حرية – (11/7/2024)
هيام بنوت
يتطلب تقديم البرامج الإذاعية مهارات ومواهب فريدة لا بد من أن يتحلى بها الإذاعي، أبرزها الصوت الواضح والجذاب والنبرة المناسبة لنوع البرنامج الذي يقدمه، القدرة على ضبط الصوت وسرعته وارتفاعه بحسب الحاجة، إتقان اللغة العربية من ناحية القواعد والنحو والمفردات، موهبة في التعبير عن الأفكار بوضوح وسلاسة، الدقة باستخدام الألفاظ والمعاني المناسبة، وشخصية تثير اهتمام المستمع والتواصل معه بطريقة فعالة.
وعلى رغم الجهد الذي يبذله مقدمو البرامج الإذاعية فإن معظمهم لم يحققوا إلا شهرة متواضعة وصوتاً انطبع في الأذهان لشخصية مجهولة في مقابل نسبة قليلة منهم عرفوا عربياً، ولعل أشهرهم على الإطلاق أحمد سعيد الذي لقب بـ “صوت العرب”، أما أبرز ما يجمع بينهم فهو شغف المهنة وعلاقة استثنائية بالميكروفون والناس في مقابل شهرة متواضعة بعد أعوام طويلة من العمل في مجال يحتاج إلى حنكة وثقافة وثقة بالنفس وسرعة بديهة وقدرة على الحوار، ولكن بعيداً من عيون الناس.
فكيف يتحدث مقدمو البرامج الإذاعية عن علاقتهم بالمهنة والميكروفون؟ وكيف يقيّمون تجربتهم بعد أعوام طويلة من العمل الإذاعي؟
تيماء علي مقدمة برامج إذاعية وتلفزيونية في سوريا
يسمع ولا يرى
تيماء علي تجمع بين التقديم الإذاعي والتلفزيوني ولا تترد بالقول لـ”اندبندنت عربية” إنها تفضل الإذاعة على التلفزيون، وتوضح “أطل من خلال إذاعة دمشق بصفتي مقدمة برامج سياسية، وهذا العمل يخولني تقديم كل أنواع البرامج لأنني عملت في بداياتي بالمجالات الفنية والثقافية والاجتماعية، واكتسبت الخبرة من الأقسام كافة، ثم اخترت القسم الذي أحبه وتخصصت فيه، أما في التلفزيون فأقدم برنامجاً عبر شاشة الفضائية السورية، ولا أنكر أنني أفضل الإذاعة لأن بداياتي كانت منها ولأنها تتطلب مني إيصال المعلومة بكل حواسي لشخص يسمعني ولا يراني، وهذا الأمر يحتاج مني بذل جهد أكبر وإحساساً أكثر، بينما التقديم التلفزيوني أسهل من هذه الناحية لأن الشكل يسرق الانتباه، أما على مستوى الكفاءة فلا توجد صعوبة في المجالين إذا أعد المذيع برنامجه بصورة جيدة وكان يملك مخزوناً ثقافياً دسماً، لكن متعتي الأكبر أحققها من خلال عملي الإذاعي، وأشعر بأن الميكروفون هو صديقي الذي أتعامل معه بإحساس عال لكي أصل إلى مستمع يجب أن أحبه لكي أنجح في إيصال رسالتي إليه، وأن أملك القدرة على جذبه لكيلا ينتقل إلى إذاعة أخرى، لذلك أنا أفصل حواسي تماماً في الإذاعة وأحصر علاقتي بالميكروفون بينما في التلفزيون تكون المؤثرات كثيرة مثل الكاميرات والإضاءة والأشخاص الموجودين في الاستوديو وسماعة الكونترول”.
وبعيداً من التميز الذي يحققه المذيع التلفزيوني أو الإذاعي بثقافته وذكائه وشخصيته وتفانيه في العمل وأدائه له بمحبة وضمير ومهنية، تشدد علي على أهمية الصوت في عملها الإذاعي “باعتباره العنصر الأساس لإيصال الرسالة الإعلامية للمتلقي موضوعاً ومعلومة، بل هو العنصر الأهم ونحن قمنا بتدريبات لتحديد الطبقة التي يجب استخدامها خلف الميكروفون وهي مختلفة تماماً عن الطبقة التي تستخدم في التلفزيون”.
ومع أن انتشار وسائل الاتصال الحديثة وتطورها قلل من رصيد الإذاعات جماهيرياً، لكن يبقى لها جمهورها الوفي بحسب علي، التي تقول “أنا عملت في إذاعات خاصة عدة ولكن إذاعة دمشق هي إذاعة عريقة وأم الإذاعات ولديها مكانة مميزة عند الجمهور، وعند الانتهاء من تقديم البرامج ونشرات الأخبار تصلنا اتصالات من الناس لمعرفة سبب غياب مذيع معين، وهذا يعني أن هناك تآلفاً بين المذيع والجمهور، فجمهور الإذاعة مختلف عن جمهور التلفزيون، ولكن يبقى لكل مجال جمهوره”. وتتابع “المقدم الإذاعي لا تهمه الشهرة بقدر ما يهمه شغف المهنة، ولكن يوجد في سوريا مذيعو إعلام معروفون أكثر من مذيعي التلفزيون مع أنهم ليسوا معروفي الوجوه، من بينهم عمر عيبور ومخلص الورار وفريال أحمد، أما بالنسبة إلى مذيعي التلفزيون ومع انتشار المحطات الفضائيات، صار هناك استسهال في مهنة تقديم البرامج بينما سابقاً كان يمر بمراحل تدريبية كبيرة”.
ومع أن مذيع الراديو يركز على صوته فقط لإيصال أفكاره ومشاعره إلى الناس بعيداً من بهرجة الشكل، فإن علي تختار الإذاعة على التلفزيون لو خيرت بينهما، وتوضح “لأنها المكان الذي تخرجت فيه ببداية عملي في الإعلام ولأني جربت العمل التلفزيوني، فأنا لم أستطع التخلي عن الإذاعة مع أنني لست مقدمة فقط لبرنامجي التلفزيوني بل أنا أعده وأقوم بالمونتاج والإخراج مع أنه برنامج توثيقي وكل حلقة منه تتطلب مني العمل لساعات طويلة، وبرأيي يفترض بالمذيع التلفزيوني أن يعمل أولاً في الإذاعة، هذا الأمر ليس شرطاً بل حاجة وضرورة لأنها تجعله أكثر تمكناً لغة وتجربة وثقة وتساعده على الانطلاق بسهولة، هذا مجرد رأي، ولا يعني التقليل من شأن من كانت بدايتهم في التلفزيون”.
يوسف اليوسف مقدم برامج ومشرف محتوى ومخرج إذاعي ومعلق صوتي في السعودية
من مسموعة إلى رقمية
وفي ظل التطور التكنولوجي طرأت تغييرات كثيرة على المذيع والجو الإذاعي، وفي هذا الإطار يقول مشرف المحتوى والمخرج الإذاعي والمعلق الصوتي في إذاعة “mbc fm” ومقدم البرامج يوسف اليوسف، إن الإذاعة تغيرت وبعدما كانت مسموعة أصبحت رقمية إذ يمكن سماع المذيع ومشاهدته من طريق التطبيقات أو المنصات الرقمية، وهذا الأمر ينطبق على إذاعة “mbc fm” ومع أن هناك جمهوراً يفضل أن يسمع بأذنه وإحساسه ويتخيل المذيع، يوجد جمهور آخر مواكب للتطور ويحب أن يشارك المذيع صوتاً وصورة وبأدوات مختلفة وبالاتصال به مباشرة بكبسة زر، بعدما كان في التسعينيات يرسل رسائل وفاكسات لكي يتواصل معه، وهذا الوضع أثر في المذيع والجو الإذاعي، فهو لم يعد ميكروفوناً فقط بل أصبح المذيع ينفذ برنامجاً ويعده ويقدمه، ولا شك أن السوشال ميديا عادت بالفائدة على الإذاعات وحتى في الوصول إلى الجمهور نفسه الذي كان يعرف المذيع صوتاً يرسخ في ذاكرته وصار بإمكانه اليوم التعرف إليه صوتاً وشكلاً”.
وعلى عكس كثير من الآراء ينفي اليوسف تراجع الإذاعة وجمهورها، ويقول “هي الوسيلة الوحيدة التي لا تزال صامدة برونقها نفسه وجمهورها لا يزال يتمسك بها، الإذاعة هي الرفيقة والصديقة والقريبة من الناس في حين تراجعت الوسائل الأخرى وتطور بعضها إلى منصات رقمية في بعض المجالات، ولا شك أن طريقة البث الجديدة في الإذاعات زادت عدد متابعيها بفضل السوشال ميديا التي سهلت التواصل مع المذيع والحصول على المعلومة منه مباشرة وليس عبر مصادرها الرسمية كما كان يحصل سابقاً”.
جيهان عبدالله مقدمة برامج إذاعية في مصر
محبة الناس والقبول
جيهان عبدالله التي تعمل في إذاعة نجوم FM مصر تقدم برنامجها منذ 21 عاماً، وهي كثيراً ما فكرت بإيقافه وتقديم برنامج آخر ولكنها لا تلبث أن تتراجع بسبب ارتباط الجمهور به، وهي تعتبر أن الزمن تغير والمواصفات الضرورية التي كان لا بد من أن تتوفر في المذيع لم يعد أحد يتمسك بها اليوم، وتشير “جودة الصوت ومخارج الحروف والحضور كلها كانت ضرورية جداً، أما اليوم فبإمكان أي كان أن يعمل في المجال وما ينطبق على المذيع الإذاعي ينطبق أيضاً على المذيع التلفزيوني لأن المقومات الأساسية التي كانت مطلوبة للعمل في هذين المجالين فقدت اليوم”.
عبدالله تعمل في الإذاعة منذ أكثر من 20 عاماً وتملك رصيداً كبيراً عند الناس وشغفاً بالمهنة ولا تنقصها الشهرة بحسب قولها، وتعقب “أنا أحب عملي والناس، وعدد الأشخاص الذين أصل إليهم يفوق أضعافاً مضاعفة عدد الأشخاص الذين يصل إليهم مذيعو التلفزيون. صحيح أن الشهرة ليست متوفرة للمذيع ولكنني قادرة على الوصول إلى الناس، ولقد تمكنت من الحفاظ على مكانتي طوال الأعوام الماضية لأنني أعتمد كتالوغاً خاصاً بي وحدوداً معينة لا أتراجع عنها ولا أتجاوزها فضلاً عن القبول ومحبة الناس، حتى إني قدمت إلى جانب برنامجي 30 برنامجاً إذاعياً آخر، وأقدم حالياً برنامجاً طبياً معه كما أنني أقدم في كل عام برنامجاً جديداً خاصاً بالشهر الفضيل”.
أندريه داغر مقدم برامج إذاعية وتلفزيونية في لبنان
ميكروفون ومستمع
أندريه داغر يعمل في الإذاعة منذ عام 1996 وكان قد عمل في الصحافة المكتوبة والتلفزيون، حالياً هو يقدم برنامجاً فنياً في إحدى الإذاعات التي يعمل فيها منذ نحو ثمانية أعوام، يؤكد أنه راض تماماً عن تجربته ووصل إلى قمة العمل الإذاعي.
يؤكد داغر بأنه عمل في مجالات إعلامية مختلفة ولكنه لم يتخل أبداً عن الإذاعة، مبرراً ذلك بقوله “عادة تنشأ علاقة حميمة بين المذيع والميكروفون إذ يتم التعاطي معه بشفافية لدرجة أن المذيع عندما يجلس وراءه يفرغ طاقته السلبية أو الإيجابية، ومن يعمل في الإذاعة يصبح التلفزيون بالنسبة إليه خياراً ثانياً نتيجة الشغف بالمهنة والعلاقة الجيدة مع الميكروفون والمستمع والاستوديو، ومن يملك خبرة تقديم البرامج التلفزيونية يفرح كثيراً عندما ينتقل إلى العمل في الإذاعة، ولكن العكس ليس صحيحاً بل إن الولاء الأول يبقى للإذاعة”.
من ناحية أخرى، يرى داغر أن مذيع الراديو لا بد من أن يتمتع بكفاءة وثقافة وذكاء يمكنونه من جذب المستمع، وأن يملك المؤهلات التي تمكنه مناقشة كل المواضيع وإجراء حوارات مع ضيوف من مختلف المجالات، المذيع التلفزيوني يقدم برنامجاً محدداً ويساعده فريق عمل في الإعداد، بينما مذيع الراديو هو المعد وفريق العمل ويقوم بالأبحاث ويحدد محاور الحلقات ويتصل بالضيوف، باختصار هو “وان مان شو”. ويقول “أنا أحاور في السياسة والطب والفن والأمور الحياتية وخلفيتي الثقافية تمكنني من ذلك”.