حرية – (29/6/2024)
يتنافس جو بايدن ودونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2024، بيد أن تقدم كلا المرشحين في السن برز مرة أخرى على الساحة ضمن القضايا التي جذبت اهتمام الكثيرين، فماذا يقول العلم عن إيجابيات وسلبيات تولي قادة سياسيين من كبار السن السلطة.
أصبحت الولايات المتحدة بؤرة مناقشات دائمة عما إذا كان الأشخاص في المجال السياسي لابد أن يكونوا من كبار السن ليتمكنوا من تولي مناصب قيادية، وأبرز مثال على ذلك هو المنافسان الرئيسيان للانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، جو بايدن ودونالد ترامب، فهما الأكبر سنا على الإطلاق ويتنافسان على تولي منصب الرئيس الأمريكي.
بلغ بايدن 81 عاما في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو سن أكبر من ضعف متوسط عمر المواطن الأمريكي، في حين تجاوز ترامب، البالغ من العمر 77 عاما، “سن التقاعد الطبيعي” بما يزيد على 10 سنوات، وهو السن الذي يمكن أن يحصل فيه الأمريكيون على استحقاقات التقاعد كاملة.
وفي أعقاب مواجهة جرت بين الاثنين أمام الكاميرات في أول مناظرة بثها التلفزيون في إطار الحملات الانتخابية الرئاسية، برز في المشهد سن كلا المرشحين بشكل لم يسبق له مثيل مقارنة بأي سباق رئاسي آخر.
بيد أن بايدن وترامب مثل سياسيين أمريكيين آخرين يواجهان ضغوطا وتساؤلات بشأن العمر، فعلى سبيل المثال في سبتمبر/أيلول 2023، أوقف مجلس القضاء الفيدرالي بولين نيومان، وهي قاضية فيدرالية أمريكية، عن مواصلة النظر في قضايا جديدة بعد تحقيق بشأن أهليتها للخدمة.
وترغب نيومان، البالغة من العمر 96 عاما، في مواصلة العمل، لكنها خسرت في فبراير/شباط الماضي طعنا قدمته لمراجعة قرار إيقافها. وفي ذات الوقت، في مجلس الشيوخ الأمريكي، يعد الجمهوري تشاك جراسلي أكبر أعضاء مجلس الشيوخ سنا، إذ يبلغ من العمر 90 عاما، يليه السيناتور بيرني ساندرز الذي يبلغ من العمر 82 عاما.
وسُلطت الأضواء من جديد على قدرة الرئيس بايدن على التحمل ومدى طاقته بعد أدائه في مناظرة 27 يونيو/حزيران، وكان بايدن قد واجه بالفعل أسئلة بشأن عمره في وقت سابق بعد أن وصفه المستشار الخاص روبرت هور في فبراير/شباط 2024 بأنه “رجل مسن ذاكرته ضعيفة”، وذلك في تقرير بشأن تحقيق استمر لمدة عام في تعامل بايدن مع ملفات سرية، ورد البيت الأبيض واصفا التقرير بأنه “غير مناسب”.
وعندما سُئل بايدن خلال مناظرة يونيو/حزيران عن عمره، فضّل التركيز على مسيرته الطويلة في السياسة وخبرته في المجال، على نقيض ترامب الذي أشار إلى قدراته الإدراكية وبراعته في ملعب الجولف.
وبعيدا عن المناقشات الدائرة بشأن الشيخوخة والمجتمعات التي يحكمها كبار السن، فهناك مخاوف أخرى.
ينصب التركيز الرئيسي دوما على اللياقة العقلية للشخص، ويشير علم الأعصاب وعلم النفس إلى أن الأداء المعرفي يختلف بشكل كبير مع تقدم الأشخاص في العمر، مما يجعل من الصعب تحديد إذا كان شخص أصبح أكبر من تولي منصب قيادي أم لا.
وبينما تميل بعض المهارات الشخصية إلى التراجع مع التقدم في العمر، فإن البعض الآخر يتحسن، حتى أن بعض “المتقدمين في العمر” يمتلكون قدرات عقلية حادة مقارنة بأشخاص أصغر منهم بعشرات السنوات.
والسؤال ما هو العمر الذي يعتبر “متقدما جدا” لدرجة لا تسمح للشخص بتولي القيادة؟
كيف تؤثر الشيخوخة على المخ؟
يتراجع حجم المخ بمرور الوقت، فبالنسبة للأشخاص الأصحاء، يتراجع حجم قشرة الفص الجبهي الموجودة في المخ بنسبة 5 في المئة تقريبا كل عشر سنوات، ومن خلال ارتباط هذه القشرة بمناطق أخرى في المخ، فإنها تساعد في إدارة وظائف تنفيذية، من بينها مجموعة معقدة من العمليات العقلية التي يمكن تشبيهها بمنظم للحرارة أو قائد أوركسترا سيمفوني، ويتصدر ذلك الأمر المناقشات الدائرة بشأن القدرات القيادية لدى الأشخاص، نظرا لوجود ارتباط تجمع مجالات مثل حل المشكلات وتحديد الأهداف والتحكم في الاندفاعات.
كما تتراجع الوظائف التنفيذية تدريجيا خلال الثلاثينيات من عمر الشخص، وتزداد وتيرة التراجع مع بلوغ سن السبعينيات، ويساهم مرض المادة البيضاء في الدماغ في حدوث خلل وظيفي يؤثر على نحو ثُلث الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما فأكثر، ويمكن أن تظهر اضطرابات وظيفية في تراجع القدرة على التحكم في الانفعالات وزيادة تكرار الأفكار والسلوكيات.
وتعاني نسبة كبيرة من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاما من ضعف في بعض تلك الوظائف التنفيذية، ويقول مارك فيشر، مدير مركز السياسة العصبية بجامعة كاليفورنيا في إيرفين، “أعتقد أن بلوغ سن 65 عاما هو عُمر حاسم للتوقف عموما”.
كما تحدث تغيرات هيكلية أخرى في المخ حال بلوغ هذا العمر، إذ تبين أن سرعة معالجة المخ للبيانات تتراجع بدءا من سن الستين تقريبا، بحسب دراسة لبيانات أمريكية.
ويبلغ متوسط إجمالي العمر المتوقع في الولايات المتحدة 76 عاما، وعلى الرغم ذلك، قد يكون الأمر مختلفا في الدول التي يختلف فيها متوسط العمر المتوقع والأنظمة الصحية بشكل ملحوظ (فضلا عن وجود قدر كبير من عدم المساواة العرقية وغيرها من أشكال التفاوت داخل الولايات المتحدة)، مما يؤثر على طول عمر الشخص.
فعلى سبيل المثال، يبلغ متوسط العمر المتوقع للرجال في الولايات المتحدة 73 عاما، وهذا أقل مما هو عليه في دول أخرى، ولكنه أعلى بكثير من متوسط العمر المتوقع للرجال في الكاميرون، 60 عاما، والذي يقال إن رئيسها بول بيا، البالغ من العمر 90 عاما، أقدم زعيم وطني في العالم.
ولا يشير متوسط العمر المتوقع إلى القصة الكاملة لطول العمر، وعلى سبيل المثال، يمكن لشخص يبلغ من العمر 80 عاما في الولايات المتحدة أن يتوقع أن يعيش 10 سنوات أخرى، وهذا يعني أنه في الواقع، لا توجد قاعدة صارمة وسريعة لتحديد متى سيتأثر الشخص بشكل كبير بتراجع الوظائف التنفيذية التي يمكن أن يؤديها، لا سيما مع الأخذ في الاعتبار تفاوت الكفاءة بين الأشخاص.
ما هي فوائد المخ الأكبر سنا؟
يقول فيشر إنه بشكل عام، يمكن لمتوسطات العمر أن تحجب توقعات عن طول العمر الصحي واللياقة المعرفية للشخص، بالنظر إلى ما يسميه بـ “التباين الفردي الهائل” في الوظائف التنفيذية.
ويضيف: “إجراء الاختبارات هي أفضل طريقة لتحديد الوظائف التنفيذية للشخص بشكل رسمي، ولكن سيكون هناك تباين واسع من حيث كيفية عمل هؤلاء الأشخاص”.
أحد الفروق بين الأشخاص هو الأمراض المزمنة، وهي متنوعة من بينها أمراض القلب وارتفاع نسبة الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم، كل هذه الأمراض يمكن أن تؤثر على وظائف المخ، ولا سيما الوظائف التنفيذية، وعلى الرغم من أن الشيخوخة لا تأتي دائما مع المرض، إلا أنها تزيد من احتمالية الإصابة بها.
ويقول فيشر، “ربما يكون ارتفاع ضغط الدم، إلى جانب الشيخوخة نفسها، العامل الأكثر أهمية والأكثر تأثيرا على شيخوخة المخ ككل والوظائف التنفيذية أيضا”، وبالتالي، يعد التشخيص المبكر وعلاج ارتفاع ضغط الدم مجالا مهما للتدخل لحماية صحة المخ، ويضيف أنه من الناحية الإيجابية، هذا مجال تتحسن فيه العلاجات والمعرفة بانتظام.
ويقول مارك مابستون، عالم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا، إنه توجد اختلافات في أجزاء المخ التي يمكن أن تعوض أجزاء أخرى تظهر فيها بعض الأضرار المرتبطة بالعمر. ففي حين أن المخ بشكل عام مرن للغاية، ويمكن للكثير منا تعويض الاضطرابات في جزء واحد من المخ جزئيا عن طريق الاستعانة بأجزاء أخرى من الشبكة، فإن آخرين يواجهون عجزا وعدم القدرة على تحقيق هذا التعويض، مثلما يحدث في حالة الإصابة بمرض ألزهايمر.
وعلى الرغم من ذلك ليست كل الأخبار سيئة، فهناك بعض الجوانب التي يظهر فيها المخ الأكبر سنا في حالة أداء أفضل، ففي حين أن القدرة على استيعاب المعلومات الجديدة تتراجع في وقت مبكر جدا، فإن القدرة على التوجيه والتصرف بناء على المعلومات يمكن أن تتحسن بشكل جيد مع بلوغ الشخص سن السبعين.
وبناء على ذلك يكون الأشخاص الذين يبلغون من العمر 70 عاما، وربما يعالجون المعلومات الجديدة بشكل أبطأ من الأشخاص الذين يبلغون من العمر 30 عاما، أفضل من ناحية الأداء، كما يوضح مابستون أن الأشخاص الذين يبلغون من العمر 60 عاما لديهم عادة مفردات أفضل من الأشخاص الذين يبلغون من العمر 20 عاما، وبالتالي يمكنهم استبدال الكلمات بشكل أفضل. فعلى سبيل المثال، خلصت إحدى الدراسات إلى أن مستويات المفردات تزداد حتى منتصف الستينيات من عمر الشخص.
وتقول روز ماكديرموت، المتخصصة في علم النفس السياسي بجامعة براون: “ما يحدث بالنسبة للمخ الأكبر سنا هو أنه يتحسن فيه ما يُطلق عليه بالذكاء المتبلور، إذ يكون لدى الشخص نوع من المخططات والطرق الراسخة للتفكير في الأشياء، فضلا عن القدرة على دمج المعلومات الجديدة بشكل أفضل وفي كثير من الحالات بشكل إبداعي مقارنة بقدرتك وأنت أصغر سنا، لأنك لست في نفس الدرجة من القاعدة المعرفية”.
هل تفرض السياسة مطالب معرفية معينة؟
يتمتع بعض الأشخاص، المعروفين باسم “المعمّرين الفائقين”، بوظائف معرفية يتميز بها الأشخاص الأصغر سنا، إنهم أشخاص في الثمانينيات من عمرهم أو أكبر لكنهم يتمتعون بقدرة معرفية يتمتع بها من هم أصغر سنا منهم بنحو عشرين إلى ثلاثين عاما. كما يظهر عند كبار السن خلايا عصبية أكبر وأكثر صحة في القشرة المخية الشمية الداخلية، وهي جزء من المخ مهم للذاكرة، وليس غريبا أن يكون أداؤه أفضل في اختبارات الذاكرة مقارنة بالأجزاء الأخرى.
كما يعد النشاط البدني والتحفيز الذهني والتواصل الاجتماعي أمورا بالغة الأهمية للحفاظ على أنسجة المخ ووظائفه. وبدون شك توفر القيادة السياسية على الأقل بعض التحديات العقلية والتواصل الاجتماعي، ومن المرجح أيضا أن يتمتع الأشخاص الأقوياء بالعديد من الامتيازات، من بينها الأمن المالي والحصول على رعاية صحية ممتازة.
وعلى الرغم من أن الشيخوخة تمثل بعض التحديات المعرفية بشكل عام، إلا أنها قد تطرح قضايا إضافية بالنسبة للقادة السياسيين.
وتشير باربرا ساهاكيان، أستاذة علم النفس العصبي السريري بجامعة كامبريدج، إلى أن “المرونة المعرفية في التفكير وحل المشكلات شكل أساسي من أشكال الإدراك يتفوق فيه القادة السياسيون بغية اتخاذ قرارات جيدة في ظل عدم اليقين والمخاطر”.
وتضيف: “هذه الأنواع من القرارات غالبا ما تكون محدودة بالوقت”، وعلاوة على ذلك فإن المرونة المعرفية تتراجع عادة بمرور السنين.
وقد تكون بعض التغيرات العقلية المرتبطة بالعمر مثيرة للقلق بشكل خاص للناخبين، وسبب ذلك هو أن شيخوخة المخ يمكن أن تؤثر على المواقف السياسية، إذ خلصت دراسة جديدة أجراها فيشر وزملاؤه، على المتقاعدين في جنوب كاليفورنيا، بمتوسط عمر 95 عاما، إلى أنه في حين ظلت الأيديولوجية السياسية ثابتة بشكل عام على مدار فترة ستة أشهر، أظهر أشخاص يعانون من ضعف إدراكي عدم اتساق بين توجهاتهم السياسية وخياراتهم السياسية.
ويعلق فيشر على هذه النتيجة قائلا: “يبدو أن هذا يحدث نتيجة للضعف الإدراكي، إذ يصبح السلوك السياسي للشخص غير مرتبط نسبيا بسياسته المعلنة”.
هل ينبغي للقادة السياسيين أن يخضعوا للفحص المعرفي؟
نظرا للأدلة التي تؤكد تأثير الشيخوخة على المخ، يدعو فيشر وبعض زملائه من مختلف التخصصات إلى إجراء فحوصات إدراكية للسياسيين، والتي لا تعتمد بالضرورة على العمر.
ويقول: “إننا ننظر إلى الفحص المعرفي باعتباره شيئا مشابها للإفصاح عن إقرار الذمة المالية الذي من المتوقع من السياسيين أن يقدموه في كثير من الأحيان”.
ويلفت مابستون إلى أنه يجري تقييم الوظيفة الإدراكية بشكل أساسي من خلال تقييم نفسي وعصبي، يتألف من مجموعة اختبارات موحدة يمكن أن تكون تفصيلية وشاملة للغاية بحيث يجري توزيعها على مدار عدة أيام.
وتعتقد مانيجه بيرنجي، أخصائية الطب المهني وعضو هيئة التدريس السريري في جامعة كاليفورنيا، أن عمليات تقييم السياسيين يمكن أن تكون مجدية وعادلة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا المفهوم مثير للجدل إلى حد كبير ومسيّس، فعلى سبيل المثال كانت المرشحة الرئاسية الجمهورية نيكي هيلي تقود حملة لخضوع السياسيين الذين تزيد أعمارهم على 75 عاما لاختبارات الكفاءة العقلية، بيد أن هذا النهج تعرض لانتقادات باعتباره متحيزا لكبار السن ويصعب تنفيذه.
وفي بداية عام 2024، ذهبت هيلي إلى أبعد من ذلك من خلال إطلاق سلسلة من الحملات الدعائية السياسية التي ركزت على عمر بايدن وترامب.
ويعتقد هانز فورستل، أستاذ الطب النفسي الفخري في جامعة ميونيخ التقنية، أنه سيكون من الصعب أن يحدد التقييم مدى التعقيد المعرفي والمتطلبات اللازمة لمنصب رئيس الدولة.
ويضيف: “أنشطة الحياة اليومية والأداء المعرفي خلال الروتين اليومي والتحديات تعد أمورا حاسمة، وليس الأداء خلال اختبار أقصر أو أطول من حيث المدة الزمنية. إن المهام الملقاة على عاتق رئيس الدولة استثنائية في جميع النواحي، ولن يتمكن أي اختبار من قياس هذا المزيج من اللياقة والذكاء والخبرة والحكمة”.
و تعتقد ماكديرموت أنه على الرغم من أن الاختبارات سليمة بما فيه الكفاية، إلا أن الفكرة في الولايات المتحدة غير مناسبة لأسباب سياسية، ونظرا لطبيعة الأفكار القائمة على الاستقطاب بشأن بعض السياسيين، فإنها تتساءل: “إذا نجحوا في الانتخابات، فهل يصدقهم الجمهور؟”
ويرى بعض المحللين أن الجدل الدائر بشأن مرشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2024 يمثل فرصة لتسليط الضوء على “التحيز ضد كبار السن”، ولفتوا إلى الحاجة إلى دعم العمال الأكبر سنا بشكل عام، سواء أردنا ذلك أم لا، ويعتقد العديد من الخبراء أنه من المرجح أن يضطر الجميع إلى العمل لفترة أطول في المستقبل.
وعلى الرغم من ذلك، يختلف آخرون، ووفقا لاستطلاع رأي أجرته وكالة أسوشيتد برس للأنباء ومنظمة أبحاث مركز “نورك” للشؤون العامة، يرى معظم الناخبين أن عمر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يشكل مصدر قلق كبير.
ومهما كان قرار الناخبين، فمن الصعب أن نتصور أن الاختبارات المعرفية ستضع حدا للنقاش في نهاية المطاف.