حرية – (8/7/2024)
بعد أن كانت تستتر على وجودها، أصبحت جماعات أقصى اليمين تتجرأ من جديد على ترديد الرسائل التي لم نرها منذ عهد الديكتاتوريين الفاشيين. غاي والترز يستعرض هذه المظاهر المخيفة في كل أنحاء أوروبا التي تذكرنا بإحدى أحلك الحقب في تاريخ القارة الأوروبية.
للوهلة الأولى لا يمكن التمييز بينه وبين ملصق لحركة شباب هتلر. لا بد أن الصبي في عمر الثامنة تقريباً، شعره أشقر بصورة لافتة للنظر وعيناه زرقاوان. يحدق الصبي ببراءة بالناظر فيما يمتد وراءه مشهد مثالي للمراعي الخضراء الغناء. يحمل الملصق شعاراً كتب بالفرنسية يقول “فلنمنح الأطفال البيض مستقبلاً”. لا شك في أن هذا الموقف عنصري جداً وليس من المفاجئ أن الهدف من الملصق ليس سوى الترويج لحزب فرنسا اليميني المتطرف في الجولة الأولى من الاقتراع في الانتخابات النيابية.
لكن المفاجئ بالفعل هو أن المرشح بيير-نيكولا نابس تجرأ على الموافقة على صورة تحاكي الأسلوب النازي بشكل سافر. وفي مواجهة غضب باسكال شنايدر رئيس بلدية نوف ميزون التي تعد إحدى أكبر البلدات في تلك الدائرة الانتخابية، صرح نابس بكل مكر وخداع بأن الملصق “ليس طائفياً ولا إقصائياً” وأنه “على العكس، يطرح رسالة إيجابية، رسالة أمل لشبابنا فقط لا غير”، ثم أصر نابس بكل وقاحة على أنه “لو رأى أي شخص فيه أي شيء مختلف فذلك تفسير خبيث له”. قال شنايدر إن المرشح أحيل إلى المدعي العام على خلفية هذا الملصق.
لا شك في أن أمثال حزب فرنسا يعرفون تماماً ما الذي يفعلونه بلجوئهم إلى هذا النوع من الفن النازي، لو صح اعتباره كذلك. فهذه الأحزاب لا تخشى التشبه بالنازية، من حيث الشكل والإحساس، بل تتبناه بلا أي خجل. وفي الواقع، ما يكشفه استخدام صور مثل صورة الطفل “المثالي من العرق الآري” هو أن النازية أمر يحتفى به بالنسبة إلى أعضاء حزب فرنسا وناخبيه المحتملين.
ويعكس هذا الملصق أيضاً توجهاً مقلقاً ومخيفاً. فلنأخذ مثال الملصق الذي صنعه حزب الشعب السويسري، وصور علم سويسرا وقد غطته المآذن وسيدة ترتدي البرقع. يحمل الملصق شعاراً يدعو لمنع المآذن فيما يستعير ألوانه بصورة واضحة -الأحمر والأبيض والأسود- من ألوان علم الصليب النازي المعقوف. كما يظهر من خلال تصميم صورة المرأة المسلمة وشيطنتها تأثير لا لبس فيه لملصقات الدعاية النازية التي كانت تصور اليهود بأشكال بشعة. وما يلمح إليه الملصق السويسري بكل وضوح هو أن هؤلاء الأشخاص لا ينتمون إلى هذا المكان، وأنهم “الآخرون” وأنهم إجمالاً ليسوا بشراً.
يظهر هذا المفهوم عن “الآخر” وفكرة وجود “عدو (طفيلي) في الداخل” في إعلان طرحه حزب الفنلنديين اليميني المتطرف العام الماضي. يصور نصف الإعلان وجه لورا جوليكا، إحدى مرشحات الحزب. وهي شقراء سرحت شعرها في ضفيرة، وتبتسم في الملصق الذي يعيد إلى الأذهان ملصقاً نازياً يروج لرابطة الفتيات الألمانيات. وفي الجزء الباقي من الملصق يظهر النصف الثاني من وجه جوليكا لكنه مغطى هذه المرة بالبرقع. ويقول شعار الملصق “شرق هلسينكي. مثل السفر للخارج؟”. أما الرسالة، فجلية -أمثال هؤلاء لا ينتمون إلى بلادنا.
على غرار نابس في حزب فرنسا تتصرف جوليكا بمكر وخداع. وتقول “إن شعر أحدهم بأن هذه الصورة عنصرية فيمكنه أن يسأل نفسه عن سبب هذا الشعور. ولو كان السبب ارتداء سيدة فنلندية البرقع فيمكنكم التفكير في آرائكم المسبقة الشخصية وعن سبب إثارتها مشاعر سلبية”.
طبعاً، كان أمثال جوزيف غوبلز وماكينة دعايته النازية غير آسفين بشكل سافر في شأن آرائهم المسبقة والمتحيزة ولم يحاولوا يوماً أن يدعوا بأن ملصقاتهم غير عنصرية. لكن وجود أشخاص في عام 2024 يشعرون بالجرأة الكافية لكي يصنعوا ملصقات تذكرنا بتلك الحقبة يجعل المرء يتساءل كم سيستغرق الأمر قبل أن يصلوا هم أيضاً إلى هذه الدرجة من التباهي الصارخ بنياتهم.
وإضافة إلى الملصقات، يستمتع ساسة اليمين المتطرف في كل أرجاء أوروبا باستخدام لغة وأسلوب تعبير يذكران بشكل متعمد بالشعارات التي استخدمها النازيون وغيرهم من الحركات الفاشية. في البرتغال اعتمد حزب تشيغا الشعبوي اليميني المتطرف الذي أسسه محام وصحافي متخصص في الرياضة اسمه أندريه فنتورا شعار “الله والوطن والعائلة والعمل” الذي يذكر بصورة مخيفة بشعار “الله الوطن والعائلة” الذي استخدمه الديكتاتور البرتغالي سالازار، وهو لا يزال ذكرى لا تغيب عن بال كثيرين.
لدينا أيضاً بيورن هوك العضو البارز في حزب البديل من أجل ألمانيا الذي ينتمي إلى أقصى اليمين. ويبدو الرجل عازماً على توظيف الشعارات النازية مع أنها أوصلته مرتين إلى المحاكم. الشهر الماضي، فرضت عليه غرامة 13 ألف يورو (11 ألف جنيه استرليني) على خلفية استخدامه جملة “كل شيء من أجل ألمانيا” في عام 2021. إذ إن من استخدم هذا الشعار عرفوا باسم القمصان السمر أو كتيبة العاصفة، وقد لعبوا دوراً رئيساً في مساعدة هتلر على الوصول إلى السلطة.
لم يرتدع هوك وعاد في وقت سابق من هذا الأسبوع إلى المحكمة مرة جديدة، لاتهامه باستخدام الشعار ثانية وحث الجمهور على استخدامه أيضاً. لو احتجنا أي دليل إضافي على مدى حب هوك لمغازلة النازية، فيجب أن نتذكر أن هذا الرجل وصف النصب التذكاري للمحرقة اليهودية في برلين بأنه “نصب الخزي والعار”.
ولا تقتصر مظاهر الفاشية السافرة على الحملات السياسية، فهي واضحة وضوح الشمس في مدرجات ملاعب كرة القدم خلال بطولة الدوري الأوروبي كذلك. ربما شوهد المثال الأوضح على ذلك خلال المباراة الأخيرة بين هنغاريا وسويسرا التي ارتدى خلالها أعضاء كتيبة كارباثيان، وهي مجموعة قومية للغاية تضم مشجعين متطرفين لكرة القدم يسمون “ألتراس”، قمصاناً سوداً، وتحمل قطعة الملابس هذه أصداء جلية عن الفاشية.
لكن ما جعل سلوك “الكتيبة” أكثر إثارة للقلق هو تبنيها بعض العناصر شبه العسكرية في تصرفاتها، وهي عناصر تشبه تماماً أسلوب حركة القمصان السمر التابعة للحزب النازي. وخلافاً لأطراف كثيرة من مشجعي ألترا، تصر كتيبة كارباثيان على أن أعضاءها يسيرون بطريقة منظمة إلى الملعب ويعطون بالتالي انطباعاً بأنهم يتمتعون بانضباط شبه عسكري، ثم ينشدون أغان عنصرية بصورة لا لبس فيها، بما فيها موسيقى أغنية معروفة غالباً ما حرفت كلماتها بحيث أضيفت عليها بالألمانية عبارة “الأجانب إلى الخارج”.
لكن اللافت في كل مظاهر الصور واللغة النازية هذه هو جرأتها، فيما لا تزال بعض الأحزاب اليمينية المتشددة هامشية، تشهد أخرى، لا سيما في فرنسا وألمانيا، صعوداً في الوقت الحالي. وحتى لو كانت على الهامش فلا يمكن التغاضي ببساطة عنها لأن أعضاء هذه الأحزاب غالباً ما يكونون متطرفين وقادرين على ارتكاب أعمال عنف وإرهاب. كما أنه علينا ألا ننسى أن الحزب النازي نفسه كان مدرجاً في هذا الهامش المجنون.
كما يعلم أي شخص مطلع على مفارقات التسامح لكارل بوبر، فإن التسامح مع المتعصب غير المتسامح سيتيح له الفوز، ويقضي بالتالي على التسامح. لذلك فإن الملصقات النازية وارتداء الجماهير قمصاناً سوداء والشعارات النازية -كلها أمور غير مقبولة. والسماح لها بالظهور من دون رادع أو عائق يعني حرمان كل أطفالنا -بغض النظر عن لون بشرتهم أو عقيدتهم- من أي مستقبل.
غي والترز / مؤرخ