حرية – (1/7/2024)
عشرون عاماً مرت على رحيل أسطورة السينما الأمريكية مارلون براندو عن عمر يناهز الثمانين عاماً، في 1 يوليو/ تمّوز 2024. ويُعتبر براندو من أشهر الممثلين الذين عرفتهم السينما العالمية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وقد أدّى دور البطولة في أكثر من 40 فيلماً.
وربما يكون أشهر أدواره زعيم المافيا الشهير دون كورليوني في فيلم “الأب الروحي” (العراب) عام 1972، الذي يُعدّ من كلاسيكيات السينما الأمريكية.
ورغم أنه زعم أنه لم يستمتع أبداً بالتمثيل على حدّ قوله، لكن مارلون براندو كان واحداً من أكثر الفنانين تأثيراً في جيله.
البدايات والمسرح
وُلد في براندو 3 أبريل/ نيسان من عام 1924 في أوماها بولاية نبراسكا، لتاجر كان يسافر طيلة الوقت، وممثلة مسرح كانت تغيب كثيراً عن المنزل، ما خلق لديه منذ طفولته رغبة بالتمرّد.
بعد طرده من أكاديمية شاتوك العسكرية بتهمة “العصيان”، انتقل في التاسعة عشر من عمره إلى مدينة نيويورك، حيث درس التمثيل على يد ستيلا أدلر في ورشة العمل الدرامية. وقد ساعدت أدلر الممثل الشاب على تطوير الأسلوب الذي اشتهر به فيما بعد.
في أول أعماله المسرحية عام 1944، أدى دور المسيح في مسرحية عن نصّ “هانيلي” للكاتب غيرهارت هاوبتمان، وفي العالم نفسه، مثّل برودواي في مسرحية “أتذكر ماما”.
كان عمره 23 عاماً، حين حصل على دور ستانلي كوالسكي في مسرحية “عربة اسمها الرغبة” في برودواي.
وقال أحد النقاد لاحقًا عن أدائه في تلك المسرحية: “لم نشهد مثل هذا العرض للجمال الرجول الخطير والوحشي على المسرح الأمريكي”.
من المسرح إلى السينما
على الرغم من الاستحسان الذي لقيه أداؤه المسرحي إلا أن براندو حقّق شهرته في السينما.
في عام 1950 بدأت مسيرته السينمائية وكان أول أفلامه فيلم “الرجال”. وهو فيلم تناول بواقعية أوضاع قدامى المحاربين المصابين بإعاقات في الحرب العالمية الثانية. واستعداداً لدوره، أمضى شهراً في جناح المصابين بالشلل بالمستشفى.
وتعددت أدوار براندو بعد ذلك لتشمل علامات سينمائية في تاريخه من بينها “ووتر فرونت”، و”عربة اسمها الرغبة”، و”تمرد على السفينة باونتي”، و”التانغو الأخير في باريس”، و”يوليوس قيصر”.
يذكر أن براندو رُشح 8 مرات للأوسكار خلال مشواره الفني. وكانت كافة الترشيحات عن فئة الأوسكار لأفضل ممثل بخلاف ظهوره عام 1990 في فيلم “موسم أبيض جاف”، والذي رُشح للأوسكار عنه كأفضل ممثل مساعد.
وحصل براندو على جائزة الأوسكار مرتين خلال مشواره الفني، وكانت المرة الأولى عن فيلم “ووتر فرونت” عام 1954 والذي لعب فيه دور ملاكم.
أما المرة الثانية التي حصل فيها على جائزة الأوسكار فكانت في عام 1972 عن الجزء الأول من فيلم “الأب الروحي” من إخراج فرنسيس فورد كوبولا.
وفي العمل الشهير، يؤدي بدور أحد زعماء المافيا في الولايات المتحدة. وقد رفض تسلم هذه الجائزة وبدلاً من ذلك، أدلى ببيان سياسي بإرسال شابة من السكان الأصليين في الولايات المتحدة، معلناً رفض الجائزة، ومناهضته لصورة النمطية التي يظهر بها السكان الأصليين لأمريكا في السينما الأمريكية.
وكان آخر فيلم شارك براندو ببطولته فيلم “الهدف” مع روبرت دينيرو عام 2001.
“غيّر فنّ التمثيل للأبد”
قال عنه المخرج مايكل وينر، الذي أخرج فيلم براندو عام 1972 بعنوان “زوار الليل”: “لا شك لدي في أنه كان أكثر الوجوه المحببة على الشاشة، وكان جديراً بحب معجبيه، لقد تجاوز الشهرة كممثل”.
وأضاف قائلاً: “لقد كان مارلون الأكثر إدهاشاً والأكثر تحلياً بالمبادئ، وكان عطوفاً ومخلصاً وقبل كل شيء ذكياً وممتعاً وصديقاً وفياً لم أجد مثله”.
وقال الناقد السيينمائي جيسون سولومنز: “لقد غير براندو فن التمثيل للأبد، في الأفلام وعلى الشاشة، إذ لم يضاهيه أحد فيما فعله ولم يحاول أحد أن يضاهيه”.
وتابع قائلاً: “لقد كان يجرب أساليب جديدة في التمثيل بجرأة شديدة، وكان يبتدع تلك الأساليب دون أن يوجهه المخرج إلى ذلك”.
وأضاف أن براندو كان من الذكاء بحيث ترقى في مشواره الفني بشكل واضح، وقال: “لقد كان يعي تماماً صورته وكيف يروج لنفسه”.
ولدى وفاة براندو، علق بيتر باوز مراسل بي بي سي في لوس أنجلوس حينئذ قائلاً: “لقد كان أسطورة سينمائية، وكثيراً ما وُصف بأنه أعظم ممثلي عصره”، وتابع قائلاً: “كما كان يحرص أشد الحرص على الحفاظ على خصوصيته ويبتعد عن الأضواء في حياته الخاصة”.
الحياة الخاصة
اعتمد براندو أسلوب حياة منعزل، وقضى معظم وقت فراغه في جزيرة مرجانية صغيرة، وهي تيشاروا التي تبعد 25 ميلاً شمال تاهيتي.
وقد شهدت حياته الخاصة مأساة، إذ حوكم ابنه كريستيان عام 1990 بتهمة قتل خطيب اخته تشييان الذي كان يسيء إليها، وحكم عليه بالسجن عشر سنوات بعد إدانته بالقتل الخطأ وأمضى من حكمه خمس سنوات.
وبعد ذلك انتحرت ابنته تشييان عام 1995. وأنجب براندو 11 ابناً وابنة، من ثلاث زيجات، إلى جانب عدد من العلاقات.
وقد آثر العزلة في سنيه الأخيرة. وفي مقابلة في تسعينيات القرن الماضي، قال براندو، الذي كان يعاني من مشكلة تتعلق بالوزن الزائد، إنه آثر الانسحاب من الضغط الذي تفرضه متابعة الأضواء له في كل لحظة.
وقال: “عانيت التعاسة كثيراً في حياتي بسبب الشهرة والغنى”. وبحلول عام 1996، كان براندو يشعر بخيبة أمل بشأن حياته المهنية وحياته الشخصية. ونُقل عنه قوله: “أنا أكره التمثيل، لقد فعلت ذلك من أجل المال فقط”.
ويوماً قال براندو “ليس على الممثل لجمهوره إلا ألا يضجرهم”.
وكانت مجموعة براندو الواسعة من المذكرات الصوتية الشخصية – المسجلة على مدى سنوات عديدة – أساس الفيلم الوثائقي “استمع إلي مارلون” الذي صدر في عام 2015.
وقد عاني براندو في أواخر أيامه من بعض المتاعب الصحية بسبب تقدمه في العمر إلى جانب زيادة وزنه بشكل كبير.
وعُرف بأنه رجل دافئ وكريم بعيداً عن صورة المتمرد التي تم تصويره بها في كثير من الأحيان.
وقد ذهبت مبالغ كبيرة من الأجور الضخمة التي كان يحصل عليها إلى الأعمال الخيرية، واستمر في كونه حليفاً للمستضعفين.
ووصفه برناردو برتولوتشي مخرج فيلم “التانغو الأخير في باريس” قائلاً: “براندو ملاك كرجل، ووحش كممثل”.