حرية – (26/6/2024)
يعد التسويق الفني عنصراً مهماً وأساسياً في صناعة الفن كونه يسهم في جذب انتباه الجمهور إلى العمل وإيصاله إليه. وتتنوع أساليب الترويج ما بين الإعلانات والمقابلات والتغطية الإعلامية والحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن البعض يشكك في صدقية وشفافية الحملات التسويقية ويرون فيها خداعاً للجمهور لاعتمادها أساليب تضليلية سواء من خلال استخدام أرقام مضخمة أو مفبركة حول عدد المشاهدات والتقييم أو عناوين ومقاطع دعائية مضللة أو نشر إشاعات حول مشاركة فنانين مشهورين في العمل الفني أو اعتماد الترويج المدفوع كشراء مراجعات إيجابية من مواقع إلكترونية أو أشخاص، ودفع المال للمؤثرين لنشر محتوى مروج للعمل الفني، واستخدام الإعلانات المدفوعة بصورة مكثفة من دون مراعاة جودة العمل الفني.
فكيف ينظر النقاد وصناع الفن إلى التسويق الفني، وهل هو سلاح ذو حدين، وهل يتم استخدامه أحياناً لخداع الجمهور، وكيف يمكن أن يسهم هذا النوع من التسويق المضلل في تراجع المستوى الفني؟
الممثل الكويتي عبدالله التركماني
رأي فني ورأي علمي
الممثل الكويتي عبدالله التركماني يرى أن للفن أبعاداً عديدة ومتنوعة ويمكن أن يتأثر بمختلف العوامل بما فيها التسويق الذي يعتمد على وجهة نظر كل فنان أو متلقٍ فيقول لـ”اندبندنت عربية” “مع أن بعض الأعمال الفنية قد تبدو تسويقية لكن بعضها يحمل مفاهيم وتعابير عميقة، ولا شك أنه يوجد تباين بين الرأي الفني والرأي العلمي في هذا الشأن، فمن الناحية الفنية قد يرى البعض أن التركيز على التسويق قد يؤثر سلباً في جودة الفن وروحه، بينما من الناحية العلمية يرى آخرون أن الجانب التسويقي يساعد الفنان على تحقيق النجاح والاستدامة في مجاله”.
وإذا كان التسويق سلاحاً ذا حدين لكن لا يمكن أن ننكر أهميته في المجال الفني لأسباب عدة، يشرحها التركماني قائلاً “هو يساعد على تعزيز ونشر الأعمال الفنية لتصل إلى جمهور أوسع وأكبر عدد ممكن من المهتمين، ويسهم في بناء شهرة الفنان وتسويق نفسه بصورة فعالة يجعله قادراً على تحقيق النجاح المالي والاعتراف العام، فضلاً عن أن استراتيجيات التسويق الصحيحة تساعد في تحديد الجمهور المستهدف والتواصل معه عبر الوسائل المناسبة، ولذلك فإن هذه الخطوة ضرورة أساسية للفن ونجاحه واستمراريته في الساحة الفنية. لكن يمكن استخدامه أيضاً سلباً عبر تقنيات خداعة لجذب الانتباه أو بيع أعمال فنية لا تلبي التوقعات، لذا من المهم التوازن بين الترويج الشفاف واحترام الجمهور لبناء علاقات قائمة على الصدق والثقة”.
الكاتبة اللبنانية كلوديا مرشليان
نتيجة عكسية
ومع أن بعض صناع الدراما يرصدون مبالغ خيالية للتسويق لأعمالهم، لكن النتيجة تكون عكسية من وجهة نظر الكاتبة اللبنانية كلوديا مرشليان التي تؤكد أنها ضد المبالغة فيه، وتوضح “المبالغة في التسويق تجعلنا نشعر بعدم الرغبة بمشاهدة العمل وأنا أفضل أن يتم التسويق له قبل وأثناء عرضه، عدا عن أنها تؤذي العمل الذي قد لا يكون على قدر توقعات الجمهور لأنها ترفع من مستوى التوقعات عنده. أما السوشيال ميديا، فإنها تفرض نجاح الأعمال بالقوة وتلغي الفشل ولم نعد نعرف الحقيقة إذ أصبح لكل عمل ناسه الذين يمدحونه ويصفقون له، حتى إن صناعه يحتفلون بنجاحه منذ عرض الحلقة الأولى. وهذا الأمر يؤذي الدراما ويتسبب في تراجعها ويشجع صناعها على عدم بذل أي جهد من أجل تقديم الأفضل، لأن تطورها يتحقق عندما تتم الإضاءة على الأخطاء وتصحيحها. ولا شك أن السوشيال ميديا أثرت سلباً على مستوى الدراما، وقبلها كان القيمون عليها قادرين على تحديد نسب المشاهدة أما اليوم فنحن نسمع المباركات بنجاح العمل قبل طرحه، ومتابعو الفنان يقدمون له الدعم مهما كان مستوى العمل وعلى رغم ذلك فإن العمل الجيد يفرض نفسه. الفن لم يتراجع لكن هناك تخمة في كل شيء في الحفلات والأغنيات والأعمال المصورة والبرامج والمسلسلات، وهذه التخمة تجعل الناس يحجمون عن الفن”.
الممثل السوري محمد خير الجراح
سلاح ذو حد واحد
وسياسة الضخ الإعلاني تجبر المتلقي على مشاهدة العمل أو الفيديو كليب حتى لو لم يكن مقتنعاً بهما، وتجعله يشعر بأنه على خطأ حتى لو كان العمل الفني سيئاً. وفي هذا الإطار يوضح الممثل السوري محمد خير الجراح قائلاً “هم يسوقون عبر وسائل التواصل لمتابعة أعمال دون المستوى، وقد يظن المشاهد بينه وبين نفسه أنه على خطأ حتى إنه يشكك بذوقه وقناعاته، ومن يتحمل المسؤولية هي المؤسسات وليس الفنان أو المنتج، لذلك يجب على المنصات وضع مخططات لضبط هذا الوضع. ولا شك أن مهمة الرقابة ستكون صعبة بل شبه مستحيلة بسبب الغزو الإلكتروني، ويكمن الحل من خلال تفعيل دور المؤسسات التي ترعى الأعمال والفنانين”. ويردف “التسويق سلاح ذو حد قد يساهم في خداع الجمهور، ومعيار التقييم عند معظم من الناس لم تعد القيمة الفنية بل المشاهدات التي يتم التحكم فيها إلكترونياً. واليوم، كل شيء أصبح تجارياً وفيه استغلال للجمهور من أجل تحقيق الفائدة المادية”.
ويلعب التسويق اليوم دوراً مهماً في عالم الفن أكثر من أي وقت مضى كونه يخلق فرصاً جديدة للفنانين لعرض أعمالهم والتواصل مع جمهورهم بخاصة مع انتشار المنصات الرقمية، إلا أن الناقد الفني محمد حجازي ينتقد هذا الوضع بقوله “للأسف تحول الفن إلى مادة للتسويق والكل يهتم للترويج لأعماله التي تكون في معظم الأحيان فارغة لا قيمة أو هدف لها، وكلما كان الترويج مكثفاً أدركنا أنه غير جدير بالاهتمام، فالعمل الجيد يتحدث عن نفسه وليس في حاجة لمن يصفق له ويمدحه كما هي حال المطربين الكبار، حين يروج بعض الفنانين لأعمالهم بالطريقة التي تناسبهم ولكنها لا تعكس الحقيقة، وهذا النوع من الفن لا يستمر ولا يدوم. والترويج لبعض الأعمال يجعلنا نشعر بأنها تحف فنية وسرعان ما نكتشف الحقيقة عندما نسمع الأغنية أو نشاهد المسلسل أو الفيلم، ومن يفعل ذلك يهمهم الاستفادة من خلال تشجيع الجمهور على حضور حفلة أو فيلم”.
أرقام وهمية
ويفرق الناقد خالد شاهين بين التسويق للسينما والتسويق للدراما التلفزيونية والأغاني، ويشدد على أهميته في عالم السينما والأفلام. ويوضح “التسويق حرفة مهمة خصوصاً في مجال السينما وهناك خبراء يتقاضون أجوراً عالية جداً لصناعة الإعلانات الدعائية للأفلام بحيث تضم كل عناصر الجذب بمدة لا تتجاوز الـ30 أو 50 ثانية، ولا يمكن أن نلوم صانع الدراما عندما يقدم أفضل إعلان لمنتجه لأنه من وجهة نظره عبقري وعظيم جداً، ولذلك هو يتفنن في صناعة الإعلان لكي يصل إلى أكبر عدد من الناس ويحقق النجاح. أما الدعاية الخاصة بالدراما التلفزيونية فهي حديثة العهد، بدأت مع انتشار الفضائيات على يد بعض المخرجين الشباب أمثال محمد سامي وأحمد خالد موسى اللذين اهتما بأغاني ’التترات’، كما حصل في مسلسل ’حكاية حياة’ لغادة عبر الرازق عندما غنت شيرين عبدالوهاب ’مشاعر’ التي ضاهت بنجاحها نجاح المسلسل أو مسلسل ،أريد رجلاً، لأياد نصار الذي غنى شارته ’نهاية واحدة’ وائل جسار. ولكن في بعض الأعمال تفوقت الشارة على المسلسل كما في ’فرصة تانية’ لياسمين صبري الذي كان مخيباً للآمال”. ويتابع شاهين “أما على مستوى الأغنية فهناك أرقام خيالية وغير حقيقية يتحدث عنها المغنون بهدف الانتشار ورفع أجورهم في الإعلانات والبرامج، وهذه الظاهرة انتشرت مع السوشيال ميديا، لكنني لا أعتبرها دعاية بل هي خداع يقع ضحيته الفنان نفسه لأنه يقتنع بأنه ناجح مع أنه يعرف أن الأرقام غير صحيحة، وهذا الأمر ينسحب أيضاً على الدراما التلفزيونية. وهناك صراع بين الممثلين والممثلات على عدد المتابعين علماً أن الأرقام المذكورة في حساباتهم مزيفة بنسبة 70 في المئة، ولكنهم يتعاملون مع الأمر وكأنهم مؤثرون ويتابعهم الناس لأن المنتجين يختارون الممثلين انطلاقاً من عدد متابعيهم، إلا أن صناع الدراما انتبهوا للأمر وأصبحوا يعرفون الفنان المؤثر الذي لديه متابعون حقيقيون علماً أن متابعي 90 في المئة من الفنانين مزيفون”.