حرية – (27/6/2024)
ينطلق المفكر والباحث والمترجم المغربي المتخصص في الفلسفة المعاصرة حسن أوزال في كتابه الجديد “العيش بصحبة الفلسفة” الصادر عن “محترف أوكسجين للنشر” من سؤال جوهري: “هل منا من اختبر مرة أن يعيش فكرة ما؟، حسبه في ذلك أن الأفكار منذورة أساساً لأن تعاش لا لأن تقرأ وحسب، على اعتبار أنها حينئذ فقط تكون ذات مفعول وأثر”.
بهذا التساؤل والطرح المستفز للعقل والمثير للتفكير يمضي أوزال في تقديم مقولته الفلسفية التي صرح بها بدءاً من العنوان الذي جاء على شكل نداء، مبتكراً معادلة ثنائية لها أن تكون بوصلة للقارئ، وهو يكتشف أهمية التجربة الفلسفية عندما تفتح أمامنا إمكانات الحياة وسبل عيشها فلسفياً، وهذا ما يحقق الصلة مع الواقع ومع عالمنا الحسي الذي نحيا ونختبر فيه تمثلاتنا الخاصة للوجود، انطلاقاً من “التفكير في تقنيات إبداع الحياة وخلق إمكانات جديدة للعيش”.
وعلى هذا النحو وابتداء من مقدمة الكتاب التي جاءت بعنوان “الفلسفة باعتبارها مشروعاً وجودياً”، يعمل أوزال على إيقاظ حواسنا بالفلسفة، مصرحاً بأن الدافع الأساس لانشغاله بالفكر عموماً وفلسفة خصوصاً ينطلق من هوسه بعشق الحياة.
والكِتاب ينشد الحرية على نحو مغاير ويتوق للحب والجمال والمغامرة، فهو كِتاب يوقظ حواس القارئ بالفلسفة ويجترح جراء عيشه بصحبتها، مسلكاً مختلفاً يقودنا إلى طيف واسع من المناهج والأفكار الفلسفية التي يعايشها ويقاربها بحنكة ورقة، مناهضاً ما يوهن الإنسان ويحزنه، وكل ما هو ضبابي وتجريدي، مقدماً الفلسفة كممارسة حياتية تنشد المتعة، ورحلة محفوفة بالمتع والإشراقات والاكتشافات اللامتناهية.
الكتاب الفلسفي
في مقدمة و12 فصلاً موزعة على 176 صفحة، ينهل أوزال من مراجع فلسفية تأسيسية مشرعاً الباب على الطرح والطرح المضاد، بما يتيح المجال لمراجعات عملية لكثير من الأفكار والطروحات الفلسفية، مستنداً في ذلك إلى حس نقدي وفلسفي مغاير وإلمام كبير بالتوجهات الفكرية والفلسفية المعاصرة، ومدى اختبارها للحياة لا كفكرة بل كواقعة، واقعة تجبرنا، كما يقول الكاتب، على الفعل أكثر مما على التنظير، وتدفعنا إلى البناء بدلاً من الاكتفاء بالتأمل، وهذا ما يلخصه وجود فصول بالعناوين التالية، “الفلسفة أسلوباً للحياة” و “في ارتباط الفلسفة والشعر بميلاد التراجيديا” و “في الحاجة إلى فلسفة للسعادة” و”الأبيقورية باعتبارها فلسفة للحرية” و “في الحاجة إلى التربية الموسيقية” و “التفقير باعتباره آلة حربية تعطل السعادة الاجتماعية”.
وبحسب أوزال تبدو الفلسفة وفق تصور هيغل نشاطاً بلا جدوى، فهي مجرد تمرين رياضي للعقل المستقيل، ومهمة منوطة بالأستاذ المدرس الذي تتكفل الدولة بتعويضه عن أتعابه عند نهاية كل شهر، لكن شرط تنقيط وتقويم جمهور من الطلبة دائمي الحضور، بغرض فرز من يستحق منهم نيل الدبلوم الكفيل بضمان قوته اليومي حينما يصبح هو كذلك موظفاً.
ضد هذا النزوع المرضي نلاحظ أن الفيلسوف لا يفكر من أجل أن يحيا وحسب، بل أيضاً من أجل أن يحيا حياة أفضل، إذ إنه يفكر توجيهاً لسلوكه في الحياة ما دام “ألا حقيقة بالنسبة إليه سوى في ما يأتيه من أفعال”، تيمناً بسارتر الذي يمضي في موضع آخر حد تحديده على “أن الإنسان ليس شيئاً آخر، عدا مجموع أفعاله وسلوكه، إنه ليس إلا حياته، ولذلك فكل تأمل وعملية تعقل تقتضي أول ما تقتضيه أن نرسم لذواتنا مسلكاً وجودياً، صانعين من حياتنا لوحة فنية لا سجناً قاتلاً، وعلينا أن نصير شعراء حيواتنا بتعبير نيتشه، فنجعل الأشياء تبدو جميلة حتى عندما لا تكون كذلك، وعلينا أن نرى في كل واقعة تجلياً لإرادة القوة التي ليست إلا المتعة والسعادة، الفرح والجمال، لكن هيهات هيهات، ما دام أن كل ما هو جميل نادر وصعب المنال”، على حد التعبير الرائع لسبينوزا في آخر كتابه “الإيتيقا”، أكيد لأن كسب القوة في الوجود هو ما يتطلب المران الدؤوب لا الكسل والخمول، وهو مران يفضي بصاحبه إلى تعلم تقنيات العيش العديدة رسماً لأفقه الخاص، وذلك يقيناً ما يجعلنا بحاجة ماسة إلى تعاطي القراءة كطقس يومي، قراءة فلاسفة الحياة بطبيعة الحال من قبيل ديوجين وبلوتارك وأبيقور وأنتيستين وديمقريطس وأريستيبوس مونتيني ونيتشه وكامو، وغيرهم كثر، واضعين في الحسبان أن المغزى ليس القراءة والمكتبة ولا الكتابة والكتب، بل ما تخوله إيانا هذه التقنيات من قدرات، خلقاً لإمكانات حياة جديدة وفريدة، إذ ما الداعي إلى التهام نصوص بأكملها من دون أن يكون لها أدنى أثر في طريقة عيشنا؟
وكان حسن أوزال أصدر عام 2012 كتابه “تضاريس فكرية… نحو فلسفة محايثة” و”منطق الفكر ومنطق الرغبة” عام 2013، إضافة إلى إسهامه في كثير من الكتب والأعمال المشتركة، ومنها “أفول الحقيقة… الإنسان ينقض ذاته” و “داروين والثورة الداروينية” و”الأقليات والأسئلة المكبوتة”.
ومن ترجماته “حكمة الحداثيين… أنطولوجيا الحاضر” (2004) و”الجنس والوعي الأخلاقي: في نقد التحليل النفسي الفرويدي” لميشال هار (2007)، و”تأملات فلسفية” لأندريه كونت سبونفيل (2022).