حرية – (29/6/2024)
أيمن خالد
الحرب المنتظرة في الجنوب اللبناني معادلة صفرية جديدة، الحديث عن نتائجها باستثناء الكوارث سيكون أمراً مستبعداً، ما يعني أن ثمة محركا استثنائيا خارج جغرافيا الحرب قد لا يوقفها عند أجل ويدفعها باتجاه المشهد السياسي، وبالتالي كيف يمكن رؤية هذه الحرب عبر أكثر من منظور.
أمريكا والقلق من تحول الحرب إلى نقطة استعصاء شبيهة في نقطة الاستعصاء التي تعيشها غزة، ولبنان والمنطقة العربية يتناوبون في استشعار غزة ثانية، مع أن الواجهة اللبنانية أكثر اشتباكاً بين ميداني الحرب والسياسة، بسبب الجغرافيا المفتوحة، والتي تتيح عملاً ميدانياً مفتوح الأفق ودبلوماسية سريعة متاحة منذ زمن “فليب حبيب” ما قد يوقف اشتعال الحرب والسياسة عند جغرافيا وأجل.
في الشارع الإسرائيلي ثمة خشية من لعبة المصالح في حكومة نتنياهو وثمة سؤال هل تنقذ لبنان نتنياهو بعدما جرفته الوقائع في غزة إلى غير المتوقع، أم تذهب حرب لبنان عند اشتعالها نحو المجهول، وفي شارع حزب الله وتياره، تختفي القيمة الإنسانية للفرد، تماماً كما اختفت عند حركة حماس خصوصاً مع خطاب خالد مشعل الأخير، والذي قرأ علينا صورة الثمن في الحرب، وبرره لأنه كائن لأجل سلامة المنظومة الحزبية والفكرة، وهي كذلك عند حزب الله، وعموم معتنقي فكرة الإطاحة بالدولة لأن الحزب هو الفكرة والفرد وليس الدولة والإنسان.
وفي اللغة السياسية المرنة والتي تمكننا من رؤية المشهد بشكل واسع من خلالها، يبدو واضحاً أن استعجال نتنياهو للذهاب إلى غزة أخذه وأركان حربه لاحقاً نحو الجنائية الدولية، بينما لو تباطأ في قصة الحرب لأسابيع فقط، كانت الجنائية الدولية ستتوقف أمام ضحايا ومختطفين من 23 دولة كانوا في قصة المسرح المعروفة، وهكذا كان من نتائج حرب غزة الأولى أن حماس جلست بانتظار الدور الثاني للمحكمة الجنائية الدولية والتي بدورها استعجلت نتنياهو وقسماً من أركان حربه للقدوم إليها، فما هي حرب لبنان بعد ذلك.
فالمصالح العاجلة في حكومة نتنياهو استعجلت الخلاص من التظاهرات التي جلبتها التعديلات القضائية في إسرائيل وأضعفت صوت نتنياهو، وبالتالي كم هو الجانب الشخصي في هذه المعادلة التي ستكون نقطة استعصاء جديدة في العالم، ونشير هنا إلى أنها ليست نقطة الاستعصاء التي جلبتها الحرب الكورية، ولكنها نقطة استعصاء سياسية بقدرها تماماً ستبقي الحلول السياسية في منطقة الشرق الأوسط فترة طويلة في قائمة الانتظار.
ميدانياً الحرب تريدها إسرائيل على شاكلة حرب تموز 1981 والتي أوقفها فليب حبيب بالاتفاق الشفوي الشهير بين ياسر عرفات ومناحيم بيغن، لكن حرب 1981 لم تثمر فأنجبت الاجتياح الإسرائيلي الذي وصل إلى بيروت في العام التالي 1982 وأدخل المنطقة في سبات سياسي طويل، مما دفع الانتفاضة الفلسطينية الأولى للظهور، انتفاضة الحجارة، فما عجزت عنه الحرب، جلبته السياسة، وهكذا جلس الطرف الإسرائيلي مفاوضاً أمام الطرف الفلسطيني الأضعف، وانتهت المرحلة بالحركة السياسية التي أفرزت أوسلو.
في المعادلة الفلسطينية الداخلية والمعادلة اللبنانية أصبح الموضوع ينتمي اليوم إلى زمن آخر، لا يمكن إعادة إنتاج الماضي من خلاله بصورة جديدة، فالذهاب إلى الحرب مع ميليشيا حزب الله، هو تماماً مثل ذهاب نتنياهو للحرب مع حماس، والتي ظهرت في خطاب مشعل الأخير كقنبلة سياسية وانقلاباً خطيراً غير متوقع في السياسة والفكرة، فهو يدعو إلى استنفار الضفة وانخراط السلطة وكل المقومات الفلسطينية المحدودة، خلف السابع من أكتوبر مع اعتباره للأثمان البشرية مسألة طبيعية، وبالتالي فالنظرية ذاتها عند حزب الله، الذي لا يرى في الخسائر المادية والبشرية أي خسارة مقابل انتصار نظرية الأيديولوجيا، تماماً ما يجعلنا نتذكر موت الملايين، ثم معاناة الملايين حتى اليوم في معادلة (الاستعصاء في الحرب الكورية) لأن الفكرة كانت في المعادلة أكبر من الدولة، وأكبر من الانسان واحتياجاته البشرية.
ما يهمنا في المعادلة السياسية أن عقدة الأيديولوجيا لم تكن موجودة خلال العقود الماضية، وبالتالي نجحت كامب ديفيد، ونجحت أوسلو رغم التعقيدات، ونجح اتفاق وادي عربة، لكن التبدلات في المرحلة، ودخول الإسلام السياسي بشقيه على المشهد، يضعنا أمام صورة استعصاء معقدة، وبالتالي تصبح الحرب وأدواتها واحدة من أخطر المحاذير في المنطقة، فالحرب والأيديولوجيا هي عالم دموي بلا أفق ولا حلول، ولا ننسى بالطبع اليمين الإسرائيلي المتطرف، الشريك الحقيقي الذي يعيد إنتاج ظاهرة التطرف المشتركة في المنطقة إلى الواجهة.
ما العمل حتى لا تكرر المنطقة نقطة استعصاء الحرب الكورية، فالحرب سكتت هناك لكن آلام الناس لم تجد الحلول بعد؟