حرية – (11/7/2024)
لا شكّ أن زعماء العالم يولون اهتماماً خاصاً بمظهرهم، يبدأ باعتماد أسلوب معين للملابس، وطريقة السير والإلقاء وانتقاء المفردات، ولا ينتهي الأمر عند طلاء الشفاه وحقن التجاعيد وزرع الشعر، هرباً من الأضواء المتوحشة المسلطة عليهم كألسنة اللهب، إذ يخضعون لكم كبير منها في أثناء إلقاء خطاباتهم، مما يضخم عيوب ملامحهم فيحاولون مواجهة هذا الوضع بالاستعانة بأدوات وإجراءات التجميل.
ووفقاً لخبراء المكياج ينفق الرؤساء آلاف الدولارات شهرياً على العناية بمظهرهم، إذ يدفعون بسخاءٍ لمصففي الشعر، وواضعي المساحيق وأطباء الجراحات التجميلية كذلك، تماماً مثلما ينفقون على الاستعانة بمستشارين إعلاميين محترفين ومتخصصين في الإلقاء وفن الحديث، ويصغون باهتمام إلى نصائحهم التي تجنّبهم الحرج العام، نظراً إلى مناصبهم الشديدة الحساسية.
محاربة التقدم في السن، ومطاردة التجاعيد، والظهور بشكل أكثر شباباً، وبلياقة بدنية عالية هو طموح إنساني طبيعي، لكنه يتحوّل إلى هاجس لدى الساسة، لأنه يؤثر بشكل مباشر في صورتهم في نظر العامة ومدى ثقة الشعوب في قراراتهم، ويُسهم كذلك في تعديل مزاج الناخبين المصوّتين في صناديق الاقتراع.
من هذا المنطلق دأب الزعماء على الاهتمام بهذا الجانب منذ عقود طويلة، وأخيراً دافعت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، عن التكاليف الباهظة التي تتكبدها الحكومة من أجل المحافظة على جمال وجهها ونقاء بشرتها وصحة شعرها. مشيرة إلى أنها تعمل ساعات طويلة وتسافر كثيراً، وتجد نفسها معرضة للأضواء القوية التي تضر بجلدها، وإن لم تهتم بمكياجها فستبدو مثل “حفار القبور”، وفق تصريحاتها لوكالة الأنباء الألمانية. واللافت أن الوضع لم يختلف كثيراً في ما يتعلق بالسياسيين الرجال كذلك.
بايدن… بشرة مشرقة بأداء مضطرب
وفق البيانات الرسمية لوزارة الخارجية الألمانية، فإن الوزيرة أنفقت أكثر من 136 ألف يورو خلال عام 2022 فقط على خبيرة المكياج الشخصية التي تعمل معها، ما عرّضها لانتقادات عدة واتهامات بالسفه، بخاصة أنها مقارنة بأشهر سياسية ألمانية سابقة تهتم بشكل مبالغ فيه بمظهرها، إذ كانت أنغيلا ميركل تعتمد على صيحات مكياج بسيطة، وتصب اهتمامها الأكبر على استعمال مساحيق تثبيت تسريحة الشعر الخالية من مادة الرصاص، لتحافظ على مظهر شعرها القصير مرتباً.
على رغم ذلك فالضجة الألمانية توارت لمصلحة نظيرتها الأميركية، عقب الجدل الذي صاحب ظهور زعيم الحزب الديمقراطي الرئيس جو بايدن، مسناً ضعيفاً بوجه شاحب وذاكرة مضطربة أمام منافسه على مقعد الرئاسة، الزعيم الجمهوري دونالد ترمب، في المناظرة التلفزيونية التي جمعتهما في إطار السباق نحو البيت الأبيض، إذ ستجرى الانتخابات في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
أنفق بايدن ما يقرب من 160 ألف دولار على عمليات تجميل
ووسط مطالبات بتنحي بايدن (81 سنة) بعد أن انخفضت أسهمه بشكل ملحوظ، ذكرت “نيويورك بوست” أن بعض نواب الحزب الديمقراطي طالبوا بأن يتم العمل وفق خطة تجعل بايدن “أكثر شباباً”، مثل اللجوء إلى مساحيق تجميل تخفي ملامحه الباهتة، واستعمال نوعيات إضاءة ملائمة لطبيعة بشرته، بخاصة أنه وفقاً للمصطلح الشعبي فقد “انهزم جماهيرياً” أمام ترمب، بخلاف أن صحته العقلية لم تعد في أحسن حالاتها، واستيقظت من جديد هواية التفتيش عن طرق بايدن السرية في إبعاد شبح العمر عن وجهه وسط التدقيق الشديد الذي يخضع له في هذه الفترة.
وبحسب التصريحات، التي أدلى بها طبيب التجميل غاري موتيكي، الذي يدير منتجعاً صحياً فاخراً بهوليوود، لصحيفة “دايلي ميل” البريطانية، فإن بايدن أنفق ما يقرب من 160 ألف دولار على عمليات شد الجبين، وتنعيم التجاعيد حول العينين.
ويعتقد بعض المتخصصين أن الرئيس الأميركي المتعثر في استطلاعات الرأي خضع لعمليات زرع شعر أيضاً، بعدما تعرّضت مناطق برأسه للصلع المعتاد مع التقدم بالعمر، في حين يصف بعض المعلقين جو بايدن بـ”المهووس بحقن البوتكس والفيلر”، لتبدو ابتسامته أكثر إشراقاً، لكنه بالنسبة إليهم فالمبالغة في استخدام أدوات محاربة التجاعيد، جعلت وجهه يبدو مثل “اليقطينة المنتفخة”.
سر لون بشرة ترمب
لكن نصيب غريمه ترمب من الخضراوات والفواكه لم يكن اليقطينة الزاهية اللون فقط، فأخيراً بات نشطاء موقع “إكس” يعتقدون أن أبعاد وجهه النحاسي اللون تقترب أكثر من البرتقالة، بخاصة بعدما كشفت بعض التقارير أن ترمب يلجأ إلى مساحيق التسمير التي تنتجها إحدى علامات المكياج السويسرية المحدودة الانتشار والزهيدة الثمن، إذ يتردد أنه مولع بها وفقاً لتسريبات مصدرها مدبرو المنزل الذين يعملون معه.
وتتميز تلك المستحضرات، بحسب تقارير إعلامية، ركزت عليها صحف عدة بينها “واشنطن بوست”، بأن تصبغ الوجه باللون البرتقالي الداكن الذي أصبح ترمب يتميز به، وعلى رغم تعرضه للسخرية طوال فترة ولايته الوحيدة التي امتدت من 2017 حتى مطلع 2021، فإنه لا يزال مصراً على وضعه، وبحسب تصريحات سابقة لجيسون كيلي، خبير المكياج الذي تعامل سابقاً معه، فإنه يرى أن ترمب يحصل أيضاً على “تسمير اصطناعي باستخدام بعض الأجهزة”، لكن تشوب العملية بعض الأخطاء حيث تبدو أجزاء من وجهه محاطة بالبقع الفاتحة اللون.
“واشنطن بوست” تقصّت في أكثر من تحقيق لها حول حقيقة لون بشرة ترمب، ومن الفرضيات أيضاً استعماله سريراً للتسمير للحصول على هذا اللون، لكن بعض البقع البيضاء، بخاصة أسفل عينيه سببها استعماله نظارة شمسية داكنة لحماية عينيه من الأشعة الضارة.
وجه ترمب أيضاً يتوقع أن يكون قد جرى إنفاق ما يقرب من 100 ألف دولار عليه كي يبدو أكثر شباباً وفق ما قاله غاري موتيكي، طبيب التجميل الشهير لـ”دايلي ميل”. مشيراً إلى أن عمليات شد الوجه تبدو جيدة معه، بخاصة أنه يبلغ من العمر 78 سنة.
أنفقت ما يقرب من 100 ألف دولار على وجه ترمب كي يبدو أكثر شباباً
وبمجرد كتابة عبارة مكياج ترمب في خانة البحث بمواقع التسوق العالمية سوف تظهر مجموعة من المساحيق جميعها عبارة عن أنابيب وكريمات ومستحضرات مضغوطة تعطي الوجه لوناً برتقالياً، كذلك لم تكن بشرة ترمب فقط هي الشغل الشاغل للمتابعين، إنما شعره الأشعث كذلك الذي يؤكد المتعاملون معه أنه حصل على شعر جديد أكثر من مرة عن طريق الزرع وعمليات جراحية، لتقليل فجوات رأسه في مواضع الفراغات.
أما خبير التجميل البريطاني جيرارد لمبي فقد كشف عن رأيه في الإجراءات التجميلية التي خضع لها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (71 سنة)، وأشار إلى أن الزعيم الملقب بقيصر روسيا، مهووس بأن يبدو شاباً بملامح ممتلئة وبشرة مشدودة، وهو ما جعله يلجأ إلى جراحات شد الوجه على الدوام، بعد أن كان في فترة سابقة يبدو مترهل الوجه، إذ وجد أنه من الأفضل أن يواظب على الحقن والتجميل وإخفاء العيوب بالمساحيق، ليحافظ على صورته رجل روسيا القوي الذي يعادي بقية المعسكرات.
لكن الملاحظ أن الأمر لا يتعلق عادة بالتقدم في العمر، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يبلغ عامه الـ47 نهاية هذه السنة يتمتع بـ”عدم ثقة في مظهره”، وفي ما توحي به ملامحه، إذ إنه وفقاً للتقارير أنفق 26 ألف يورو خلال ثلاثة أشهر فقط على فناني المكياج ومصففي الشعر الذين يتعامل معهم.
مبارك يستمع لنصيحة أميركية
عربياً، تبدو المعلومات شحيحة للغاية، إذ من المعروف أن غالبية رجال السياسة يلجأون إلى مساحيق إخفاء العيوب والندبات البسيطة ومظاهر التقدم بالعمر الطفيفة، بخاصة في حال الظهور العلني بالمؤتمرات الصحافية أو في اللقاءات التلفزيونية، إذ إن للكاميرات اعتبارات كثيرة.
لم يكن مبارك مبالغاً في وضع المساحيق
ووفقاً لما قاله خبير المكياج السينمائي محمد عشوب، في تصريحات متلفزة له قبل سنوات، فإنه وضع مكياجاً لكثير من الرؤساء والملوك، كما تحدّث بشكل مفصّل عن الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك. مشيراً إلى أنه لم يكن يحب وضع المكياج، لكن نصحه خبراء المظهر بالولايات المتحدة الأميركية باللجوء إليها لـ”تحسين مظهره” أمام الكاميرا، فاستعان مبارك به باعتباره أشهر فناني المكياج وقتها.
ولفت عشّوب إلى أنه لم يكن يبالغ في وضع المساحيق، وكان يهدف إلى إظهار بشرة الرئيس السابق بمظهر أكثر نعومة مع إخفاء خطوط التجاعيد، كما شدد على أنه كان يجري فحص أدوات التجميل التي يستعملها قبيل العمل على وجه الرئيس بواسطة ضباط كبار. وتابع أيضاً أن عملية وضع المستحضرات نفسها لم تكن تستغرق سوى دقائق قليلة، لكنه كان يتعمد إطالة الحديث مع مبارك، ليتناقش معه في بعض الأمور الحياتية وأحوال البلد.
هل يخفي مكياج الوجه الفضائح السياسية؟
لكن مهمة ليليان براون، أشهر خبيرة تجميل دخلت البيت الأبيض، كانت أكثر صعوبة، فهي الشخص الذي كان مطلوباً منه أن يضع مساحيق على وجه الرئيس السابق ريتشارد نيكسون، بينما يستعد لمخاطبة الأمة عقب كشف فضيحة “ووتر غيت”.
ووفقاً لمعلومات أوردتها صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن ليليان التي بدأت عملها مع مشاهير المجتمع في سبعينيات القرن الماضي وجدت نفسها أمام الرجل الذي يتولى أعلى سلطة في البلاد، بينما كان منهمراً في البكاء، فحاولت بشتّى الطرق أن تهدئ من روعه، كي لا تسيل المستحضرات التي تضعها له ويتحول الموقف إلى فوضى عارمة.
ولفتت براون، التي فارقت الحياة قبل نحو أربع سنوات عن عمر 106 سنوات، إلى أنها تخصصت في تجهيز النخب السياسية أمام الكاميرات منذ خمسينيات القرن الماضي، إذ لم يكن شائعاً وقتها وضع الرجل مساحيق التجميل، لكنها استطاعت أن تقنعهم بطريقتها التي تراعي اختلاف طبيعة كل شخصية، كأن تقلل من لمعان صلعة هذا، أو تضع مستحضراً لآخر يمنع تعرق وجهه.
ووفقاً لخبرتها الطويلة، التي اكتسبتها من التعامل مع عديد من الرؤساء وكذلك زوجاتهم، فإن جون كيندي كان أكثرهم طلباً وحرصاً على كل تفصيلة في المكياج وتدخلاً في اختيار زوايا التصوير بالكاميرا، لكنها عانت أيضاً مع رونالد ريغان، بخاصة أنه كان ممثلاً بالأساس ومعتاداً على استعمال المساحيق، إذ كان يبالغ في وضع المكياج على وجهه، وكانت مهمتها تتلخص في تخفيفها قبيل ظهوره على الكاميرا بلحظات، إذ إن لديها قاعدة أساسية تتعلق بأنها تهتم بأن تجعل الشخص يشبه نفسه، لا أن يكتسب ملامح خيالية وغير طبيعية.
براون، التي عملت مع تسعة رؤساء كان آخرهم بيل كلينتون، الذي ظلت على تواصل معه وتقدم له خدماتها كخبيرة تجميل حتى بعد خروجه من البيت الأبيض، كانت تمتلك حساً لا يخطئ في التدريب على الظهور، كما كانت تمنح عملاءها نصائح حول الألوان المناسبة للملابس في كل حدث، ولم تكن تخلو حقيبتها من ربطة عنق داكنة في حال الطوارئ، إذ قد يحتاج إليها عميلها في أي وقت، إضافة إلى الكريمات التجميلية والعلاجية السريعة.