حرية – (11/7/2024)
يفتح تاريخ الثامن من يوليو (تموز) 1972، الباب واسعاً على تاريخ عمليات التصفيات الجسدية التي نفذها جهاز الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد” بحق قياديين وبارزين في المنظمات الفلسطينية ثم اللبنانية طوال 52 عاماً، كانت فاتحتها عملية اغتيال الأديب الفلسطيني غسان كنفاني، ثمّ ثلاثة قياديين من حركة “فتح” الفلسطينية في العام التالي بمحلة فردان وسط بيروت، فإلى عديد من الوجوه والأسماء البارزة في المنظمات والفصائل الفلسطينية، ولاحقاً في صفوف قياديين وعناصر من “حزب الله” وغيرهم، لعل آخرهم الصراف محمد سرور.
استباحة بيروت باغتيالات الموساد
لقد استباح الإسرائيليون بقيادة جهاز “الموساد” الأراضي اللبنانية برمتها، ومنها العاصمة بيروت، لتنفيذ عمليات تفاوتت بين ملاحقة محازبين وسياسيين فلسطينيين ولبنانيين وعمليات تفجير كبيرة كانت تحصل في مناطق لبنانية متعددة، راح ضحيتها أيضاً عشرات المواطنين اللبنانيين والفلسطينيين.
لم تكن الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد” لتنفذ عمليات تفخيخ وتفجير بالغة الدقة والتعقيد وتنفيذ اغتيالات وتصفيات جسدية بكواتم الصوت من دون تعاون محلّي لبناني أو فلسطيني، وجندت لذلك مئات المتعاملين والمخبرين، وقد استطاعت الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية، إلى جانب أجهزة “حزب الله”، عام 2006 كشف مجموعات من شبكات “المتعاملين” اللبنانيين والفلسطينيين وقادتهم إلى المحاكمة بعد اعترافات واضحة منهم عن كيفية تجنيدهم من قبل “الموساد” والمبالغ التي كانوا يتلقونها والعمليات التي نفذوها، إما مباشرة أو من خلال تسهيل مهامها ونقل المتفجرات أو السيارات المفخخة.
غسان كنفاني أولى التصفيات
في صبيحة الثامن من يوليو عام 1972 هز الحازمية في ضاحية بيروت الشرقية انفجار ضخم بعد تفجير سيارة مفخخة يملكها الأديب والروائي والسياسي الفلسطيني غسان كنفاني المولود في عكا (في شمال فلسطين) عام 1936 والمقيم في بيروت منذ عام 1961، وتبين أن الانفجار وقع بعدما هبط كنفاني من شقته وصعد إلى سيارته من نوع “أوستن” بيضاء اللون، وصعدت إلى جانبه ابنة شقيقته لميس نجم البالغة 17 سنة، وما إن أدار محرك السيارة حتى انفجرت وتحول من فيها إلى أشلاء.
كان كنفاني يشغل منصب عضو المكتب السياسي لـ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” والناطق الرسمي باسمها. وبعد مرور 33 عاماً على عملية الاغتيال اعترفت إسرائيل للمرة الأولى وبشكل رسمي أن عملاء جهاز “الموساد” هم الذين اغتالوه عبر زرع عبوة ناسفة في سيارته.
شغل كنفاني منصب الناطق الرسمي باسم “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”
نشر هذا الاعتراف الإسرائيلي الصحافي إيتان هابر بتقرير في صحيفة “يديعوت أحرونوت” في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2005 تحت خانة “كشف جديد” لمعلومات تتعلق بـ”حملة الثأر”، التي نفذها عملاء الموساد في عدد من الدول ضد فلسطينيين في أعقاب مقتل الرياضيين الإسرائيليين خلال دورة الألعاب الأولمبية في عام 1972 في مدينة ميونيخ الألمانية.
عملية فردان
شكلت عملية اغتيال كنفاني الحلقة الأولى من سلسلة عمليات جرت تباعاً، ففي 10 أبريل (نيسان) عام 1973، وبعد نحو 10 أشهر على اغتيال كنفاني، نفذ جهاز “الموساد” الإسرائيلي أضخم عملية “كوماندوس” تمت في منطقة فردان في العاصمة بيروت عرفت باسم “عملية فردان”، وبالعبرية باسم “عملية ينبوع الشباب”.
وبدعوى مشاركتهم في التخطيط لعملية ميونيخ في 5 سبتمبر (أيلول) عام 1972، اغتال “الموساد” القادة الفلسطينيين الثلاثة: محمد يوسف النجار أو “أبو يوسف النجار” (وزوجته) وكمال عدوان وكمال ناصر ومعهم سقط لبنانيون وفلسطينيون وعناصر أمنية لبنانية وإمرأة إيطالية مسنة خلال تنفيذ العملية.
كان النجار قائد عمليات “أيلول الأسود” الجماعة المسؤولة عن عملية ميونيخ، وكان أيضاً من قدامى المحاربين في منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيساً لجهاز الاستخبارات الداخلية لـ”فتح”. وكانت آخر مهامه رئاسة الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأحد نواب ياسر عرفات “أبو عمار”. أما عدوان فكان رئيس عمليات منظمة التحرير الفلسطينية، المسؤول عن الهجمات المسلحة ضد أهداف إسرائيلية. وكان كمال ناصر الناطق باسم منظمة التحرير الفلسطينية وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
تمت العملية بإنزال 19 زورقاً مطاطياً من ثماني بوارج حربية إسرائيلية، حملت أفراد القوة الإسرائيلية المنفذة للعملية عند شاطئ بيروت، بينهم 21 جندياً من “سرية هيئة الأركان العامة” و34 من الكوماندوس البحري و20 من سرية المظليين، من بينهم إيهود باراك (رئيس الوزراء السابق)، وقد تنكر بثياب امرأة.
اغتيال الرجل الثاني بعد عرفات
جرت عملية “الموساد” الثالثة والكبيرة في وسط بيروت، فاستهدفت أقوى الشخصيات الفلسطينية بعد ياسر عرفات هو علي حسن سلامة القيادي الفلسطيني البارز المعروف بـ”الأمير الأحمر”، وكانت إسرائيل قد وضعته في رأس قائمة الاغتيالات لكنها لم تنجح إلا بعد سبع سنوات من المطاردة باغتياله عام 1979.
في مارس (آذار) 2021 بثت “القناة 12” الإسرائيلية برنامجاً وثائقياً كشفت فيه للمرة الأولى عن كيفية اغتيال القائد الفلسطيني علي حسن سلامة الذي كان مسؤولاً عن الجهاز الأمني لـ”حركة فتح”، والذي تتهمه “الموساد” بأنه المخطط الرئيس لعملية ميونيخ. جرى تنفيذ الاغتيال بعد ظهر يوم الإثنين 22 يناير (كانون الثاني) 1979 بواسطة سيارة مفخخة بـ 100 كيلوغرام من المتفجرات، مركونة إلى جانب الطريق، على خط سيره اليومي من الصنوبرة نحو شارع مدام كوري بواسطة العميلة أريكا ماري تشامبرز التي نُقلت بعد ضغطها على زر التفجير من جونية إلى ميناء حيفا في إسرائيل.
اغتيال حسّان اللقّيس
وما بعد فترة الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، تواصلت عمليات “الموساد” في لبنان.
فقد اغتال ثلاثة مسلحين في ديسمبر (كانون الأول) 2013، القيادي في “حزب الله” حسان هولو اللقيس، المقرب من الأمين العام للحزب حسن نصرالله، أمام منزله الكائن في منطقة السان تيريز (الحدث) بينما كان عائداً من عمله، بإطلاق النار عليه من مسدس حربي. وأفادت معلومات بأن الرصاصات أصابت اللقيس برأسه وعنقه. فيما تحدثت معلومات حينها عن أن إطلاق النار نفذ من مسدس مزود بكاتم للصوت، وأطلقت الرصاصات من مسافة لا تتعدى المترين.
“حزب الله” اتهم بشكل مباشر “الموساد” الإسرائيلي بالوقوف وراء اغتيال اللقيس، لكن إسرائيل نفت هذا الاتهام، ملقية التهمة على “السلفيين”، على رغم أن “قناة إسرائيل الثانية”، أكدت “أن القيادي في الحزب نجا من عمليات اغتيال سابقة من قبل إسرائيل”.
وكانت عملية الاغتيال هذه بإطلاق النار قد انقطعت منذ اغتيال “عملاء” إسرائيل إمام بلدة جبشيت (النبطية- جنوب لبنان) الشيخ راغب حرب بتاريخ 16 فبراير (شباط) عام 1984 أمام منزله، في حين تكررت عمليات الاغتيال اللاحقة، وتحديداً في سنوات ما بعد تحرير الجنوب اللبناني عام 2000 باستخدام السيارات المفخخة.
نفذت مجموعة من “الموساد” عملية اغتيال الصيرفي اللبناني محمد إبراهيم سرور
اغتيال محمد سرور
على النمط العملياتي القديم وبدقة عالية، نفذت مجموعة تابعة لـ”الموساد” قبل أشهر عملية اغتيال الصيرفي اللبناني محمد إبراهيم سرور، المُدرج على لائحة العقوبات الأميركية، والذي تتهمه واشنطن منذ سنوات بتسهيل نقل أموال من إيران إلى حركة “حماس”.
العملية تمت في منطقة بيت مري في المتن الشمالي، فيما صرح وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي “أن أصابع الاتهام تشير إلى تورط الموساد في عملية الاغتيال”.
ورُجح أن أحد المتورطين في اغتيال سرور على معرفة بعمله وعلى تواصل معه، وطلب إليه في فترة سابقة تسليم مبلغ من المال لسيدة تقيم داخل فيلا في منطقة بيت مري، اسمها زينب حمود.
ومرة ثانية طلب الشخص نفسه إلى سرور تسليم مبلغ آخر من المال للسيدة نفسها، فتوجه سرور وحده إلى الفيلا، بتاريخ الثالث من أبريل 2024، فاستقبلته السيدة حمود طالبة منه الدخول وانقطع التواصل معه.
ورجحت معلومات أمنية أن تكون الفرقة التي كانت في داخل الفيلا مؤلفة من ثلاثة رجال وامرأة واحدة، وقاموا بتعذيب سرور بأدوات حادة. إذ أكد تقرير الطبيب الشرعي وجود كدمات على الجثة. وتعرض لإطلاق ثماني رصاصات متفرقة على جسده. واللافت أنه وبعد يومين من العثور على جثة سرور في التاسع من أبريل، أعلن الجيش الإسرائيلي عن مقتل أحد أبرز الممولين للأنشطة العسكرية لحركة “حماس” في رفح الصيرفي ناصر يعقوب جابر نصر، ما يرجح أن تكون الفرقة قد انتزعت من سرور معلومات خلال استجوابه وتعذيبه حول هويات الفلسطينيين الذين يتعامل معهم.
أول حكم إعدام بمتعامل
وفي مقابل عمليات الاغتيال هذه، كانت الأجهزة الأمنية اللبنانية توقف بين الحين والآخر بعض عملاء “الموساد”، وكان أبرزهم أفراد شبكة المدعو أحمد عبد البديع الحلاق، الذي تم احضاره من داخل المنطقة الحدودية (المحتلة في حينه) بعملية أمنية نوعية عام 1996، وحوكم وصدر بحقه حكم بالإعدام من قبل “المحكمة العسكرية الدائمة”، وثبّت الحكم من قبل “محكمة التمييز العسكرية”، وكذلك من “لجنة العفو” التي تبنّت الحكم وصادقت عليه.
بعدها صادق رئيس الجمهورية الياس الهراوي (آنذاك) على حكم الإعدام رمياً بالرصاص بحق الحلاق، ونفذ به الحكم عند الخامسة من فجر يوم السبت في 21 سبتمبر (أيلول) 1996 في الباحة الداخلية لـ”سجن رومية المركزي” بعد إدانته باغتيال فؤاد مغنية وشخصين آخرين وإصابة 15 مواطناً بجروح خلال انفجار في محلة صفير في الضاحية الجنوبية عام 1994، وذلك بناء على خطة وضعها “الموساد”، لتكون عملية الإعدام هذه الأولى من نوعها التي تنفذ بحق لبناني تعامل مع إسرائيل.
اغتيالات كبيرة
يشير الإعلامي الفلسطيني هيثم زعيتر، مؤلف كتاب “زلزال الموساد، العملاء في قبضة العدالة” (2014)، إلى أن “جهاز الموساد استطاع تنفيذ عشرات عمليات الاغتيال بشكل مباشر، من خلال زرع عبوات أو تصفيات واغتيالات أو من خلال عملاء. ويعدد أبرز عمليات الاغتيال هذه من كنفاني، واغتيال القادة الثلاثة في فردان، وكذلك اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” عباس الموسوي، الذي سقطت معه زوجته ونجلهما في منطقة تفاحتا بجنوب لبنان، في 16 فبراير 1992، بغارة إسرائيلية نفذتها طائرة أباتشي، بعد أن قام عملاء الموساد بجمع المعلومات عن تحركاته ومغادرته بلدة جبشيت”.
ويضيف “هناك استهداف لعدد كبير من المسؤولين في الفصائل الفلسطينية والأحزاب اللبنانية، وصولاً إلى الآن، ولم يقتصر الأمر على اغتيال في مجال محدد، بل تنوع بغية تحقيق النتيجة المرجوة للمخطط الموضوع، سواءً كان الشخص سياسياً أو إعلامياً أو كاتباً أو مسؤولاً أمنياً أو عسكرياً. وبرز أخيراً استهداف مسؤولين يتولون نقل الأموال، ومنهم الصيرفي سرور. وهذا يؤكد أن الموساد يلاحق أهدافه أينما أتيحت له الفرصة لتحقيق ذلك”.
اغتيال بائع الفول
ويؤكد زعيتر أن “جهاز الموساد” يعمد دائماً إلى تنفيذ كثير من العمليات “التي لا يعترف بها، بهدف إثارة النعرات والفتن. ومن بين العمليات التي نفذها الموساد لهذا الهدف اغتيال بائع الفول في مخيم عين الحلوة ويدعى أبو محمد المصري، عبر تفجير سيارة مفخخة، بتاريخ الأول من مارس 2003. وبعد متابعة القضية، تمكّنتُ من معرفة الاسم الحقيقي للمستهدف وهو محمد عبد الحميد شانوحة المعروف باسم عبد الستار جاد، وهو مصري الجنسية، كان يعمل تحت غطاء بائع فول لكنه في الحقيقة نائب القيادي في تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري، وكانت مهمته تجنيد مقاتلين إلى أفغانستان”.
ويوضح أن جهاز “الموساد” “يختار عملاءه بدقة متناهية، من الجنسيات اللبنانية والفلسطينية والسورية وغيرها، وفق المهمة المطلوبة. وهم يتوزعون داخل الأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية، والجيش والأجهزة الأمنية والمؤسسات والدوائر اللبنانية والقطاعات المختلفة، ويركز بشكل خاص على من يفيده بجمع المعلومات وتنفيذ المهمة”.
ويردف “ربما تكون شبكة محمود رافع هي من الشبكات القليلة التي نفذت المهام جميعها، وكانت الأكبر، وأبرز ما قامت به اغتيال القيادي في “حركة الجهاد الإسلامي” محمود مجذوب وشقيقه نضال في صيدا عام 2006، حيث دخل الضابط الإسرائيلي المدعو جورج إلى الأراضي اللبنانية، وتولى مهمة التنفيذ، وهو ما قام به الموساد في أكثر من مهمة”.
شبكات في “الشباك”
ويرى زعيتر أنه “في المقابل تمكنت الفصائل الفلسطينية والأجهزة الأمنية الرسمية والحزبية اللبنانية من توقيف عدد كبير من المتعاملين، قبل تنفيذهم مهامهم أو بعدها، وفي طليعتهم كان توقيف أحد العاملين بمكتب الرئيس ياسر عرفات في بيروت في سبعينيات القرن الماضي، ويدعى هاني أبو السعيد، الذي تسلم من الموساد مادة سامة لوضعها في طعام أو شراب أبو عمار، لكنه اكتشف قبل تنفيذ المهمة وأعدم. وتمكنت كذلك من اختراق شبكات التجسس الإسرائيلية، وبينها من خلال العميل الأسترالي الحامل اسم “إكس”، الذي جرى تجنيده، وكشف عن اسمي العميلين اللبنانيين زياد الحمصي المعروف باسم “الهندي” ومصطفى علي عواضة المعروف باسم “زوزي”، ما أدى إلى توقيفهما واعترافهما. كذلك، العميد المتقاعد في الجيش الإسرائيلي ألحنان تنينباوم، الذي استدرجه حزب الله في عام 2000 وأوقفه، وقام بعملية تبادل أسرى مقابل الإفراج عنه”.
رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات خلال الاجتياح عام 1982
عملاء ينشطون في الحرب
وتوقف زعيتر عند دور عملاء “الموساد” في المواجهات الأخيرة ضد الإسرائيليين باستهدافهم عدداً من القياديين في “حزب الله” وحركة “أمل” وحركة “حماس”، وحركة “الجهاد الإسلامي” و”قوات الفجر”. ويقول “صحيح أنها نفذت من قبل المسيرات الإسرائيلية، إلا أن تحديد كثير من المعطيات يحتاج في بعض الأحيان إلى عملاء ميدانيين، وقد تكشف بتوقيف بعض الشبكات، ما أُعلن عنها وما لم يُعلن، خصوصاً الشبكة التي اغتالت القيادي في “كتائب القسام” هادي علي محمد مصطفى عند مدخل مخيم الرشيدية، بتاريخ 13 مارس 2024، إلى عدد آخر من قياديي “حزب الله”. وقد تبين أن الرصد تم من خلال الطائرات المسيرة الإسرائيلية والتقنيات عبر استخدام الهواتف الخليوية، أو “واي فاي”، أو بصمة العين، أو بصمة الصوت”.
خروقات متبادلة
يشير عضو اللجنة المركزية في “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” سهيل الناطور إلى أنه “لا بد من الاعتراف أنه في الحرب مع العدو الإسرائيلي الاختراقات يجب أن تكون متبادلة، فيحاول الإسرائيليون اليوم بما لديهم من إمكانات ودعم أكبر قوى الغرب والتقنيات الحديثة أن يخرقوا كي يملكوا معلومات عن المعادين لهم، فلسطينياً ولبنانياً.
في المقابل لم تكن الفصائل الفلسطينية على قدرات كافية تكرسها بوجههم. لكن صحيح أنه بعد سلسلة من الاغتيالات ولأسماء كبيرة تنبه الفلسطينيون إلى ضرورة ألا يكون فقط الأمن العسكري مقتصراً على قوات العدو التي تهاجم هذا الموقع أو ذاك، وأيضاً على المعلومات وقوى الاغتيال التي يخصصها العدو ضد القادة والمسؤولين عن المراكز”.
جنود إسرائيليون يدخلون بلدة جنوبية في لبنان خلال عملية الليطاني عام 1978
ويضيف “هم حققوا لأنهم استطاعوا بسهولة أن يفاجئونا بضرباتهم على قيادات فلسطينية ولبنانية غير متوقعة، وكانت الحقيقة أن الفلسطينيين وخصوصاً في قطاع غزة والضفة الغربية تمكنوا من الوصول أيضاً، لكن الإسرائيلي لا يعلن عن خسائره من الجنود إلى أي جهاز ينتمون وأين يسقطون”.
ويلفت إلى أن حالات الاغتيالات التي نفذها الإسرائيليون تختلط فيها القضايا “مثلاً القضية الخاصة بغسان كنفاني كانت خليطاً بين النوع الاقتصادي والأمني والسياسي، بمعنى هو كان أديباً كبيراً، واتهم بأنه من المنسقين لعملية خطف طائرات قتل فيها عدد من الإسرائيليين، لذلك أصيب الأميركيون بمصيبة عبر تعويضات الطائرة الأميركية التي خسروها وخسروا فيها بشراً، هذه المسألة كانت تحتاج إلى اتصالات مع كنفاني للشهادة بأن هذه العملية حربية لا تخضع لتعويضات شركات التأمين. لقد استخدم الإسرائيليون والأميركيون الطابع الاقتصادي لتحريض كثيرين كي يغتالوا كنفاني”.
ويعتبر الناطور أن لبنان ساحة مفتوحة ويستطيع الإسرائيليون أن يجدوا كثيرين من المتعاونين معهم تحت عناوين كثيرة اقتصادية وغير اقتصادية.
ورداً على سؤال “هل تعتقد أن الإسرائيليين ومن خلال جهاز الموساد أوجعوا القيادات الفلسطينية ومنظماتها من خلال هذه الاغتيالات المتعددة على امتداد عشرات السنين؟ يقول “لا أعتقد ذلك، يعرف الجميع كبيراً أم صغيراً أنهم مهددون بالاغتيال على يد العدو أو على يد استخبارات بعض الدول التي تدعي أنها مع الفلسطينيين ولكنها تعمل ضدهم، لذلك لا يمكن القول إنه أوجعنا، لأن السلطة ليست احتكاراً كاملاً للفرد”.