنه أيضاً اعتبر أن الإسرائيليين لم يروا سوى نافذة زمنية ضيقة للغاية لشن الهجوم من أجل تجنب خطر توجيه ضربة إلى مفاعل “قيد التشغيل”، والتي من شأنها أن ترسل أيضاً رسالة إلى السوريين بشأن إزالة الصواريخ من لبنان بسلام والتي كانت نقطة خلاف واضحة آنذاك.
مفاعل تموز الواقع جنوب بغداد الذي دمر عام 1981
وفي البرقية الثانية من السفير الأميركي لويس لوزير الخارجية ألكسندر هيغ، أضاف معلومات أقل مقتطعة في ما يتعلق بالمناقشات التي أجريت في أواخر سبتمبر (أيلول) 1980، ولا سيما الإشارة إلى استنتاج مفاده بأن هناك احتمالاً بنسبة 20 إلى 40 في المئة لحدوث ضربة إسرائيلية للمفاعل النووي أوزيراك.
انتهاك إسرائيل لاستخدام الأسلحة الأميركية
وبينما أبلغ قسم رعاية مصالح الولايات المتحدة في العراق الخارجية الأميركية عن الأضرار التي لحقت بالمنشأة النووية العراقية، والتي أكدت أن فنياً فرنسياً قُتل بسبب الأبخرة أثناء الغارة الجوية، ووقوع العديد من الضحايا العراقيين، أشارت البرقية إلى أنه لم يبق الكثير للعمل به في الموقع، وأن الفنيين والخبراء الفرنسيين لن يعودوا بينما الحرب العراقية- الإيرانية مستمرة.
غير أنه في التوقيت ذاته، كانت هناك قضية أكثر إلحاحاً للأميركيين، حيث أطلع عضو مجلس الأمن القومي روبرت كيميت، مستشار الأمن القومي ريتشارد ألين، على المتطلبات القانونية بموجب قانون مراقبة تصدير الأسلحة لقطع الصادرات العسكرية إلى دولة انتهكت اتفاقيات المبيعات العسكرية بشكل كبير، وإخطار الكونغرس بذلك.
ففي 11 يونيو 1981، أوضح كيميت في مذكرة أن قانون مراقبة تصدير الأسلحة، يتطلب قطع المبيعات العسكرية والتسليم إذا انتهكت دولة ما بشكل جوهري أي شرط من الاتفاقية التي يتم بموجبها نقل الأسلحة الأميركية إليها، وأنه يتعين على الرئيس أن يقدم تقريراً إلى الكونغرس على الفور في حالة وقوع مثل هذا الانتهاك (لكن تفويض شرط الإبلاغ هذا من قبل السلطة التنفيذية يعود إلى وزير الخارجية).
السفير الإسرائيلي في واشنطن إفرايم إيفرون مع الرئيس ريغان
وفي ما يتعلق بالهجوم على المفاعل العراقي، قررت إدارة الرئيس رونالد ريغان أن إسرائيل ربما انتهكت بشكل كبير اتفاقها بشأن استخدام الأسلحة الأميركية للدفاع عن النفس فقط، على رغم أن القضية كانت لا تزال قيد المراجعة.
ونيابة عن الرئيس ريغان، أبلغ وزير الخارجية ألكسندر هيغ الكونغرس بالهجوم الإسرائيلي على المفاعل النووي العراقي، وتم تعليق الشحن الفوري لأربع طائرات إضافية من طراز “أف 16” لإسرائيل، قبل أن تقرر الإدارة بشكل نهائي ما إذا كان قد حدث انتهاك كبير.
وإذا حدث ذلك، فإن العقوبات ستدخل حيز التنفيذ بعد إخطار الكونغرس، وإذا لم يحدث ذلك، فلا يلزم قانوناً فرض عقوبات أو تقديم تقارير إلى الكونغرس، على رغم أن الإدارة ألزمت نفسها بتقديم تقرير ثانٍ إلى الكونغرس تحت أي ظرف من الظروف.
وافترض كيميت أن عمليات تسليم طائرات “أف 16” الأخرى لن تتأثر، مشيراً إلى أنه من المقرر تسليم طائرات أخرى من طراز “أف 16” في منتصف يوليو، وأن المراجعة يجب أن تكتمل بحلول ذلك الوقت.
كشف ادعاء بيغن
وفي واحدة أخرى من الأمور التي تكشف الاستياء الأميركي من الضربة الإسرائيلية، ما نقله يوم 12 يونيو 1981، تقرير لوكالة استخبارات الدفاع الأميركية، عن مصدر موثوق أكد أن ادعاء مناحيم بيغن، الذي نشرته الصحافة في اليوم السابق، بأن العراق لديه مخبأ سري على عمق 40 متراً تحت موقع مفاعله النووي في التويثة لإنتاج أسلحة ذرية، هو مجرد “هراء”.
ووفقاً للمصدر، كان بيغن يتجاهل أحياناً أثناء الأزمات، أو يفشل في فهم تفاصيل الملخصات الاستخباراتية، وينقل معلومات كاذبة إلى السفير الأميركي صامويل لويس وإلى الصحافة، مما يحبط جهاز استخبارات الجيش الإسرائيلي، ووفقاً لملحق في هذا التقرير، اتصل بيغن هاتفياً بوكالة “رويترز” للأنباء للاعتذار عن الخطأ قائلاً إنه لم يكن هناك مخبأ سري على عمق 40 متراً تحت الأرض، بل على مسافة أربعة أمتار فقط.
تبرير دبلوماسي لإسرائيل
ومع ذلك، سعى مجلس الأمن القومي إلى إيجاد تبرير دبلوماسي للضربة الإسرائيلية، حيث كتب أحد موظفي مجلس الأمن القومي وهو دوغلاس فيث رسالة إلى رئيس مجلس الأمن القومي ريتشارد ألين بناء على طلبه لتقديمها إلى الرئيس ريغان في 15 يونيو 1981 تحت عنوان “الخلفية الدبلوماسية للغارة الإسرائيلية على المفاعل النووي العراقي”، والتي تتضمن تحذيراً للرئيس ريغان من أنه يجب أن يضع في اعتباره تلميحات رئيس الوزراء بيغن المتكررة للسفير صامويل لويس خلال الأشهر الأخيرة من إدارة كارتر بأن إسرائيل قد تتخذ إجراءً أحادياً إذا لم تلب الولايات المتحدة الطلب الإسرائيلي بأن تجبر واشنطن فرنسا وإيطاليا على قطع الدعم الفني للبرنامج النووي العراقي.
المبعوث الخاص الأميركي فيليب حبيب
وأشارت المذكرة إلى أنه في ديسمبر 1980، أخبر لويس بيغن أن الولايات المتحدة اتفقت مع إسرائيل على أن العراق يسعى للحصول على خيار الأسلحة النووية وأن تقييمات الخبراء الأميركيين والإسرائيليين كانت في اتفاق أساس.
لذلك، طلب مسؤولو مجلس الأمن القومي من الرئيس ريغان تأطير تصريحاته العامة حول الغارة مع وضع الخلفية الدبلوماسية للغارة في الاعتبار، خشية أن تؤدي إلى استعداء إسرائيل بشكل غير مبرر واستفزاز تل أبيب للقول بأن حكومة الولايات المتحدة ليس لديها ذاكرة داخلية.
إبقاء الخيارات الأميركية مفتوحة
لكن في المقابل، أصدر القائم بأعمال وزير الخارجية والتر ستوسيل، مذكرة للرئيس ريغان، في 15 يونيو 1981 تحت عنوان: “الاستراتيجية السياسية للرد على الهجوم الإسرائيلي”، تشرح بالتفصيل كيف أن الضربة الإسرائيلية وضعت الولايات المتحدة في موقف قانوني وسياسي صعب في ما يتعلق بحليفها الإقليمي الرئيس (إسرائيل).
رئيس مجلس الأمن القومي ريتشارد ألين
وأوضح ستوسيل للرئيس ريغان استراتيجية وزارة الخارجية للإدلاء بالشهادة أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب ولجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بشأن الهجوم على المفاعل.
وكتب ستوسيل أن الولايات المتحدة ليست مطالبة باتخاذ قرار قانوني بأن إسرائيل انتهكت قوانين تصدير الأسلحة الأميركية، ونصح في الواقع، بعدم القيام بذلك، لإبقاء الخيارات مفتوحة: إذا وجدت أن الضربة كانت غير قانونية، فسيُطلب من واشنطن قطع تدفق الأسلحة إلى إسرائيل، ومن ناحية أخرى، فإن التوصل إلى عدم حدوث أي انتهاك يبدو أنه يؤيد موقف إسرائيل بأن الهجوم كان عملاً من أعمال الدفاع المشروع عن النفس، مما قد يؤدي إلى الإضرار بعلاقات الولايات المتحدة مع الحكومات العربية الصديقة.
رفض تبرير الهجوم الإسرائيلي
ومع ذلك، كشفت برقية لوزارة الخارجية الأميركية رقم 159555 موجهة إلى سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل يوم 18 يونيو 1981، أنه بعد رسالة رئيس الوزراء بيغن إلى الرئيس ريغان بخصوص الضربة، التقى مساعد وزير الخارجية الأميركي نيكولاس فيليوتس ومسؤول مكتب شؤون الشرق الأدنى دانييل هيرش مع السفير الإسرائيلي في واشنطن إفرايم إيفرون لمراجعة وجهة نظر إسرائيل بشأن التغطية الإعلامية الأميركية للهجوم على المفاعل، حيث أخبر الأميركيون إيفرون أن التقييم الأميركي الصادر في ديسمبر (كانون الأول) 1980، والذي تناول الأنشطة في المنشأة النووية والمخاوف بشأن إمكانات برنامج العراق، لم يتضمن نتيجة نهائية حول نيات العراق على المدى الطويل.
الاستراتيجية السياسية الأميركية للرد على الهجوم الاسرائيلي
وقال فيليوتس لإيفرون إن المناقشات السابقة، بما في ذلك تصريحات السفير لويس لرئيس الوزراء بيغن في ديسمبر 1980، لا يمكن استخدامها لتبرير الهجوم الإسرائيلي، كما دحض فيليوتس انطباع إيفرون بأن التغطية الإعلامية أظهرت أن الولايات المتحدة حاولت إخفاء أو تشويه مخاوفها بشأن الانتشار النووي حول برنامج العراق. وأضاف أنه يتعين على إسرائيل أن تعترف بالقلق على مستوى عال في واشنطن بشأن الهجوم المفاجئ.
ورداً على سؤال من إيفرون حول المداولات الجارية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قال فيليوتس إن الولايات المتحدة ستستخدم حق النقض ضد أي قرار محتمل يفرض عقوبات على إسرائيل، لكنها مستعدة للتصويت لمصلحة قرار يدين الهجوم.
التأثير على مهمة فيليب حبيب
وفي ما يتعلق بالأزمة في لبنان، طلب السفير الإسرائيلي إيفرون تقييم الولايات المتحدة للموقف السعودي تجاه مهمة المبعوث الخاص الأميركي فيليب حبيب لإحلال السلام في لبنان وتوقعاتها.
وقال فيليوتس إن السعوديين أخبروا فيليب حبيب أنهم يشاركون الولايات المتحدة هدفها في إيجاد حل دبلوماسي، ويريدون أن تستمر مهمته لتحقيق وقف لإطلاق النار في لبنان الذي كان يشهد حرباً أهلية منذ عام 1975.
ومع ذلك، أوضح الأميركيون أن الضربة الإسرائيلية على المنشأة العراقية أسهمت في تفاقم الوضع، حيث قال فيليوتس إنه ليس لدى الأميركيين بعد تقرير عن مناقشات حبيب في دمشق، حيث كان من المقرر أن يبدأ اللقاء في 17 أو 18 يونيو، وما زالت واشنطن تعلق أهمية كبيرة على جهود فيليب حبيب لإيجاد حل دبلوماسي لمشكلة لبنان.