حرية – (11/7/2024)
أججت العلاقة العاطفية في “مسلسل بريدجرتون” سيلاً من التعليقات المؤذية والسامة التي تنبع من رهاب السمنة في الفضاء الافتراضي، لكن ما يبينه ازدواج المعايير في هذا المجال هو أن الموضوع لطالما ارتبط بالتمييز بين الجنسين بقدر ارتباطه بالتمييز على أساس الحجم
“أما زلنا غير مستعدين لعلاقة عاطفية بين أشخاص متفاوتين في الوزن على الشاشة؟”
أثار هذا العنوان الذي حمل إشارة إلى الموسم الثالث من مسلسل “بريدجرتون” الذي حقق نجاحاً ساحقاً على “نتفليكس”، موجة من الغضب وعدم التصديق في الفضاء الإلكتروني.
وغرد أحد المراقبين بقوله “علاقات بين أشخاص متفاوتين في الوزن، أكره هذا”، فيما قال آخر “هلا وضعتم مفهوم العلاقات العاطفية بين أشخاص متفاوتي الوزن في مؤخرتكم”.
وجاء أعلاه في مقالة من مجلة “فوربس” Forbes تناولت قصة الحب بين بينيلوبي فيذرينغتون (التي أدت دورها نيكولا كوفلين) وكولين بريدجرتون (وأدى دوره لوك نيوتن)، وكانت تسلط الضوء على ما قاله بعض المعلقين على الإنترنت الذين اعتبروا أن هذه العلاقة العاطفية “غير واقعية”، لأن كولين نحيف، على عكس بينيلوبي.
وإجمالاً تركزت الأنظار بشكل غريب على البنية الجسدية لهذه الأخيرة، بدءاً من المقالة التي نشرتها “غارديان” ووصفتها فيها بأنها “سمينة بعض الشيء ومثيرة جداً”، ووصولاً إلى مقالة سام في “سبيكتاتور” Spectator التي قدمت رأي كاتبها كما لو أنه حقيقة ثابتة، قائلاً إن كوفلين “غير مثيرة” وإن فكرة “الفتاة السمينة التي تخطف قلب الأمير غير واقعية على الإطلاق”.
بداية يصعب تصديق كمّ الغرور المتمثل في الافتراض بأن الرأي الشخصي المحدود لأي كان في موضوع “الإثارة” يجب أن يشكل معياراً للجميع، لكن ما يزعجني فعلاً في شأن هذا الرأي المبتذل إلى جانب الفكرة الصادمة بأنه لا يمكن النظر إلى أي سيدة لا ترقى إلى معايير الجمال الهوليوودي التقليدي على أنها جذابة بما يكفي كي تلعب دور البطولة، وهو ازدواجية المعايير بعينها.
صحيح أن مقالة “فوربس” نفسها قدمت في الواقع صورة أكثر تعقيداً ودقة عن الوضع، إذ طرح فكرة أن الأشخاص النحيفين “يشعرون بالرغبة والحب تجاه أشخاص أضخم منهم جسدياً ويتزوجونهم طوال الوقت”، فالعنوان كان ينقصه عنصر أساس، والعنوان الأدق هو “هل ما زلنا غير مستعدين لعلاقة عاطفية بين شخصين متفاوتين في الوزن على الشاشة حيث السيدة سمينة؟”، لأن المشكلة كالتالي: يبدو أن لا أحد يستاء عندما يكون الرجل هو الشخص غير الرشيق.
نشأت على مشاهدة مسلسلات كثيرة كان فيها “تفاوت كبير في الوزن”، إن جاز التعبير، بين الثنائي الرئيس أو الشخصيات الرئيسة، لكنه كان من جهة واحدة فقط: هومر ومارج سيمسون في “ذا سيمسونز”، ودوغ وكاري هيفرنين (كيفن جيمس وليا ريميني)، في “ذا كينغ أوف كوينز” The King of Queens (ملك كيونز)، وبيتر ولويس غريفين في “فاميلي غاي” Family Guy، وتوني وكارميلا سوبرانو (جيمس غاندولفيني وإيدي فالكو) في “آل سوبرانو”، وجورج كوستا (جيسون ألكساندر) وكل النساء اللواتي واعدهن في مسلسل “ساينفيلد” Seinfeld.
لم يُعتبر تفاوت الأوزان مشكلة في مسلسل “آل سوبرانو”
خلال تسعينيات القرن الماضي لم يجد أي أحد غرابة في أن يُغرم جون كاندي الضخم بآلي شيدي الرشيقة في “الوحيدون فقط” Only the Lonely فيما اعتاد ويل فيريل على الكشف عن جسده العاري غير الرشيق والمكسو بالشعر في الأفلام الكوميدية التي أقام فيها علاقات مع أجمل نساء العالم. (نيكول كيدمان وكريستينا آبلغايت ورايتشل ماك آدمز…هل أُكمل أم لا داعي لذلك؟). وخلال الفترة نفسها تقريباً لم يتعرض جوناه هيل الشاب والبدين للرفض بسبب محاولاته المهينة والخرقاء للتقرب من شخصية الجارة النحيفة التي أدت دورها إيما ستون في “سوبر باد” Superbad.
بل هذا في الواقع جزء من تقليد أوسع يجمع الرجال ذوي المظهر العادي تماماً بجميلات هوليوود، ويبدو أن هذا التصرف “واقعي” بينما عكسه “غير قابل للتصديق”، فلتفكروا بأفلام جيمس سيغل التي تفترض بكل بساطة منا أن نقبل كون ميلا كونيس وكريستن بيل وكاميرون دياز وكاثرين هيغل شريكات حميمات مساويات له، ولنأخذ أيضاً مثال جاك بلاك الذي أقام علاقة مع شانين سوسامون وكيت وينسليت في فيلم “العطلة” The Holiday، وتقوم أفلام كاملة مثل فيلم “إنها بعيدة المنال” She’s Out of My League على هذا المبدأ نفسه.
أنا لا أهاجم خيارات الممثلين في هذه الأفلام، فلمَ لا يرتبط شخص عادي بفتاة استثنائية بين الفينة والأخرى؟ لكن ما أهاجمه فعلاً هو النفاق السافر عندما تنقلب الأدوار، فلنضرب مثال الاقتباس الرائع الذي صورته “نتفليكس” عن كتاب ديفيد نيكولز الناجح “يوماً ما” One Day، إذ قدمت أمبيكا مود مع ليو وودال أداء جميلاً جداً عن شخصيتي إيما وديكستر، وكانت القصة في ذلك الوقت محط كم مزعج من الثرثرة التي اعتبرتها “غير واقعية”، إذ كيف نتوقع من أي جمهور أن يصدق بأن ديكس الوسيم المثالي قد يحب إيم الذكية بمظهرها العادي، مع أن الكتاب الأساس يقوم برمته على هذه الفكرة؟
إليكم الإجابة: فقصص الحب، أفضلها على أي حال، ليست ضرباً من مسابقات الجمال اللانهائية الشبيهة ببرنامج “جزيرة الحب” Love Island التي تفترض المنافسة و”البقاء لمن هم الأكثر إثارة”، فهي تقوم على التفاعل الكيمياوي والتواصل والرغبة والتوق والمزيج الغامض بين الفيرومونات والسحر، وليس المظهر سوى آخر العناصر التي تجعل أية رواية عاطفية مثيرة للاهتمام.
في آخر جزء من مسلسل “بريدجرتون” تظهر الشرارة بين بينيلوبي وكولين بكل وضوح، فهي تخرج من الشاشة وتتقد ما بين نظرات تطول وأياد تتلامس وتبعث على القشعريرة، فما أهمية مقاس رداء كوفلين، تلك الممثلة البارعة بما لا شك فيه (والتي أعتبرها مثيرة جداً) الذي يظهر منه صدرها العارم فيما تذيقها يدان خبيرتان ألواناً من السعادة واللذة في المقعد الخلفي للعربة؟
وفي هذا الإطار تحديداً أعطت الممثلة إجابة مثالية عندما قال لها معجب بأنها “شجاعة جداً” لظهورها عارية في “بريدجرتون”، إذ ردت قائلة “إن الأمر صعب كما تعلمون لأن النساء اللواتي يشبهنني في البنية الجسدية، أي النساء اللواتي لديهن صدور مثالية، لا يرين أنفسهن بما يكفي على الشاشة، فأنا فخورة جداً بصفتي عضوة في مجتمع الصدر المثالي، وأتمنى أن تستمعوا برؤيته”، وأنا متأكدة أن معظم الناس استمتعوا بذلك المشهد، ولذلك ربما علينا أن نتمثل بها بعض الشيء: تجاهلوا الهراء وتخلوا عن المفاهيم المتعلقة بالإثارة التي عفا عليها الزمن، وارموا العبارة المريعة “العلاقة العاطفية بين أوزان متفاوتة” في أعماق البحار.