حرية – (17/7/2024)
على الرغم من التطورات السريعة والتأثير العميق على شعوب آسيا الوسطى وغرب آسيا، إلا أن وسائل الإعلام العربية لا تقوم بتغطية كافية للوضع في أفغانستان. وهذه الفجوة ملفتة للنظر بشكل خاص نظراً للاهتمام الكبير الذي أبدته المنطقة بالديناميات المعقدة التي أعقبت الانسحاب الأميركي الدراماتيكي.
وفي ظل هذه الخلفية، برز اجتماع الدوحة الثالث في قطر، الذي جمع طالبان ومبعوثين خاصين من مختلف البلدان تحت رعاية الأمم المتحدة، باعتباره حدثاً محورياً مهماً. ويهدف هذا التجمع إلى معالجة القضايا الحاسمة التي ستساهم في تشكيل مستقبل أفغانستان وتعزيز التعاون الدولي. وكجزء من مبادرة أوسع للأمم المتحدة، كان الهدف الأساسي هو تعزيز الحوار بين طالبان وأصحاب المصلحة العالميين، بما في ذلك مبعوثون من دول مختلفة وممثلو المجتمع المدني الأفغاني. وشدد الاجتماع على الحاجة الملحة إلى مشاركة دولية قوية للتعامل مع المشهد المتطور في أفغانستان.
المواضيع المطروحة
شملت المواضيع الرئيسية التي تمت مناقشتها الأزمة الإنسانية المستمرة، والتحديات الاقتصادية، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة. وأكد الوفد الأمريكي، بقيادة الممثل الخاص توم ويست والذي يضم المبعوثة الخاصة للنساء والفتيات الأفغانيات وحقوق الإنسان رينا أميري، على أهمية عكس السياسات التي تضر بحقوق النساء والفتيات والمجتمعات الضعيفة الأخرى. كما ناقش الوضع الإنساني المتردي وضرورة دعم منظمات الإغاثة العاملة في أفغانستان.
وطالب وفد طالبان، بقيادة وزير الخارجية أمير خان متقي، برفع العقوبات الدولية، وإزالة تجميد احتياطيات البنك المركزي الأفغاني، وإزالة الأفراد من القوائم السوداء. وأكد متقي موقف طالبان باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة في أفغانستان وطلب الاعتراف من المجتمع الدولي، الأمر الذي لا يزال قضية مثيرة للجدل نظرًا لممارساتهم الحالية في الحكم، لا سيما فيما يتعلق بحقوق المرأة والحكم الشامل. وعلى الرغم من هذه المناقشات، لم يتم تحقيق اختراقات كبيرة أو تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة.
تواجد القاعدة في أفغانستان كوسيلة ضغط
فهناك الخلاف حول تواجد القاعدة في أفغانستان من خلال تقارير متعددة تشير إلى الوجود النشط للتنظيم وتعاونه مع الجماعات المسلحة الأخرى في المنطقة.
حيث أفاد فريق الدعم التحليلي ومراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة أن تنظيم القاعدة يدير معسكرات تدريب في 10 أقاليم من أقاليم أفغانستان الأربعة والثلاثين. وتشمل هذه المقاطعات مثل قندهار، طخار، غزنة، لغمان، باروان، أوروزغان، هلمند، زابول، ننجرهار، نورستان، بادغيس، وكونار. وتشمل البنية التحتية التي أنشأتها القاعدة البيوت الآمنة والمدارس الدينية ومراكز العمليات الإعلامية ومرافق تخزين الأسلحة.
وعلى الرغم من التصريحات الرسمية، فإن الأدلة تشير إلى أن تواجد تنظيم القاعدة في أفغانستان لا يزال قوياً. وأثار ذلك مخاوف بين الخبراء العسكريين الذين حذروا من أن عودة تنظيم القاعدة للظهور قد يؤدي إلى تعقيدات جديدة، مما قد يدفع الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في انسحابها من المنطقة.
وتضيف الديناميكية بين تنظيم القاعدة وجماعات أخرى مثل حركة “طالبان باكستان” طبقة أخرى من التعقيد. تعمل حركة طالبان الباكستانية، على نطاق واسع في أفغانستان وتتعاون مع تنظيم القاعدة، مما يزيد من زعزعة استقرار المنطقة ويشكل تهديدًا للدول المجاورة، وخاصة باكستان.
روايتين ونتيجة واحدة
في المناقشات الجيوسياسية الأخيرة، سلط الخبراء الضوء على المناورات الاستراتيجية المحيطة بحركة طالبان وتفاعلاتها مع القوى العالمية، وخاصة الولايات المتحدة. وقد أصبحت هذه الديناميكيات واضحة بشكل خاص في أعقاب الجولة الأخيرة من الاجتماعات الدورية التي عقدت في الدوحة. ويتعلق جانب بالغ الأهمية من هذه المناقشات بتواجد تنظيم القاعدة في أفغانستان، وهو ما يشير بعض المحللين إلى أن طالبان قد تستخدمه كأداة ضغط لتعزيز نفوذها، خلال موقفهم التفاوضي مع الولايات المتحدة.
ويبدو أن حركة طالبان، تعمل على توحيد فصائلها الداخلية وتمارس ضغوطا مباشرة على الكيانات الدولية ويهدف هذا الضغط إلى فرض الاعتراف العالمي بحكومة طالبان وإنشاء قنوات للتبادلات الدبلوماسية والسياسية. وفي مؤتمر صحفي عُقد مؤخراً في كابول، أكد ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم الحكومة الأفغانية المؤقتة، على هذه النية. وأكد أن وفد طالبان سيمثل أفغانستان في المحافل الدولية، ويؤكد سلطته ويسعى إلى معالجة القضايا الرئيسية، بما في ذلك تلك المتعلقة بحقوق المرأة.
وشدد مجاهد على أهمية حل قضايا أفغانستان داخلياً لمنع البلاد من الانزلاق إلى مزيد من الصراع والخلاف. وأوضح موقف طالبان بأنه، في ظل حكمها الحالي، يجب أن تكون الممثل الوحيد لأفغانستان في أي حوار دولي. ويؤكد هذا الموقف طموح طالبان لتشكيل جبهة موحدة واكتساب الشرعية على الساحة العالمية.
ومن ناحية أخرى، هناك رواية متناقضة تشير إلى أن الولايات المتحدة ربما ستعود لتستثمر موضوع تواجد تنظيم القاعدة داخل أفغانستان. وقد تكون هذه استراتيجية متعمدة من قبل الولايات المتحدة لممارسة الضغط على الإمارة الإسلامية، بهدف انتزاع تنازلات خلال اجتماعاتهم المشتركة. ويمكن لمثل هذه الخطوة أيضًا أن تمهد الطريق أمام تدخلات أمريكية متجددة في أفغانستان، سواء من خلال الاتفاقات السياسية مع طالبان أو من خلال استغلال الاضطرابات الداخلية لممارسة الضغط العسكري مرة أخرى على أفغانستان.
وبغض النظر عن صحة الروايتين، فإن الآثار المترتبة على ذلك كبيرة. ويشير كلا السيناريوهين إلى احتمال إعادة تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الأفغانية، إما من خلال اتفاقيات دبلوماسية مع طالبان أو من خلال تدابير قسرية تستفيد من عدم الاستقرار الداخلي. إن هذا التفاعل المعقد بين الاستراتيجيات الدبلوماسية يسلط الضوء على توازن القوى غير المستقر والصراع المستمر من أجل السيطرة والنفوذ في أفغانستان.
ختام القول، المشهد الجيوسياسي في أفغانستان لا يزال متقلباً، حيث تسعى حركة طالبان جاهدة لتأمين موقعها على الصعيدين المحلي والدولي. لكن جهودهم للحصول على الاعتراف وترسيخ أنفسهم كممثلين شرعيين لأفغانستان تتشابك مع المصالح الاستراتيجية الأوسع التي تشمل القوى العالمية الكبرى. ومع تكشف هذه الديناميكيات، يظل مستقبل أفغانستان معلقاً في الميزان، متأثراً بالسياسات الداخلية والضغوط الخارجية. وتشير التطورات الأخيرة من اجتماعات الدوحة واستمرار وجود تنظيم القاعدة في أفغانستان، إلى مستقبل محفوف بالمخاطر بالنسبة لأفغانستان والمنطقة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب محتملة بما في ذلك زيادة العسكرة، وتعطل التجارة، وتصاعد الصراعات المحلية والإقليمية. بالإضافة إلى النتيجة الأهم وهي عودة التدخل الأمريكي في البلاد من منطلقات مختلفة وبوسائل متعددة.