حرية – (4/7/2024)
صادق مجلس النواب التونسي أخيراً على مشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية القرض المبرمة بين تونس والصندوق السعودي للتنمية، لتمويل مشروع تجديد السكك الحديد المخصصة لعربات نقل الفوسفات التونسي وتطويرها. فإنتاج هذه المادة الحيوية يتمّ في منطقة الحوض المنجمي بولاية قفصة التونسية، وتُنقل بالقطار إلى منطقة خليج قابس، مكان المجمع الكيميائي الصناعي التونسي حيث تُستخرج مكونات عديدة من الفوسفات، يذهب بعضها إلى التصدير، ويغطي بعضها الآخر حاجات السوق المحلي.
تعرّضت عملية الاقتراض هذه لانتقادات ساقها بعض نواب البرلمان ومواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي، انطلاقاً من الحساسية التي أصبحت لدى التونسيين من القروض، ومن إثقال كاهل البلد بالديون بعد عشرية ثورية أغرقت تونس إلى النخاع. فقد اقترضت الخضراء الكثير خلال تلك العشرية من دون تحقيق أي إنجاز يُذكر بهذه الأموال الضخمة التي تمّ تحصيلها من القروض، باعتبار توقف آلة الإنتاج بسبب كثرة الإضرابات والاحتجاجات والمطالب الاجتماعية.
شروط ميسرة
تبلغ قيمة هذا القرض السعودي قرابة 173 مليون دينار تونسي (55.4 مليون دولار)، على أن يُسدّد براحة على 20 عاماً، بنسبة فائدة تقارب 2 في المئة، اعتبرها البعض مقبولة مقارنة بقروض سابقة كانت فيها نسبة الفائدة مرتفعة جداً. تدوم مدة تنفيذ هذا المشروع سنتين على أقصى تقدير، في حين لن تكون الدولة التونسية مطالبة بسداد أول قسط من هذا القرض إلّا بعد 5 سنوات من صرفه.
بما أن الوضع الاقتصادي صعب في تونس، والدولة غير قادرة على تمويل كل مشاريعها التنموية، فإن الاقتراض أحد الحلول لتحقيق التنمية إذا توفرت فيه بعض الشروط، ومنها: نسبة فائدة غير مرتفعة، وفترة إمهال قبل التسديد مقبولة وتراعي إمكانيات الدولة، ومدة إنجاز طويلة. ويبدو أن هذه الشروط كلها متوافرة في هذا القرض، الذي يقع سداده من مرابيح الفوسفات نفسها إذا سارت الأمور على ما يرام ووفق ما هو مخطّط له، وتضاعف الإنتاج بالشكل المطلوب، وتمكنت تونس على الأقل من الوصول إلى مستوى إنتاجها لعام 2009، أي آخر عام قبل الثورة.
تطوير البنى التحتية
يؤكّد إسماعيل السويسي، المهندس التونسي المتخصص في الهندسة المدنية، لـ”النهار العربي”، أن هذا المشروع الذي يموّله هذا القرض يتمثل بالتدقيق في تقوية السكك الحديد التي تؤمّن نقل الفوسفات، “لتحسين قدرتها على تحمّل قطارات تنقل كميّات أكبر من الفوسفات”.
كما يتمثل المشروع، بحسب السويسي، في مضاعفة السكك الحديد على طول الطريق بين قفصة وقابس، ومضاعفة عربات النقل استعداداً لزيادة الإنتاج لاستغلال ارتفاع الطلب وارتفاع أسعار الفوسفات في السوق العالمية.
ويضيف: “سيتمّ أيضاً استغلال قاطرات جديدة، ملك الشركة التونسية للسكك الحديد، محركاتها قوية ولديها طاقة جرّ مهمّة للعربات المحمّلة بفوسفات يقدّر وزنه بــ3200 طن. فللقاطرات القديمة طاقة جرّ محدودة جداً، وعجزت معها الدولة التونسية عن زيادة إنتاج الفوسفات، على الرغم من الحاجة الملحّة لهذه الزيادة، في ظل هذا الوضع الاقتصادي الصعب”.
منافع متعددة
من جهته، يرى الباحث السياسي التونسي مرسي التلمودي، أن لهذا المشروع منافع غير زيادة الإنتاج، إذ سيتمكن من الضغط على مصاريف إنتاج الفوسفات، باعتبار أن أشغال صيانة السكك القديمة باتت مكلفة، “وبالتالي، لا مفرّ من استبدال السكك الحديد القديمة، التي يعود تركيزها إلى 40 سنة خلت أو أكثر، بأخرى حديثة الصنع لا تستحق نسق الصيانة الذي تحتاجه السكك القديمة”.
ويضيف لـ”النهار العربي”: “سيمكّن هذا المشروع المهمّ أيضاً من إحداث فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للتونسيين، وتتمثل في اليد العاملة التي ستقوم بعمليات التركيب والبناء، ومن تنتدبهم شركة فوسفات قفصة (الشركة الوطنية) لزيادة الإنتاج، وأيضاً من تنتدبهم الشركة التونسية للسكك الحديد. فجيد إذاً أن تقترض تونس من أجل التنمية، ومن أجل إنجاز المشاريع الاستراتيجية المهمة، خلافاً لعشرية حكم “الإخوان” وحلفائهم التي اقترضت خلالها تونس من أجل الاستهلاك، ومن أجل أشياء أخرى في علم الغيب”.