حرية – (6/7/2024)
أجرى وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز زيارة رسمية هذا الأسبوع إلى تركيا، التقى خلالها عددا من كبار المسؤولين هناك، في مقدمتهم الرئيس رجب طيب إردوغان، ورئيس هيئة الصناعات الدفاعية التركية، بجانب رؤساء عدد من كبريات الشركات الصناعية التركية.
على إثر هذه المحادثات، أعلنت الشركة السعودية للصناعات العسكرية “سامي” SAMI المملوكة للدولة، عن توقيعها ثلاث مذكرات تفاهم مع شركات دفاعية تركية رائدة في مجالات الطيران والفضاء والتكنولوجيا.
ولعلّ أبرز تلك الاتفاقيات، تلك التي وُقّعت مع شركة “بايكار” التركية، لتأسيس قدرات لتصنيع وتطوير أنظمة طائرات “بايكار” بدون طيار داخل المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى التعاون في مجال التطوير المشترك ونقل التكنولوجيا والملكية الفكرية إلى المملكة.
اتفاقيةٌ أخرى وُقِعَت مع شركة “أسيلسان” للطيران والدفاع، نصّت على نقل وتوطين وتطوير تقنيات الإلكترونيات الدفاعية المتقدمة لتعزيز وبناء القدرات السعودية في هذا المجال.
وبحسب الرئيس التنفيذي لشركة SAMI المهندس وليد بن عبد المجيد أبو خالد، فإن من شأن هذه الاتفاقيات الإسهام في تعزيز قدرات السعودية، والمساعدة على مواصلة تطوير صناعة الدفاع الوطنية، بما يساعد – كما قال – في تحقيق “المستهدفات الاستراتيجية للشركة بالمساهمة في توطين 50 في المئة من الإنفاق الدفاعي”، ضمن أبرز أهداف “رؤية السعودية 2030”.
وليست هذه المرة الأولى، التي توقّع فيها المملكة العربية السعودية وتركيا اتفاقيات ومذكرات تفاهم فيما يخص التعاون الدفاعي وتطوير صناعة الطائرات المسيّرة في المملكة.
وقال الخبير العسكري السعودي اللواء محمد قبيبان، إن العلاقة بين بلاده وتركيا في تطور مستمر سواء على الصعيد العسكري والتقنيات العسكرية، أو على صعيد التبادل التجاري في المجال العسكري كذلك، مشيرا إلى أن توقيع الاتفاقيات الأخيرة يمثل “خطوة متقدمة”، تدعم ذلك التوجه لدى البلدين، وتعزز أواصر العلاقات الدفاعية الثنائية.
وفي حديث لـ “بي بي سي نيوز عربي”، أضاف قبيبان أن هناك توجها في السعودية لتصنيع الطائرات المسيّرة، “ولكن لا يمنع ذلك من الاستفادة من خبرات تركيا والتعاون في هذا الخصوص”.
فتركيا، كما يقول قبيبان، دولة متقدمة عسكريا وصناعيا أثبتت جدارتها في الصناعة العسكرية وتحديدا في القوّة الجوية والأسلحة، وهي تشكل أحد الخيارات لدى المملكة لتغيير أنواع السلاح لديها وتحديدا في المجال الدفاعي، “إذ إن المملكة دولة تعمل لتأمين حدودها، وتأمين الأمن لمقدّراتها واقتصادها”.
أكثر من ذلك، يشير اللواء قبيبان إلى توجه استراتيجي تعتمده السعودية بالتنويع في التسليح بما يتوافق مع “رؤية 2030″، وليس الاعتماد فقط على الغرب، ويعطي مثالا على ذلك بالذهاب إلى الصين وروسيا وتركيا وجنوب افريقيا.
ومن جهته، قال الخبير العسكري والاستراتيجي السعودي العقيد المتقاعد سعيد الذيابي لبي بي سي إن “كل دولة تسعى لرفع جاهزيتها القتالية خصوصا في مجال التصنيع، والسعودية من أكثر الدول التي تنفق على التسليح والدفاع والأمن”.
ويضيف أن لدى تركيا صناعات دفاعية، خاصة في مجال الطائرات المسيّرة والتكنولوجيا المصاحِبة لهذه الطائرات، قائلا إنه كما هو معلوم، فقد استحوذت المملكة على بعض الشركات التركية وتجري مناقشات واتفاقيات لنقل التكنولوجيا إلى السعودية في هذا الموضوع وهذا الشيء إيجابي.
وبحسب الذيابي، فإنه يتوجب على شركة “سامي”- التي توصف بأنها إحدى الأذرع القوية لوزارة الدفاع السعودية، أن تحقق أهدافا ذات صلة بجهود نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعات العسكرية داخل المملكة.
ويرى الكاتب والباحث التركي محمود علوش، أن الاتفاقيات الجديدة تندرج في إطار جهود الارتقاء بمستوى التبادل التجاري في مجال الصناعات الدفاعية بين البلدين إلى مرتبة “الشراكة الاستراتيجية”، قائلا إن أهمّ ما فيها، يتمثل في العمل على نقل التكنولوجيا والملكية الفكرية في صناعة المسيّرات التركية إلى السعودية.
ويضيف لبي بي سي أن هذه الاتفاقيات مكمّلة للاتفاقيات السابقة التي أبرمت العام الماضي بين البلدين، من حيث الهدف الرئيسي المتمثل في توطين صناعة الطائرات المسيّرة التركية في المملكة، كما أنها توسّع إطار التجارة العسكرية الثنائية إلى مجالات أخرى مثل الأنشطة الدفاعية في مجال الطيران والتكنولوجيا، وكل ذلك يندرج في إطار “رؤية 2030” السعودية لتوطين خمسين في المئة من حجم الإنفاق الدفاعي العام.
أما في ما يتعلق بأهمية الطائرات المُسيّرة، فيرى الخبير العسكري السعودي اللواء محمد قبيبان أن مفهوم الحروب لم يعد تقليديا، بل أصبحت الآن الصراعات تُخاض بالوكالة، بمعنى لا داعٍ لوجود جيش كبير للقيام بالمهام العسكرية المختلفة، لذا بات هناك توجه واسع لاستخدام هذا النوع من الطائرات، كما يحصل في الصراع الروسي-الأوكراني والصراع السوداني-السوداني وحتى ما يحدث في غزة وجنوب لبنان، بحسب قبيبان.
ويعتبر قبيبان أن الشراكة الاستراتيجية ما بين الدول أمرٌ ملحّ لمواجهة التحديات الحديثة اليوم، خصوصا تلك المرتبطة بالجماعات والجيوش، التي وصفها “بالعابرة للحدود” والتي تستغل التطورات الأخيرة على صعيد استخدام الأسلحة التي تُدار عن بعد.
واعتبر الخبير العسكري السعودي أن من بين الأمثلة على ذلك، استخدام جماعات مسلحة، قال إنها تدين لإيران بالولاء مثل حركة أنصار الله الحوثية في اليمن وحزب الله وميليشيات عراقية، للطائرات والزوارق المُسيرة.
لذلك يرى قبيبان أن التعاون الأخير بين السعودية وتركيا سيدعم الأمن والاستقرار والتوازن في المنطقة، على حد قوله.
أهمية دور وتأثير الطائرات المسيّرة في خريطة الصراعات العسكرية اليوم، مسألةٌ توقّف عندها كذلك الخبير العسكري والاستراتيجي السعودي العقيد المتقاعد سعيد الذيابي، الذي يرى أن لدى تركيا إمكانيات كبيرة وشركات ناجحة في هذا المجال، وأبدت استعدادها لنقل التكنولوجيا والصناعات الالكترونية المصاحِبة لتكنولوجيا الطائرات المسيّرة، وهذا برأيه يخدم السعودية في زيادة كفاءتها وقدراتها العسكرية للرّدع والدفاع عن أراضيها، على حد تعبيره.
وبحسب الذيابي، تحيط الصراعات بالمملكة من كل جانب، لذلك يصب مثل هذا التعاون في إطار توازنات إقليمية، لا بد للمملكة أن تكون جزءا منها.
ويقول الكاتب والباحث التركي محمود علوش إن حاجة السعودية إلى الشراكة العسكرية مع تركيا تزداد أكثر من أي وقت مضى، خصوصا في ظل حال عدم الاستقرار في الشرق الأوسط بالشكل الذي يؤثر على أمن الخليج، ويضيف أن بلاده تقدم نفسها اليوم كشريك جديد للسعودية ودول الخليج الأخرى في مجال الأمن.
ويرى علوش أن الشراكة التركية الخليجية الجديدة، جزء من عملية إعادة التشكيل التي يمر بها الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت القوى الفاعلة في المنطقة على قناعة بالحاجة إلى تأسيس الشراكات القائمة على المنافع المتبادلة والتعاون، لافتا إلى أن العصر الجديد من المنافسة الجيوسياسية بين القوى العظمى، يشكل فرصة لما وصفه بـ “القوى المتوسطة” مثل السعودية وتركيا للعمل على تنويع شراكاتها، والتعاون في ما بينها لتعزيز حضورها الإقليمي.
وعما إذا كانت الاتفاقيات السعودية- التركية تشكل استفزازا لدول أخرى كإيران، يرى رئيس المنتدى الخليجي للأمن والسلام د. فهد الشليمي أنها تشكل منافسة لهذه الدول، وليس استفزازا، على اعتبار أن طهران سبق أن ارسلت مسيّرات لروسيا، كما أن تلك الاتفاقيات جزءٌ من ديبلوماسية التسليح.
ويضيف الشليمي لبي بي سي أن لدى السعودية أراضيَ شاسعة، وهي بحاجة لهذا النوع من المسيّرات لأنها سهلة التشغيل بتكاليف متدنية، لافتا في هذا السياق إلى أن المسيّرات التركية تحديدا هي أكثر تقدما وأقل تكلفة من الطائرات الأمريكية، التي قال إن مسؤوليها “حسّاسون” حيال مسألة نقل التكنولوجيا ويربطون أي اتفاقيات في هذا الصدد بتصويت الكونغرس، “بينما الأتراك جاهزون”.
وعن هذه النقطة، يقول الكاتب والباحث التركي محمود علوش إن هذه الشراكة المتنامية بين تركيا والسعودية ليست مصممة لمواجهة إيران، ومع ذلك، فهي تغير ديناميكيات المنافسة الإقليمية لأن التوترات التي عصفت بعلاقات تركيا والخليج في العقد الماضي خلقت هامشا لإيران لتعزيز حضورها الإقليمي.
وكانت وزارتا الدفاع السعودية والتركية، قد وقّعتا في يوليو/تموز من العام الماضي خطة تنفيذية للتعاون الدفاعي بين البلدين، خلال زيارةٍ للرئيس التركي للمملكة، وذلك في مجالات إنتاج وتطوير الصناعات العسكرية الدفاعية وتبادل الخبرات، ونقل وتوطين التقنيات الخاصة بالإنتاج الدفاعي والعسكري، إضافة إلى التعاون في مجالات البحث والتطوير.
وشهدت العلاقات السعودية-التركية خلال العقدين الماضيين، سنواتٍ من التوتر لأكثر من سبب، لعلّ أبرزها مع بداية ما يُعرف بـ “انتفاضات الربيع العربي” في أواخر 2010 وبداية 2011.
ويقول متابعون إن علاقة تركيا الجيدة مع جماعة “الإخوان المسلمين”، كانت أحد الأسباب التي أسهمت في توسيع رقعة الخلاف بين البلدين، على اعتبار أن تأثير الجماعة تنامى في المنطقة بعد اندلاع هذه الانتفاضات.
سببٌ آخر لتوتر العلاقات السعودية التركية، تمثل في دعم تركيا لقطر، خلال أزمتها التي نشبت في منتصف عام 2017 مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر، واستمرت عدة سنوات.
وبلغ التوتر السعودي التركي ذروته، بعد قتل الكاتب والصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول عام 2018. حينذاك اتهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وليَ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بـ “الكذب”.
لكن في إبريل/نيسان من عام 2021، أعلن أردوغان فتحَ صفحة جديدة مع جميع دول الخليج، ثم أجرى اتصالا هاتفيا بعدها بشهر من الزمن، مع الملك سلمان بن عبد العزيز لبحث العلاقات الثنائية. وعقب المكالمة زار وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو العاصمة السعودية الرياض.
انكسر الجليد بين البلدين رسميا بعد الزيارة التي قام بها الرئيس التركي للمملكة في إبريل/نيسان 2022، بعد ثلاثة أسابيع من إحالة قضية مقتل خاشقجي من القضاء التركي إلى نظيره السعودي.
وقال يومها إردوغان للصحفيين:” زيارتي تعبيرٌ عن إرادتنا المشتركة لبدء فترة جديدة من التعاون كدولتين شقيقتين تربطهما روابط تاريخية وثقافية وإنسانية”.
وفي يونيو/حزيران من العام نفسه، قام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بزيارة لأنقرة في أول زيارة رسمية طوت صفحة الأزمة نهائيا.